تتوالى التطورات الجماهيرية في محافظة حضرموت (شرق اليمن) لتتخذ منحىً تصاعدياً بتحولها من المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية رافعة شعار "الحكم الذاتي" لكبرى المحافظات اليمنية الغنية بالنفط ما ينذر بمزيد من التوتر والانقسام السياسي في البلاد.
وطالبت حشود جماهيرية دعا إليها حلف قبائل حضرموت للتجمع في منطقة "الهضبة"، "بالإدارة الذاتية لحضرموت" استجابة لدعوة أطلقها وكيل المحافظة ورئيس حلف القبائل، الشيخ عمرو بن حبريش الذي أكد أن هذا اللقاء يأتي في مرحلة بالغة الأهمية لإعادة تأكيد إرادة أبناء حضرموت، وتمسكهم بحقوقهم السياسية والإدارية والاقتصادية، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد "تقرير للمصير" وأن "مصير حضرموت بيد أبنائها".
وللمرة الأولى تتخذ هذه المطالب منحى سياسياً جديداً يطرح بشكل علني مشروع "تقرير المصير" و"الحكم الذاتي المستقل" للمحافظة الأكبر مساحة في اليمن بعد أعوام من بروز هذا الصوت بشكل غير معلن في الأعوام الماضية.
وتأكيداً على ذلك قال بيان الاحتشاد إن "حضرموت لا يمكن أن تعود إلى مرحلة الهيمنة من الأطراف الأخرى"، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً. ورفع المشاركون شعارات تطالب بـ"التمكين الحضرمي الكامل"، وضرورة استعادة القرار لأبناء المحافظة.
وتأتي فعالية الحلف في ظل حال من عدم الاستقرار السياسي والفراغ الإداري في المحافظة ذات الثقل السياسي والاقتصادي جراء ضعف البنية الإدارية للحكومة الشرعية الحامل السياسي القانوني والشرعي المعترف به دولياً للبلاد وحال الفشل والانهيار المتلاحق في توفير الخدمات وتردي العملة الوطنية واستفحال الغلاء. كما تأتي رداً على تحركات قادها الانتقالي الجنوبي الذي يحمل مشروع استعادة الدولة الجنوبية التي دخلت في وحدة اندماجية مع اليمن الشمالي 1990 في ظل حال من الانقسام السياسي الرأسي إزاء تحديات وجودية ممثلة بالمشروع الحوثي الذي يتهدد الجميع.
باب التجنيد والأجندات
و عدّ الحلف أن "حماية حضرموت والدفاع عنها حق مشروع"، داعياً إلى فتح باب التجنيد لأبناء المحافظة بما يضمن تشكيل قوة كافية لحماية أمن واستقرار الإقليم.
مراقبون يقرأون هذه التطورات التي تتخذ تلويحاً بالقوة في إطار التسابق المحموم بين عدد من المكونات اليمنية لفرض حضورها في المحافظة الاستراتيجية تزامناً مع تنامي المطالب الشعبية هناك بتحسين الخدمات وإيجاد حلول لعدد من المشكلات والقضايا التاريخية والمطالب الشعبية والإدارة الذاتية والتمثيل العادل في مؤسسات الدولة مع مخاوف من تطوره لصراع محوري يفاقم المشكلات المركبة التي يعانيها اليمن عموماً بفعل الانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني.
وقبيل أسابيع أثارت زيارة قام بها عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي الذي يتبنى دعوات استعادة الدولة الجنوبية إلى منطقة المكلا، المركز الإداري للمحافظة بعض الجدل السياسي عقب خطاب حذر فيه من خطر عودة عناصر من تنظيم "القاعدة" للمكلا وهاجم مؤتمر حضرموت الجامع زاعماً أن فريق الحوار التابع للمجلس حاول التواصل معهم لكنهم رفضوا التعاون. ويومها صرح بن حبريش بأن حلف قبائل حضرموت لا يعترف بمجلس القيادة الرئاسي ولا يرحب بزيارتهم ما لم يجر تمكين أبناء المحافظة من حقوقهم المشروعة كشركاء في السلطة والثروة.
بوادر الصراع بين حلف قبائل حضرموت مع الانتقالي الجنوبي دفع بعض القوى السياسية لتأييد بن حبريش ليس حباً فيه وهو الشخصية المستقلة، ولكن لرفض الانتقالي.
ولهذا جاءت تغريدات عدد من الشخصيات والقوى المناوئة للانتقالي مؤيدة لفعالية اليوم بينما تقلل من الفعاليات السياسية والجماعيرية التي يعقدها الانتقالي الجنوبي.
هل هناك استدعاء للماضي؟
ويلحظ في فعالية اليوم حضور الطابع القبلي المشيخي ممثلاً بكبار الشخصيات والمرجعيات القبلية، وهو ما يمكن اعتباره اصطفافاً اجتماعياً معيناً ضد تكرار تجربة اليسار في الجنوب الذين يعتقد بعض أبناء قبائل حضرموت أن المجلس الانتقالي امتداد سياسي له كونه يرفع شعار استعادة الدولة الجنوبية السابقة، وهي التجربة التي انتزعت مساحات من الأراضي البور التي تدعي بعض القبائل امتلاكها وقامت السلطة الجنوبية حينها بتوزيعها على المجتمع بالتساوي مع دعمهم إجراء اصلاحات زراعية وتعاونية منتجة.
هذا الاصطفاف الماضوي ربما يقف خلف إصدار رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي قبل أسبوعين قراراً بتشكيل "اللجنة التحضيرية لمجلس شيوخ الجنوب العربي والسلطنات" القديمة التي حكمت الجنوب اليمني بالتبعية للوجود البريطاني كمحاولة لتطمين هذا القطاع الاجتماعي في برنامج الانتقالي السياسي بأن لا خوف على مكانتهم التي حازوها عقب خروج الحزب الاشتراكي عن السلطة كما جرى في عهد الجبهة القومية الحامل السياسي للجنوب عقب طردها الاستعمار البريطاني عام 1967 حينما ألغت الفروق الطبقية والامتيازات الاجتماعية.
تصاعد لا يعلم مداه
وقبل هذا اللقاء حضرت المشكلة الحضرمية في صورة حقوقية ومطلبية قبل أن ترفع اليوم شعارات سياسية. وبثلث مساحة البلاد وما يقارب 80% من مخزونها النفطي تشهد حضرموت (شرق اليمن) منذ منتصف العام الماضي سلسلة أحداث وتطورات متسارعة عبرت في مضمونها عن إيجاد حلول كاملة لجملة المشكلات والمظالم التي تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية وعسكرية.
ففي نهاية يوليو/ تموز عام 2024 بدأ خط سير الأوضاع يأخذ منحىً تصعيدياً على يد "حلف قبائل حضرموت" تزامناً مع زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المحافظة التي تقع في نطاق سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية. وأصدر الحلف بياناً من ست نقاط، هدد في إحداها الحكومة بوضع يده "على الأرض والثروة" إذا لم تستجب لمطالبه خلال 48 ساعة.
ودعا في نقطة أخرى "المجتمع والقوى الوطنية في حضرموت إلى مساندته"، معبراً عن حال الغليان الشعبية في المحافظة التي تتوزع في نطاقين جغرافيين وإداريين ممثلين بالساحل والوادي، جراء تدهور الخدمات الأساسية وأبرزها الكهرباء، ولذا أعلنت قبائل عدة عن مساندتها لمواقف "رئيس الحلف".
ونهاية الشهر الماضي، التقى بن حبريش وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في جدة، على وقع أزمة التصعيد في مسعى سعودي لتهدئة التوترات في البلد الجار ودعم حاجات الناس هناك.
وفي تدوينة له على صفحته في موقع "إكس"، قال بن حبريش، إن الاجتماع "ناقش الأوضاع على مستوى اليمن عامة، وكانت حضرموت حاضرة بكل استحقاقاتها السياسية منها والأمنية والحاجات الخدمية المهمة". وأضاف، "لمسنا الصدق والجدية وكل ما يبشر بالخير الواعد، وستشهد هذه الملفات متغيرات إيجابية في المستقبل القريب".
وجاء اللقاء مع وزير الدفاع السعودي للحد من تفاقم المشكلات وتحولها إلى أزمة تعصف بالمحافظة التي تشكل 36% من إجمال مساحة البلاد، مع تصعيد شعبي ضد السلطة المحلية ومجلس القيادة الرئاسي.
وهذه المطالب لم تكن منفصلة عن مزاج الشارع الحضرمي، وشهدت أحياء المحافظة التاريخية فعاليات جماهيرية محتجة على حال التدهور المريع الذي تشهده المحافظة والبلاد عموماً بعدما عانت ويلات الحر والعطش مع انقطاع الكهرباء والمياه في حين تحمل في باطنها مخزون ضخم من الثروات النفطية.
وإزاء تلك المطالب شكل مجلس القيادة الرئاسي "لجنة رئاسية" لمعالجة مطالب أبناء حضرموت إلا أنه لم يعلن عما حققته حتى الآن. ورغم عقد المجلس الرئاسي في الـ17 من سبتمبر/ أيلول عام 2024 لمناقشة الوضع المتوتر هناك، فإنه لم يعلن بعد عن التوصل إلى نتائج تسهم في حلحلة الأزمة، مع تأكيد "تفهمه الكامل للحقوق المطلبية لأبناء حضرموت"، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
(اندبندنت عربية)