"الجنوب العربي" المنشود: كيف يرسم عيدروس الزبيدي ملامح الدولة القادمة؟
جلس اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، هادئا، محاطا بمستشاريه في أحد فنادق نيويورك، بعد يوم مزدحم من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، للإجابة عن أسئلتي.
تحدث عن ملامح دولة جديدة باسم "الجنوب العربي"، بحدود قد تتجاوز ما قبل عام 1990، ونظام فدرالي، وتحالفات تمتد من الخليج إلى واشنطن، وربما إلى إسرائيل عبر بوابة "اتفاقيات أبراهام".
"نحن في مرحلة انتقالية اتحادية، تجمعنا ضرورة مواجهة الحوثي، لكن الهدف النهائي هو حل الدولتين: شمال وجنوب،" قال.
لفهم موقع الزبيدي في هذا المشروع، لا بد من العودة إلى بدايات مسيرته.
من هو الزبيدي؟
عيدروس الزبيدي ضابط وسياسي ولد في محافظة الضالع الجنوبية عام 1967. شارك في حرب عام 1994 وأسّس لاحقا حركة “حتم” التي رفعت شعار تقرير مصير الجنوب عن الشمال. خلال حرب 2015 قاد مجموعات مسلّحة في الضالع وعدن؛ ثم عُيّن محافظا لعدن أواخر 2015 وأُقيل في 2017، ليُعلن بعدها تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي ويتولّى رئاسته.
منذ أبريل 2022 يشغل منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ويطرح مشروعا سياسيا لاستعادة دولة جنوبية مستقلة عن الشمال.
الوحدة اليمنية
في 22 مايو 1990، توحّدت الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) في دولة واحدة. غير أن التوافق لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما انقلب إلى صراع دموي انتهى بحرب صيف 1994. حاول الجنوب حينها الانفصال مجددا لكنه هُزم، وسيطرت قوات صنعاء على عدن، ما عمّق شعورا جنوبيا بأن الوحدة تحولت من مشروع شراكة إلى أداة هيمنة.
يومها علق الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني (وهو من الشمال): “الوحدة التي تتحقق بين غالب ومغلوب لا يمكن أن تستمر طويلاً”.
ومع تراكم شعور الجنوبيين بـ"المظلومية"، ظهرت في مطلع الألفية حركة مسلحة باسم "حتم"، قادها الزبيدي الذي أقابله اليوم. كانت "حتم" واحدة من أولى محاولات الجنوب لفك الارتباط بالسلطة المركزية التي يقودها الرئيس علي عبد الله صالح.
وفي سنة 2007، انطلق الحراك الجنوبي بقيادة مدنيين وعسكريين سابقين من الجيش الجنوبي.
ومع حرب 2015 وسقوط صنعاء بيد الحوثيين، دخل الجنوب مرحلة جديدة من الصراع.
الانتقالي الجنوبي: من الحراك إلى السياسة
في 4 مايو 2017، أُعلن عن المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه إطارا سياسيا منبثقا عن الحراك الجنوبي.
وبحسب الزبيدي، انطلق المجلس من "تراكمات الحراك والمقاومة الجنوبية"، ليشكل "مظلّة سياسية لقضية الجنوب".
يقول الزبيدي إن مجلسه يستمد شرعيته من اتفاق الرياض، وما أتاحه من مشاركة في الحكومة والانضمام إلى مجلس القيادة الرئاسي، والتأييد الشعبي الذي يحظى به في الجنوب، حسب قوله.
لكن تمثيل المجلس للجنوب لا يزال موضع نقاش بين قوى وشخصيات جنوبية أخرى.
يمتلك المجلس جناحا عسكريا، يقول الزبيدي إنه "يقوم بالدفاع عن أرض الجنوب من مليشيات الحوثي". لكن دور هذه القوات لا يقتصر على الجنوب فقط، إذ تشارك قواته في معارك داخل الأراضي الشمالية، ولا سيما في الساحل الغربي (تعز والحديدة..)
"الحرب الأخيرة رسمت خارطة الجنوب وحدودها،" قالها لي أحد مستشاري الزبيدي، وهي عبارة دفعتني إلى سؤاله مباشرة: أين تتوقف حدود الدولة التي يطمح الجنوب إليها؟
جنوب أكبر من 1990
قبل لقائي معه بيوم، قال الزبيدي في محاضرة بجامعة كولومبيا في نيويورك إن "90% من أراضي الحكومة الشرعية هي مناطق جنوبية" فيما لا تتعدى المناطق الشمالية المحررة 10% حسب قوله، خاصة في مأرب وتعز.
أكثر من هذا، يقول رئيس المجلس الانتقالي في حديثه مع "الحرة"إن "الكثير من سكان مأرب وتعز يطالبون بالانضمام إلى الجنوب".
“نحن نرحب بهم ضمن الخارطة الجغرافية والسياسية للجنوب،” يضيف.
بهذا الطرح، يذهب الزبيدي أبعد من حدود ما قبل 1990.
القطيعة مع فكرة يمن موحد، حسب الزبيدي، "ستكون نهائية. لن يحمل اسم الدولة القادمة حتى كلمة اليمن".
"دولة الجنوب العربي" هو الأكثر قبولاً لدى أنصار المجلس الانتقالي، وهو اسم قديم يعود إلى الاتحاد الذي أنشأه المستعمر البريطاني عند توحيده عددا من المشيخات والسلطنات في الجنوب قبل الاستقلال عام 1967.
مهمة عاجلة: الحوثي
"نحترم إرادتهم كشماليين وهم يحترمون إرادة الجنوبيين وأعتقد أنه ستكون هناك حل الدولتين بعد انتهاء الحوثي"، يقول الزبيدي لـ"الحرة".
يقول المسؤولون الجنوبيون إنهم مثّلوا خط دفاع صلبا في مواجهة الحوثيين منذ اندلاع الحرب. ففي مطلع 2015 سيطر الحوثيون على القصر الرئاسي في عدن وعدد من المواقع العسكرية الحيوية، ما دفع مقاتلي الجنوب إلى إعادة تنظيم صفوفهم وشن هجوم مضاد.
حظي المقاتلون الجنوبيون بدعم إماراتي واسع شمل تدريب ما يقارب 90 ألف مقاتل وتجهيزهم بالسلاح. وهو ما أسهم في استعادة ما يقارب 93% من الأراضي وتحرير عدن وبقية المناطق تباعا.
في هذا السياق، يقول عيدروس الزبيدي إن "المقاومة الجنوبية" لم تكن مجرد رد فعل عسكري، بل جزءا من مشروع سياسي أوسع. "الجنوب يطمح لقيام دولة فيدرالية.. كل محافظة تحكم نفسها محلياً".
لا يخفي الزبيدي الدور الإماراتي في دعم مجلسه، ويصف الإماراتيين دوماً بـ"الأشقاء"، واصفا هذا الدعم بأنه كان أساسياً في بناء قوات الجنوب.
حول هذا الدعم، يقول القيادي في المجلس الانتقالي منصور صالح لـ"الحرة" إن هذا الدعم كان "سخياً، وشمل مختلف جوانب الحياة، ولولاه لواجهنا أوضاعاً أكثر صعوبة وتعقيداً".
الاتفاقيات الإبراهيمية: منفتحون بشروط
حين سألته عن موقفه من اتفاقيات أبراهام التي جمعت إسرائيل بعدد من الدول العربية، أجاب: "حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين هو حجر الزاوية لاستعادة الاتفاق الإبراهيمي إلى وضعه الطبيعي، ويمكن أن تكون دولة الجنوب العربي جزءا منه إذا تم الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب الإسرائيليين".
الزبيدي، وفي أكثر من مناسبة، أعلن أن دولة الجنوب ستسعى إلى إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. لكنه في نفس الوقت ينتقد التدخل الإسرائيلي في غزة. "ما يجرى في غزة كان مؤثراً على كل عربي ومسلم، بل وعلى المستوى الإنساني، وهو غير مقبول".
ولدى سؤاله عن موقف شركائه في مجلس القيادة اليمني عن تصريحاته بشأن اتفاقات أبراهام والعلاقة مع إسرائيل، أجاب: "أعضاء مجلس القيادة تعرضوا كلهم للإقصاء والتهميش وطُردوا من أراضيهم… نحن نعترف بحق تقرير مصيرهم".
ماذا بعد سقوط الحوثيين؟
يرى الزبيدي أن العملية السياسية "ستكون معقدة وطويلة"، لكنها ستقود في النهاية إلى صيغة "حل الدولتين".
هكذا يرسم الزبيدي المستقبل: تحرير الشمال من الحوثيين أولاً، ثم مفاوضات تؤدي إلى قيام دولتين مستقلتين. مع ترك الجنوب المجال مفتوحا لتوسيع حدوده إذا اختار سكان بعض المناطق الشمالية الانضمام إليه.
يرى الزبيدي أيضا مستقبل الجنوب ضمن محور خليجي أميركي. يقول: "دولة الجنوب العربي ستكون شريكاً متميزاً مع الإمارات والسعودية والخليج، وسنكون جزءاً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي".
يريد الزبيدي أيضا شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، بحكم الموقع الاستراتيجي للجنوب عند باب المندب وثرواته الطبيعية.