7 أكتوبر 2025
7 أكتوبر 2025
يمن فريدم-الحرة -سكينة المشيخص


بعد أكثر من ثلاثة عقود على وحدة الشمال والجنوب، يعود ملف “الدولة الجنوبية” إلى الواجهة، مع طرح المجلس الانتقالي الجنوبي رؤية لإقامة دولة مستقلة، منفتحة على تحالفات إقليمية وعلاقات سلام مع إسرائيل.

في هذا السياق، يقدّم المجلس نفسه كقوة أمر واقع تعمل على إعادة رسم الخريطة اليمنية، مستفيدا من حالة الانقسام بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين في صنعاء، ومن الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه من الإمارات.

ويقول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، إن الانفتاح على إسرائيل يرتبط برؤية أوسع تقوم على إعادة تفعيل مسار “اتفاقات أبراهام” وفق صيغة تضمن قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

“حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين هو حجر الزاوية لإعادة الاتفاق الإبراهيمي إلى وضعه الطبيعي، ويمكن أن تكون دولة الجنوب العربي (اليمن الجنوبي) جزءا منه إذا تم الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب الإسرائيليين”، يقول الزبيدي لـ”الحرة”.

يدرك قادة المجلس الانتقالي أن الدخول في علاقات سلام مع إسرائيل ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل مدخل للحصول على اعتراف دولي بـ”دولة الجنوب”، يفتح الباب أمام فرص اقتصادية واستثمارية، ويعزز موقعها الأمني في منطقة تتشكل موازين قواها على وقع تحالفات جديدة.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه لا ينفصل عن التحولات الأوسع في المنطقة، حيث تعتبر بعض القوى الخليجية التطبيع جزءا من منظومة الأمن الإقليمي الجديدة.

وهذا الطرح ليس بعيدا عن تفكير بعض داعمي المجلس، لاسيما أن الإمارات، الحليف الأبرز للانتقالي، والتي وقّعت بالفعل على اتفاقات أبراهام، ولها مصالح استراتيجية مع إسرائيل في مجالات الأمن والطاقة والتكنولوجيا.

ورغم احتدام الصراع في غزة وتزايد الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، بقيت اتفاقات أبراهام إطارا للعلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

فقد اختارت الدول المنضوية في الاتفاقات – الإمارات والبحرين والمغرب – الإبقاء على قنواتها الرسمية مع تل أبيب، وإن بوتيرة أبطأ بعد 7 أكتوبر، حفاظا على المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية التي تحققها من تلك الشراكات.

لكن القيادي في المجلس الانتقالي منصور صالح يرى أن اتفاقات أبراهام أكبر من المكاسب السياسية أو الاقتصادية الصرفة.

“نحن نفهم الاتفاق الإبراهيمي كمفهوم للتعايش بين الأديان والثقافات، وهذا أمر ليس غريبا على شعبنا، فالعاصمة الجنوبية عدن عُرفت بكونها مدينة للتسامح، وفيها تعايشت كل الثقافات والأديان، وما زالت الشواهد على ذلك قائمة”، يقول صالح لـ”الحرة”.

وفي ما يتعلق بالانعكاسات الأمنية، يرى صالح أن انضمام الجنوب إلى اتفاقات أبراهام انسجاما مع الموقف العربي والإسلامي سيوفر له اعترافا دوليا أوسع ويُحصنه من العزلة.

عند إعلان الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990، كانت التوقعات تتجه نحو إقامة دولة حديثة تقوم على الشراكة والتكامل والعدالة. غير أن تلك الآمال، وفق الرؤية الجنوبية، اصطدمت بواقع مغاير تمثل في هيمنة النظام في صنعاء على مؤسسات الدولة، وإقصاء الكوادر الجنوبية من المناصب القيادية، والاستحواذ على الموارد، ما جعل الوحدة تتحول إلى مشروع يكرّس سيطرة الشمال على مفاصل السلطة.

وتفاقمت الأوضاع حتى اندلاع الحرب في صيف عام 1994، عندما شنّت قوات الشمال بقيادة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وبدعم من قوى الإسلام السياسي، هجوما واسعا على الجنوب.

وفي 7 يوليو من العام نفسه، سيطرت تلك القوات على المحافظات الجنوبية، لتبدأ مرحلة من الإدارة المركزية من صنعاء، شهدت تغييرات واسعة في مؤسسات الدولة، وإنهاء العمل ببعض الهياكل الإدارية التي كانت قائمة في الجنوب قبل الوحدة.

وفي خضمّ تلك الأحداث، أعلن الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، في 21 مايو 1994، فك الارتباط مع صنعاء، في خطوة وصفها بأنها رفض لما آلت إليه الوحدة، وإعلان رسمي للانفصال السياسي والإداري والمؤسسي عن النظام القائم آنذاك.

رغم القيود التي تبعت أحداث 1994، استمر الجنوبيون في المطالبة بـ”تقرير المصير”، وتجلّى ذلك من خلال الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق عام 2007 بقيادة نخبة من القادة العسكريين والمدنيين الذين تعرضوا للإقصاء من مؤسسات الدولة.

رفع الحراك شعار استعادة الدولة، مستندا إلى إرث 21 مايو، ومطالبا المجتمع الدولي بالاعتراف بفشل الوحدة وتحولها إلى إدارة موحدة يهيمن عليها الشمال.

وفي مايو 2017، تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس قاسم الزبيدي، ليجسد عمليا إرادة فك الارتباط والتوجه نحو استعادة الدولة، ويصبح الممثل الأبرز لقضية الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية، مستفيدا من الدعم الشعبي والتغيرات الإقليمية والدولية.

"عندما تعود الدولة الجنوبية، فإن قراراتها ستبنى على ما يحقق مصالح شعب الجنوب، وستحرص على أن تكون جزءا من المجتمع الدولي والاتفاقات والمواثيق الدولية، باعتبار أن ذلك كفيل بتقوية موقف بلادنا وتجنيبها أي شكل من أشكال العزلة السياسية"، يقول صالح لـ"الحرة".

وبينما يواصل المجلس الانتقالي ترسيخ حضوره السياسي والعسكري، يبقى مستقبل "الدولة الجنوبية" رهينا بتوازنات الداخل اليمني، ومواقف العواصم الإقليمية التي تتقاطع مصالحها في جنوب الجزيرة العربية.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI