إن كنت تحلم بشراء عقار جاهز في اليمن تسكن فيه أنت وأهلك، فلا تنجذب نحو الديكور الخارجي والزينة التي تظهر عليه، فهي كما يقال المثل الشعبي" "من خارج الله الله ومن داخل يعلم الله". حيث إن أغلب المباني الجديدة تظهر عليها التشققات، وانفصال الجدران، وهبوط القواعد في بعض المناطق، مما يجعلها عرضة للسقوط أثناء الأمطار، بالإضافة إلى نقص التسليح، بحيث يتم وضع حديد ذو جودة ضعيفة في القواعد، في ظل غياب الرقابة والمواصفات، وغياب المخططات.
لم يصمد
الحاج أحمد علي (اسم مستعار) لم يلبث على منزل أحمد علي الجديد سوى بضعة أشهر على أن بدأ بالتشقق والتشظي، على الرغم من أن المنزل الذي بناه تم تشييده عبر مقاول مختص بالمقاولات والبناء. وقد أخبر أحمد بأنه سيهتم ببناء المنزل على أفضل ما يكون، إلا أنه تفاجأ بالجدران بدأت بالتشقق، والبلاط في التشظي والهبوط، ولم يمر على البناء سوى 5 أشهر فقط.
يروي أحمد صدمته ويقول " انتقلت لمنزلي الجديد ذو البناء المسلح كما يطلق عليه، وأنا في كامل سعادتي، لكن سرعان ما تبددت تلك الفرحة والسعادة حينما بدأت الشقوق بتشويه جدران وسقف المنزل. لم ينته الأمر هنا فحسب، بل وصل حتى البلاط الي في الحمامات والمطبخ وكأن أحدا قد قام بتكسيره. هرعتُ للتواصل مع المقاول ليفهمني ما الذي يحدث للمنزل بالضبط إلا أنه رد عليّ بأن ذلك يحدث لجميع المنازل ولا ذنب له بذلك وأرجع أيضا السبب لكون المنطقة التي تم بناء المنزل بها الطينة فيها سيئة. تقبلتُ ذلك الرد على مضض وحاولت ترميم الشقوق البداية في الجدران واعادة الرنج لكن ما لبث شهرين حتى عادت الشقوق مرة أخرى ولم يفد الترميم بشيء، المنازل المجاورة لمنزله لم يحدث لها أي خلل كما حدث في منزله". إضافة لذلك فقد سأل مهندسين عدة أكدوا له أن المقاول الذي تولى بناء منزله قام بتنقيص الأسمنت عند الصب لتهبط العمارة بسبب ذلك وتتعرض لشقوق".
فلل سكنية في منطقة عصر بالعاصمة صنعاء ايضا لم تسلم من أخطاء البناء، فقد وجدت تشققات بالجدران واضحة للعيان، على الرغم من كونها منطقة سكنية راقية، والأمر لا يعني بالطينة والأرضية للبناء كما يبرر بعض المقاولين.
مبالغ
ارتفاع تكاليف أجور المهندسين وطلبهم مبالغ مالية على رسم مخططات المباني، حيث يطلب المهندس مبلغ وقدره 400$ على المبنى رسم مخطط المبنى الواحد، مما يجعل المواطنين يفضلون التخطيط العشوائي والاعتماد على المقاول فقط دون اللجوء لمهندس معماري.
اختلاف
الأمر بدا واضحًا لدى عبد الله فاتح حين قام ببناء عمارتين في نفس المكان بأعوام مختلفة ليحصل على نتائج صادمة. يحكي عبد الله أنه قام ببناء عمارة في حي الحصبة عام 1990، ولا زالت تبدو بنفس الصلابة والجودة التي بنيت عليها، ويقارنها بعمارته الأخرى التي بنفس الشارع، التي بناها عام 2010، وكيف عانت من تشققات. يضيف عبد الله: "بالتأكيد أن مواد البناء هي السبب فمواد البناء في السابق كانت أكثر جودة وصلابة".
غش مقابل الربح
تلاعب المقاولون في مواد البناء أثناء تشييد المباني بخفض كميات الإسمنت والحديد والخرسانة، فيتم استخدام حديد قطره 12 ملم بدلا من 16 ملم، وعدم فحص (النيس) وخضوعه للرقابة، حيث يأتي بها من الوديان عبر سائقو الشاحنات الذين يتقاضون مبالغ مالية تصل إلى 60 ألف ريال يمني على الحملة الواحدة، وبعضها مليء بالحصى والطين.
يعترف يحيى شمسان أحد المقاولين الذين يعملون في بيع العقارات بمدينة الحديدة، أنه يعمل على شراء عدة أراضي في المدينة، ثم يبدأ بإنشاء منازل تتكون من طابق واحد وتحوي عدة غرف، أركز على جذب المشتري. خفض نسبة الحديد والأسمنت يوفر المال، كذلك أدوات الكهرباء والسباكة والبلاط والرنج، فلا يوجد معايير أو ماركات. المشتري لا يشترط وجود مهندس يفحص البيت.
والأهم من ذلك أن يتم إنجاز البيت خلال مدة قصيرة ليتولى الدلالين الترويج له وبيعه فأكثر الزبائن هم المغتربين الذين لهم وكلاء في اليمن يشترون المنزل، إذ يسعى الجميع للحصول على عمولة من الطرفين البائع والمشتري.
عقوبة
القانون اليمني رقم (19) لسنة 2002، بشأن البنـاء حدد غرامة لكل من يخالف معايير البناء في المادة (71) يعاقب بغرامة لا تقل عن ضعفي قيمة الأعمال المخالفة كل من يرتكب بطريق العمد أو الإهمال الجسيم، عدم مراعاة الأصول الفنية في تنفيذ الأعمال، أو تصحيحها، أو تعديلها، أو الإشراف على تنفيذها أو الغش في استخدام مواد البناء واستعمال مواد غير مطابقة للمواصفات، مع سحب رخصة المقاول المسند إليه التنفيذ، أو إحالة المهندس المصمم أو المشرف على التنفيذ إلى النقابة للمحاسبة.
تواطؤ
موظفو الأراضي والبلدية يغضون الطرف عن البناء بطرق عشوائية وبدون تراخيص، مقابل مبالغ مالية تصل إلى 200$، بحسب مواطنين تحدثوا لمعدي التحقيق.
مشاكل وكوارث
المسؤول الإعلامي في نقابة المهندسين اليمنيين الصحفي فؤاد الفتاح، يشرح أن دور الرقابة، سواء من الجهات الرسمية أو من النقابات ضعيف، مضيفا "هناك مشاكل عدة في عملية البناء باليمن أحدها أن التصاميم للمنشآت والبنايات الكبيرة لا يوجد لديها نظام لحمايتها من الزلازل والكوارث الطبيعية، بل يتم البناء وفق تصميمات خارجية تختلف عن الطبوغرافية اليمنية، كذلك عدم احترام التخصص، فأغلب المباني الخاصة المصمم المعماري، الإنشائي، والكهرباء، والصحي شخص واحد".
يضيف "الفتاح": "هناك منازل مزروعة عمدان ستنهار على أصحابها من أبسط هزة، والتصميم يتم من مهندسين غير معماريين وبدون تنفيذ وإشراف مهندس مدني، وغالبية المباني تجارية فيها سوء تنفيذ، لهــذا يعاني المستفيدين من هذه المجمعات السكنية أو الأبراج المشتركة، خاصة بعد أن ظهرت الكثير من المشاكل في البيارات".
يتفق المهندس حاتم السنباني، مع الفتاح بأن الغش في المباني السكنية يكون نتيجة غش أو تلاعب بعض المقاولين في المعايير كإنقاص كميات المواد مثل الحديد والأسمنت وغيرها من المواد والمواصفات الفنية، أو التلاعب في تنفيذ التصاميم المعمارية والإنشائية إن وجدت. هذه التصاميم لا يوجد مهندس مشرف على تنفيذها، مما يترك المجال لبعض المقاولين بالتلاعب في التنفيذ.
تأثيرات
استهلاك النقد الأجنبي أحد التأثيرات الاقتصادية جراء الغش في مواد البناء، كما يبيّن مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن تأثيرات الغش غير المطابقة للمواصفات والمقاييس على الاقتصاد الوطني كبيرة، لا سيما وأن مواد البناء الأساسية مستوردة بالعملة الصعبة، كذلك على العمر الافتراضي للمباني والمنشآت، إضافة إلى زيادة كلفة المنشآت بصورة كبيرة جدا. وأردف أنها "جريمة اقتصادية".
ويرى المهندس كهلان الشجاع أن عملية البيع للعقارات يتم حسب الهيكل الخارجي، حيث لا يوجد فحص، كذلك هناك اختلالات كبيرة في تصميم المباني الجاهزة التي يشيدها المستثمرون، حيث لا يعتمد على مهندس يصمم المبنى، ولا مهندس يشرف على التنفيذ.
لا يمكن الغش فقط في الأساس والأعمدة، بل قد يطال السطوح والتشطيبات والرنج والشبابيك، وكل جزء في المبنى السكني قابل للغش، ويعود ذلك لعدم فحص المبنى قبل الشراء.
سوء التخطيط يتسبب أحيانا بحدوث هبوط او تشقق للبناء، حيث يتم البناء دون عمل فحص للتربة كما حدث في احدى العمارات بصنعاء. يؤكد كهلان أن المباني التي تتجاوز خمسة أدوار أو أكثر تحصل فيها حوادث، حيث إن أغلبها يتم البناء دون دراسة التربة وكم العمق، علاوة على ذلك يتم التنفيذ دون استشارة مهندس. وهناك تفاصيل مهمة جدا يتجاوزها المقاولون والعمال دون عملها، يتجاهلونها حيث يتعمد المقاول بالقول إنه عمل العمدان أو الصبة في عمارة معينة ولم يحدث أي شيء حتى الآن.
نسب ومحددات
النسبة المعيارية لكميات الأسمنت والخرسانة ليست نسب ثابتة في كل مكان. المبنى على حسب تصميمه وخصوصيته من حيث دراسة التربة ومساحته وعدد الأدوار التي تكون تحمله، وهل هو مبنى سكني، أو تجاري، أو حكومي، أو مبنى مقاوم للزلازل، أو استخداماته مختلفة ومتعددة. كل هذه العوامل هي مؤثرة على نسبة كم يستخدم حديد وأسمنت، ويتم حسابها وفقا لمحددات معينة وأكواد ومراجع يتم الرجوع إليها عند التصميم. يتم الإطار المنظم وفقًا لمحددات معينة وأكواد ومراجع حسب الكود الأمريكي، أو المصري، أو السعودي، وهناك أكواد كثيرة لهذه النسبة يتم الرجوع إليها عند التصميم.
احصائيات غائبة
على الرغم أن الشكاوى غير موثقة ومسجلة، إلا أنه تم رصد حالة انهيار لمسجد حديث البناء في 20 فبراير 2020 بمنطقة "الحاسكي" بمديرية تبن بمحافظة لحج. لم تتحمل أعمدة المسجد بناء السقف، ما أدى إلى سقوط أجزاء واسعة منه بسبب التلاعب في الكميات المحددة للبناء والإهمال، بحسب المهندس محمد الدعيس مدير المشاريع بمكتب الأوقاف بمحافظة لحج. أثناء عملية نزول ميداني لموقع المسجد قال إن سبب انهيار المسجد ناتج عن أخطاء في تنفيذ الأعمدة وشدة السقف وعدم وجود مهندس مشرف أثناء التنفيذ. كذلك حادثة انهيار عمارة الرويشان في عدن قبل عامين 2022 في شهر مارس، وانهيار عمارة في محافظة إب لشخص مغترب، والعمارة كانت قيد الإنشاء في عام 2021 بسبب الغش في الخرسانة ونقص الأسمنت.
اختبارات
"هناك اختبارات متلفة وفي غير متلفة، المتلفة مثل القلب الخرساني أو الكور، وغير المتلفة مثل اختبار مطرقة شميدت بالنسبة للمكعبات. هي تجري على الخرسانة خلال الصب، يعني أخذ عينة من الخلاطة، وأحطها في مكعبات ويتم تركها 28 يوما، وبعد ذلك يتم اختبار قوتها. أما التلاعب مكوناتها يتم أثناء الخلط. لكن الطريقة التي نتعامل بها، عندي للخلاطة مواصفات أخبره انني احتاج خرسانه مقاومة 30ميجا بكسال، وكي أعرف إذا النسبة صحيحة نحقق الاختبار، فإذا الاختبار 30 بالنسبة صحيح وإذا لم تكون 30 هناك تلاعب في الخرسانة"، كما يشرح المهندس المدني عبد الإله السوادي.
معايير
يعتبر اختبار مقاومة الضغط للبلوك هو الاختبار الرئيسي الذي يحدد من خلاله جودة البلوك، لذا فإن اختبار البلوك بشكل دوري مهم جداً للمحافظة على جودة البلوك المستخدم، كما يشرح مهندس قائد الحبيشي. حيث يجب على المهندس اختبار البلوك عند اعتماد المعمل أو المصنع بأخذ عدد من البلوك عشوائياً من موقع التصنيع، ويتم اختبار مقاومة الضغط لها وأخذ القياسات لأبعادها ووزنها، وتعرض نتائجها للجهة المشرفة لاعتمادها.
فهناك اسمنتي الخفيف أوتوماتيك مفرغ خفيف قياس 20*20*40 سم، يصنع من خلطة مكونة من الأسمنت والرمل والخبث البركاني والماء، بحيث تكون وزن البلوكة الواحدة لا يزيد عن 10 كجم. يستخدم لمباني السطح الأخير مثل الستارة العليا وبيت السلم، ويمكن أن يستخدم للمغالق مباني الطوب الأحمر وعند الأعمدة (أكتاف) والمواضع التي يحددها المهندس المشرف، والبلوك الإسمنتي الثقيل يستخدم البلوك الأسمنتي المفرغ الثقيل قياس 20*20*40 أو 15*20*40 سم، ويصنع من خلطة مكونة من الأسمنت والرمل وكري 2/1 هـ، بحيث تكون وزن البلوكة الواحدة لا يزيد عن 18، 24 كجم. يستخدم لبناء القواطع الداخلية والخارجية الدور الأرضي المصممة على أنها محلات تجارية، كما يستخدم لبناء الفواصل بين القواعد الخرسانية، والأجزاء المعرضة للضغط، والبلوك الإسمنتي الصم، قياس 15*20*40، ويصنع من خلطة خرسانية عادية، بحيث تكون وزن البلوكة الواحدة لا يزيد عن 28 كجم، وتكون مقاومة الضغط له 250 كجم /سم2 يستخدم في مباني غرف المجاري.