تحت شمس مأرب الحارقة، حيث تكون كل قطرة ماء مهمة، يستعيد المزارعون شريان حياة ظنوا أنهم فقدوه: سد مأرب التاريخي.
كان هذا السد يوماً ماً رمزاً للازدهار، لكنه واجه صعوبات في تلبية احتياجات منطقة أنهكتها سنوات الحرب والاستخدام المفرط، مما أدى إلى استنزاف موارد المياه في اليمن بشكل كبير.
في مديريتي الوادي والمدينة بمحافظة مأرب، حيث شكلت ندرة المياه والنزوح جزءاً من الحياة اليومية، تعمل المنظمة الدولية للهجرة على استعادة البنية التحتية المائية الهامة، واستخدام تقنيات ري فعالة. هذه الجهود تساعد المزارعين المحليين والمجتمعات النازحة على إحياء الزراعة، وإعادة بناء سبل العيش، والتكيف مع نُدرة المياه المتزايدة.
يشرح لنا جمال الزورقي، المساعد الميداني في مدينة مأرب لدى المنظمة الدولية للهجرة: "نقوم ببناء عشرة أحواض مائية في الوادي لإعادة تغذية المياه الجوفية، ونعيد تأهيل ثلاثة قنوات تنقل المياه من سد مأرب إلى المزارع وإلى هذه الأحواض. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتركيب شبكات لتوفير المياه في 300 مزرعة في المديريتين، لتمكين المزارعين من استخدام المياه بكفاءة أكبر والحفاظ على محاصيلهم".
القنوات المائية التي كانت متهالكة باتت الآن تضخ المياه بقوة من جديد، حيث تنقل المياه من سد مأرب إلى الحقول التي عانت طويلًا من ممارسات الري القديمة. وقد أحدثت أنظمة الري بالتنقيط تحولًا جذرياً على هذه المزارع؛ فمن خلال تقليل هدر المياه بشكل كبير، تتيح هذه الأنظمة للمزارعين ري الحقول بأكملها في وقت أقل بكثير مقارنةً بالري التقليدي بالغمر، ما يُعد تحسناً واضحاً في كفاءة استخدام المياه.
الري الحديث
لم تقتصر فوائد الري الحديث على توفير المياه فحسب، بل أعادت أيضاً الحياة إلى نشاط الزراعة. يقول حمد: "الفرق واضح للغاية. حقولنا أصبحت أكثر خضرة، ومحاصيلنا أكثر صِحة، وهناك شعور بالأمل بين المزارعين. نأمل فقط أن تتوسع هذه المشاريع حتى يستفيد منها المزيد منا".
بالنسبة للمزارعين مثل مبخوت، يمتد تأثير المشروع إلى ما هو أبعد من مجرد الحفاظ على المياه. مبخوت، الذي يزرع البرتقال والبطاط والطماطم ومحاصيل أخرى في مديرية الوادي، يتذكر كيف كانت نُدرة المياه تؤثر على كمية وجودة محصوله. يقول: "عندما لا يكون هناك ما يكفي من المياه، تُعاني المحاصيل، وتنخفض الغلة، وتتدهور الجودة".
بفضل أنظمة الري بالتنقيط التي تم تركيبها الآن في حقوله، يروي مبخوت قصة مختلفة: "في السابق، باستخدام الطرق التقليدية، كانت بعض المحاصيل تجف قبل أن تصل إليها المياه، مما يضطرنا إلى الري مرة أخرى"، ويضيف: "الآن يمكننا ري الحقل بأكمله في يوم واحد فقط. وزاد ذلك من الإنتاجية وحسن جودة ما نزرعه".
حلول للمزارعين
رغم التقدم المحرز، يدرك المزارعون مثل حمد ومبخوت التحديات المقبلة جيداً. يؤكد حمد: "يجب توسيع هذا المشروع. المياه أصبحت نادرة بشكل متزايد في مأرب، ومبادرات كهذه ضرورية لدعم الزراعة".
وأضاف: "ورش العمل حول الممارسات الحديثة مثل الري المحوري ومكافحة الآفات يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في طريقة الزراعة." كما يبرز الحاجة إلى دعم لتوفير البيوت المحمية وورش العمل المتقدمة للري، مما يمكن أن يساهم في تنويع مصادر الدخل ويتيح الزراعة طوال العام رغم القيود الموسمية للزراعة في مأرب.
أكد جمال على الأثر الواسع لمثل هذه المبادرات: "هذه المشاريع لا تقتصر على البُنية التحتية فحسب؛ بل توفر للمزارعين المعرفة والأدوات اللازمة للحفاظ على مصادر عيشهم في ظل الظروف غير المتوقعة".
بناء قدرة قطاع الزراعة على الصمود
على الرُغم من أن المشروع قد شمل بالفعل 300 مزرعة، فإن الطلب ما زال يتزايد. ويقول جمال: "هناك العديد من المزارعين الذين يحتاجون إلى هذه الحلول. توسيع المشروع لن يفيد المزارعين الأفراد فقط، بل سيعزز أيضاً الأمن الغذائي في المنطقة بأسرها".
يشكل مشروع الري الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة في مأرب خطوة مهمة نحو مواجهة أزمة المياه في اليمن ودعم العمود الفقري للقطاع الزراعي.
ومع ذلك، يعتمد نجاحه على الاستمرار في الاستثمار والتعاون الوثيق مع المجتمعات المحلية والحكومة والجهات المانحة الدولية.
بالنسبة لحمد، التغييرات التي أحدثها المشروع لها بُعد شخصي عميق وتحمل أيضاً أهمية أوسع. يقول: "الأمر لا يتعلق فقط بتوفير المياه، بل يتعلق بإنقاذ مستقبلنا".