تُعد مدينة تريم واحدة من أكبر مدن وادي حضرموت من حيث عدد السكان، ومن أبرز مراكز الحرف والصناعات اليدوية في محافظة حضرموت واليمن عموماً، إذ تضم العشرات من ورش النجارة، والمعامل، والمخازن التي تحتوي على مواد قابلة للاشتعال، وتغذي مديريات المحافظة ومناطق واسعة من اليمن.
ورغم هذه الأهمية الاقتصادية، تفتقر المدينة إلى أبسط أدوات الحماية والسلامة، وعلى رأسها سيارات الإطفاء، ما يجعلها عرضة دائمة لكوارث الحرائق.
صباح الجمعة، 9 مايو 2025، اندلع حريق هائل في ورشة متخصصة بأعمال النجارة وصناعة الأثاث بمدينة تريم، أسفر عن خسائر مادية كبيرة، دون تسجيل إصابات بشرية، الحريق كشف مجددًا هشاشة الاستجابة الطارئة، إذ اضطر المواطنون لاستخدام سيارات نقل مياه التحلية لإخماد النيران، فيما وصلت فرق الدفاع المدني من سيئون بعد أكثر من ساعتين على اندلاع الحريق.
خسائر فادحة
يقول المواطن عمر باطحان، صاحب الورشة المتضررة: "النيران التهمت كامل محتويات الورشة، بما فيها الأخشاب والمعدات وآلات التصنيع ومكينة الكهرباء، وحتى السيارة التي كانت متوقفة داخل الموقع".
وأشار إلى أن الخسائر المادية التقديرية بلغت نحو 250 ألف ريال سعودي، بينها منتجات جاهزة للتوصيل بقيمة 60 ألف ريال، وخشب خام يُقدر بـ30 ألف ريال سعودي، وأضاف أن الورشة كانت تحتوي على 22 منشاراً وتوابعها، موضحاً أن ماساً كهربائياً كان سبب اندلاع الحريق، ما أدى إلى انتشار النيران إلى ورشتين مجاورتين.
ولفت إلى أن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبقتها العديد من الحوادث المماثلة التي تكبد خلالها الحرفيون خسائر فادحة، في ظل استمرار غياب إجراءات السلامة والوقاية، وسيارات الإطفاء داخل الورش.
استجابة بطيئة
حداد مسيعد، وهو أحد أبناء تريم،" أن استجابة الجهات المعنية تكون بطيئة في مثل هذه الحوادث، إذ تصل سيارات الإطفاء من مدينة سيئون بعد حوالي ساعتين، ما يفاقم الأضرار، لولا تدخل الأهالي بوسائل بدائية.
وأضاف: "رغم عدم تسجيل خسائر بشرية، إلا أن الأضرار المادية كانت كبيرة؛ إذ احترقت ورشة بالكامل وتضررت اثنتان جزئياً، بمجموع خسائر تقديرية تجاوزت 200 ألف ريال سعودي".
قطاع حرفي بلا حماية
رغم النمو المتسارع في نشاط ورش النجارة والمعامل اليدوية بمدينة تريم، إلا أن غياب الحد الأدنى من معايير السلامة يشكّل تهديداً حقيقياً لأرواح العاملين وممتلكاتهم، في ظل تقاعس الجهات الحكومية عن أداء دورها الرقابي، ويُعد الإهمال في تطبيق أنظمة الأمان أحد أبرز أسباب تكرار حوادث الحرائق، والتي كثيراً ما تسفر عن خسائر مادية فادحة.
هذا الواقع يفرض على الجهات المعنية ضرورة التدخل العاجل، من خلال إلزام أصحاب الورش بتطبيق اشتراطات وقائية صارمة عند إصدار تراخيص التشغيل، بما يشمل توفير أنظمة سلامة متكاملة تشمل أجهزة الإطفاء، وخطط الإخلاء، وتدريب العاملين على التعامل مع الحرائق، وتطبيق إجراءات الأمان قبل وقوع الكارثة لا بعدها.
وتضم مدينة تريم اليوم ما بين 300 إلى 400 ورشة حرفية في مختلف الصناعات، بحسب ما أكده عبدالله سعيد باشعيب، رئيس الجمعية التنموية الحرفية للنجارين، الذي أشار إلى أن هذه الورش تواجه تحديات جسيمة، أبرزها غياب سيارات الإطفاء، وضعف توفر معدات السلامة، إضافة إلى تدني مستوى الوعي بإجراءات الوقاية من الحرائق، وغياب أنظمة الإنذار المبكر.
وأوضح باشعيب أن الجمعية نظمت عدداً من الدورات التدريبية وحملات التوعية لرفع كفاءة العاملين، مشيراً إلى أن المدينة شهدت نحو ست حرائق خلال السنوات الأخيرة، بلغت خسائرها المادية التقديرية نحو 200 ألف ريال سعودي، وهو رقم يحمل أثراً اقتصادياً كبيراً على مدينة تعتمد بشكل كبير على هذا القطاع.
وأضاف: "خاطبنا الجهات المختصة مراراً لتوفير سيارة إطفاء، ونأمل أن تجد مطالبنا آذاناً صاغية للتخفيف من الأعباء التي يتحملها المواطنون"، مؤكداً أن الجمعية تملك خطة طوارئ بالتنسيق مع الدفاع المدني، يتم تحديثها ومراجعتها بشكل دوري استعداداً لأي طارئ.
غياب بنية الطوارئ
رغم احتضانها لهذا الكم من الورش والمصانع، تفتقر تريم إلى مركز دفاع مدني مجهز بالمعدات والكوادر اللازمة، ما يضاعف من احتمالية نشوب الحرائق ويزيد من خطورتها. وقد طالب الأهالي والناشطون مرارا بتوفير سيارة إطفاء ومركز دفاع مدني مجهز، محذرين من أن التأخر في الاستجابة قد يؤدي إلى كوارث بشرية مستقبلًا.
وفي أعقاب الحادثة الأخيرة، أطلق ناشطون وإعلاميون حملة إعلامية تطالب بسرعة الاستجابة وتوفير وسائل الحماية اللازمة، محذرين من أن تكرار الكوارث بات يهدد أرواح السكان وممتلكاتهم.
يقول مسيعد: "عقب كل حادثة، تباشر الأجهزة الأمنية التحقيق، ويتم حصر الأضرار وتقييم الخسائر، لكن دون أن يتحقق أي تقدم فعلي في توفير معدات أو سيارات إطفاء".
ما حدث في تريم ليس مجرد حادث عرضي، بل هو جرس إنذار يُقرع بقوة في وجه الإهمال والتقاعس، مدينة تُعد مركزاً للحرف والمهن وتغذّي مناطق واسعة بالإنتاج، لا ينبغي أن تظل بلا وسائل حماية أساسية.
إن استمرار تجاهل مطالب الأهالي والجهات المجتمعية، في ظل تكرار حوادث الحريق، يضع المسؤولية كاملة على عاتق السلطات المحلية والمركزية، فهل ننتظر كارثة إنسانية تُزهق فيها الأرواح حتى تتخذ خطوات فعلية، أم ستواصل إخماد الحرائق بجهود ذاتية ووسائل بدائية.