2 سبتمبر 2025
25 أغسطس 2025


خلال الأسبوع الماضي، شهد الملف الفلسطيني جملة من التطورات السياسية الواعدة:

أولا موافقة حماس على مقترح ويتكوف لوقف الحرب بعد نقاشات مطولة في القاهرة.

وثانيا لقاء السيسي وبن سلمان في الرياض لتجديد الزخم حول المبادرة العربية لإعادة الإعمار وحل الدولتين.

وثالثا تصريح ترامب حول ضرورة انهاء الوضع الكارثي في القطاع باسرع وقت وإعلان 15 دولة اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين.

وأخيرا تنامي الضغوط الشعبية الداخلية على الحكومة الإسرائيلية للقبول بصفقة تبادل الرهائن والغاء خطط الاحتلال الكامل للقطاع.

كل هذه المتغيرات وضعت نتنياهو أمام مأزق حقيقي، لا يهدد بافشال سياسته الخارجية والعسكرية وحسب، بل يزعزع موقعه في السلطة؛ وكالعادة فان طوق النجاة الأمثل يكون بصاروخ حوثي يخترق بصورة اعجازية منظومات الدفاع الجوي، ويسهم في امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية بخصوص غزة، ويحرف الأنظار نحو الساحة اليمنية وتهديدات الملاحة.

بدأ الجيش الإسرائيلي بالتحرش بالحوثيين في 17 أغسطس، عبر قصف البحرية الإسرائيلية للبنية التحتية المدنية في صنعاء لحثهم على رد متهور جوا أو بحرا. ويوم أمس لم يتوانى سلاح الجو الإسرائيلي عن استعراض قوته في اليمن ردا على الصاروخ البالستي ذو الرأس الانشطاري الذي اطلق في 22 أغسطس وفشلت الدفاعات الإسرائيلية في اعتراضه.

ورغم تهافت بنك الأهداف الإسرائيلي في صنعاء (إلى درجة الإغارة على القصر الجمهوري الذي اشبع قصفا من قبل التحالف العربي)، إلا أن نتنياهو جلس بنفسه في قاعدة كرياة العسكرية ليراقب باهتمام - لا يخلو من المبالغة الدرامية - سرب الطائرات الإسرائيلية وهي تتدرب على تنفيذ الغارات في بلدان "الدائرة الثالثة" والتي تشمل اليمن وإيران.

وقد كانت الجزئية الأهم في هجوم صنعاء، تمرّس الطيارين على عمليات التزويد بالوقود في الجو، فيما بدا وأنه بروفة تدريبية على هجمات أوسع في ايران.

إن استفادة اسرائيل الدائمة من تصعيد الحوثيين لم تعد اليوم موضع جدال، فقد اثبتت نفسها في أكثر من مناسبة، لكن السؤال المطروح بقوة الآن: هل يعقل أن الحوثيين ومن خلفهم إيران لا يدركون هذه الحقيقة؟

خلال الفترة الماضية كان يمكن تفسير سلوكهم من خلال العمى الايديولوجي وسوء التقدير الاستراتيجي، لكن الهجوم الأخير بصاروخ انشطاري محرم دوليا، لا يمكن أبدا إدراجه ضمن طريق الجحيم المعبد بالنوايا الحسنة، بل هو سلوك مقصود خصوصا وانه تزامن مع جملة من التصريحات الإيرانية الكاشفة:

- خامنئي يقول إن إيران لن تذعن لأمريكا وإنه لا مكان لإتفاق نووي في الوقت الحالي.

- ⁠وزير الدفاع الإيراني يكشف أن طهران بنت مصانع للسلاح في بلدان إقليمية، وأنها زوّدت قواتها المسلحة بصواريخ جديدة للرد على إسرائيل.

- ⁠لاريجاني يقول إن طهران ستواصل دعمها للفصائل المسلحة بعد أن منيت زيارته إلى بيروت بالفشل.

على الأرجح، ومع تزايد احتمالات المواجهة على حساب التفاوض، تحاول إيران اثبات فاعلية الردع وعقيدة "الدفاع المتقدم"، لذا فقد اختارت توجيه رسائلها من خلال الحوثيين وعبر "صاروخ انشطاري"، من النوع الذي استخدمته لقصف إسرائيل خلال حرب 12 يوما.

كما ان تسخين الجبهة اليمنية هو فرصة لاستدراج إسرائيل، وربما الولايات المتحدة، إلى حرب وكالة في اليمن بدلا من المواجهة المباشرة، على قاعدة التضحية بالجنين كي تعيش الأم.

هذه الاسباب تفسر حسابات التصعيد من جهة طهران، لكن ماذا بشأن غزة؟

في حقيقة الأمر نجحت طهران من خلال الهجمات الحوثية بالحفاظ على آخر رمق رمزي لمفهوم "وحدة الساحات" وهو مصدر شرعيتها الأخلاقية، إلا أن جبهة الاسناد اليمنية وإن ظلت قائمة تكتيكا فإن وظيفتها الاستراتجية تغيرت بشكل عميق على الأقل خلال النصف الثاني من 2024:

لم تعد الغاية دعم المقاومة ومنع احتلال غزة، وإنما ممانعة أي صفقة سياسية يتم ابرامها بعيدا عن نفوذ ايران!

هذا الافتراض التحليلي يؤكده جملة من الشواهد، أهمها التصعيد الإعلامي الحوثي على مدار الأسابيع الماضية، ضد الدول العربية، لاسيما جمهورية مصر، والذي وصل إلى حد التهديد بضرب مصالحها الغازية.

رغم ان القاهرة ظلت تكظم غيظها لعامين و تبتلغ خسائرها الاقتصادية بصمت دون ان توجه حتى توبيخ لفظي للحوثيين . لكن اجتماع الفصائل الفلسطينة في القاهرة و نجاح مصر بتليين موقف حماس لم يكن محل ترحيب من محور الممانعة.

وتريد طهران أن تقول من خلال ذراعها الحوثي؛ بإن إنهاء الحرب في غزة عبر ترتيبات عربية أمريكية حصرية لن يتم، خصوصا مع استمرار الضغوط العربية الأمريكية في لبنان لحصر السلاح في يد الدولة. كما أن إنهاء الحرب في غزة لن يتم دونما ضمانات بعدم التوجه المستقبلي لاستهداف نفوذها الجيوسياسي في اليمن أو العراق.

وبالنسبة لطهران فإن بقاء المعاناة في غزة يعني بقاء السياسة الإقليمية العربية منشغلة بخفض التصعيد الإقليمي واحتواء مشاريع التمدد الإسرائيلي، وهذا يجعل الموقف العربي يتقارب مع إيران دون حاجة الأخيرة إلى تقديم أي تنازلات بالمقابل.

وقد تجلى ذلك بوضوح في التحركات السياسية العربية لوقف الهجوم الإسرائيلي على طهران في يونيو الماضي، والدبلوماسية الاستباقية العربية الساعية إلى تجنب تكرار هذا السيناريو. وقبل ذلك كان هناك فيتو عربي ضد مسار الحسم العسكري في اليمن (مارس وحتى مايو) إلى حين ضمان وقف الحرب في غزة.

وخلال الأسابيع القليلة القادمة سوف يتضح مدى تطابق هذه القراءة مع الواقع، ومدى استمرار طهران في مساعيها لتعطيل أي صفقة في غزة، من خلال ذراعها المسلح في اليمن وبالتخادم مع نتنياهو، إلى حين إبرام صفقة إقليمية أوسع تضمن أمنها القومي وبرنامجها النووي ونفوذها الإقليمي.

وفي هذه الحالة سوف يكون على الجانب العربي والدولي التفكير جديا - حتى من باب الرياضة الذهنية- في اعادة ترتيب أولوياتهم الاستراتجية لاستعادة أمن الإقليم: إذ أن إنهاء التهديد الحوثي في اليمن قد بات هو الشرط لوقف الحرب في غزة، وليس العكس.

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI