شهد الريال اليمني خلال الفترة الماضية تحسناً ملحوظاً أمام العملات الأجنبية، بعد سنوات طويلة من التدهور المستمر الذي أثقل كاهل الأسواق والمواطنين.
جاء هذا التحسن في أعقاب سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والقرارات النقدية التي أعلنتها الحكومة اليمنية بالتعاون مع البنك المركزي في عدن، والتي هدفت إلى وقف المضاربة بالعملة وضبط شركات ومحلات الصرافة، بالإضافة إلى تنظيم السوق وتحقيق استقرار تدريجي للعملة المحلية.
ورغم وصف هذه الخطوات بأنها ناجحة على المستوى النقدي، إلا أن التساؤلات ما زالت قائمة حول مدى انعكاس هذا التحسن على الحياة اليومية للمواطنين، وانخفاض أسعار السلع الأساسية، أم أن التحسن بقي حبيس الأرقام الرسمية، دون أن يشعر به المواطن العادي في قدرته الشرائية.
الإجراءات الحكومية وتأثيرها على السوق
مع بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، لوحظت تحركات واضحة في أسواق العملة المحلية، حيث قامت السلطات المالية والنقدية بعدد من الخطوات للحد من المضاربات وضبط تداول النقد الأجنبي.
تدخل الحكومة كان محورياً في استقرار الريال، فيما حاول التجار والمواطنون فهم مدى تأثير هذه السياسات على الأسعار، وسط حملات رقابية من قبل الجهات الرسمية للحد من أي تلاعب التجار في أسعار السلع الغذائية وغيرها.
رئيس الوزراء سالم بن بريك أشار إلى أن مجلس الوزراء أكد في اجتماعه الدوري بأن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية خيار وطني لا رجعة عنه، وسيمضي فيه المجلس بإرادة قوية وشراكة مع مجلس القيادة الرئاسي والبنك المركزي وبدعم أشقائنا وشركائنا الدوليين.
وأضاف في منشور على صفحته في الفيسبوك، قوله:"نحن أمام معركة مزدوجة: معركة مع التحديات الاقتصادية، ومعركة وجود ضد مشروع الحوثي الإرهابي. الإصلاحات خطوات عملية وليست شعارات.. ونضع معيشة مواطنينا في صدارة الأولويات. العملة الوطنية تعافت بجهود كبيرة.. وواجبنا أن يلمس المواطن أثر ذلك في معيشته اليومية".
التاجر عبدالله الشرعبي من تعز قال لـ"يمن فريدم" إن انخفاض سعر الصرف جاء بصورة مفاجئة، بالنسبة للتجار، ما جعلهم يعتقدون أن ذلك إجراء مؤقت وسيعاود الريال الصعود مرة أخرى.
وأضاف:" لذلك أبقينا الأسعار كما هي ومع مرور الوقت واستقرار الريال، بدأنا نشهد تأثير ذلك تدريجيًا على السوق، خاصة بعض السلع الغذائية الأساسية، بينما بقيت سلع أخرى مثل الأدوية والمنتجات المستوردة مستقرة أو شهدت انخفاضاً بسيطاً".
من جهته، يؤكد "محمد الصبري" مالك منشأة صرافة في تعز، أن الانخفاض المفاجئ في سعر الصرف جعل شركات الصرافة تعيد النظر في سياساتها اليومية، حيث أصبحوا يراجعون الأسعار بشكل أكبر، مع ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية.
مضيفًا في تصريحه لـ"يمن فريدم": "الإجراءات الحكومية ساعدت في تقييد المضاربة جزئياً، لكن الأسواق بحاجة لمزيد من الرقابة لضمان استقرار دائم، نأمل أن تستمر هذه الإجراءات لفترة كافية حتى تنعكس بشكل واضح على الأسعار في السوق المحلي، وأن يتمكن المواطن من رؤية أثر التحسن النقدي في مشترياته اليومية".
بين الأمل والواقع
في الوقت الذي كان الانخفاض في سعر الصرف محل اهتمام التجار والأسواق، ظل المواطنون يراقبون عن كثب ما إذا كان هذا التحسن سينعكس على حياتهم اليومية.
كثير من الأسر بدأت تلمس بعض التغيرات الطفيفة في أسعار السلع، فيما بقيت سلع أخرى مستقرة في أسعارها، الأمر الذي جعل التساؤلات حول استقرار سعر الصرف، وأسعار المواد الغذائية في الأسواق ترندًا تصدر مواقع التواصل الاجتماعي.
المواطن محمد المعمري قال لموقع "يمن فريدم": "الإصلاحات الحكومية حسّنت قيمة العملة وتراجعت أسعار بعض السلع، لكن كثير من المنتجات بقيت على حالها أو انخفضت بشكل طفيف فقط. الوضع تحسن قليلاً، لكنه يحتاج إلى خطوات إضافية لإلزام التجار بخفض الأسعار".
في السياق قال المواطن علي القاضي لموقع "يمن فريدم": "نشعر ببعض التحسن في قدرتنا الشرائية، لكن الأسعار لا تزال مرتفعة مقارنة بدخلنا اليومي. نتمنى أن تتبع الحكومة خطوات أكثر صرامة لضبط الأسواق، لأن أي ارتفاع مفاجئ في الأسعار قد يعيدنا سريعاً إلى الوضع السابق".
تحديات السوق النقدي
شهد الريال تحسنًا كبيرًا، وعلى الرغم من ذلك لم تغب عن المراقبين المخاطر البنيوية المرتبطة بسوق الصرف، حيث تبقى التحويلات الكبيرة للخارج والمضاربات بالعملة الأجنبية أبرز العقبات أمام استقرار طويل المدى.
مراقبون لاحظوا أن السياسات الحكومية وحدها قد لا تكفي لضمان استقرار دائم، فيما يظل البنك المركزي مطالباً بوضع آليات صارمة لتنظيم تدفقات النقد الأجنبي.
الصحفي الاقتصادي وفيق صالح قال في صفحته على فيسبوك، إن الإصلاحات الاقتصادية الفعلية تحتاج لمعالجة التحديات المتعلقة بتدفقات النقد الأجنبي إلى الخارج وتنظيم عمليات تحويل العملة الصعبة، التي تتم تحت مسمى الإعاشة، فالتحويلات الكبيرة إلى الخارج تعمل على استنزاف لموارد النقدية للبلاد وتضعف من قيمة العملة المحلية.
وأضاف وفيق: "من الضروري ضبط عمليات بيع النقد الأجنبي في السوق المحلية وعدم البيع بكميات كبيرة، حيث غالباً تُستخدم في المضاربة وغسيل الأموال وتحويل الأموال المنهوبة إلى حسابات شخصية في الخارج. هذه الاختلالات تشكل عقبة أمام أي إصلاحات فعلية، ما يستدعي سياسات نقدية صارمة من البنك المركزي لضمان استقرار سعر الصرف وحماية الاقتصاد الوطني".
ويبقى الاقتصاد اليمني في مرحلة انتقالية، بين نجاحات الحكومة في تحسين سعر العملة، وتطلعات المواطنين لانخفاض الأسعار، والتحديات البنيوية التي تهدد استمرار هذا التحسن.