29 أكتوبر 2025
29 أكتوبر 2025
يمن فريدم-إسماعيل محمد علي
نازحون سودانيون فروا من الفاشر يصلون إلى بلدة طويلة في 28 أكتوبر 2025 (أ ف ب)


ندد الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء بـ"وحشية" قوات الدعم السريع في السودان و"الاستهداف الإتني" للمدنيين بعد سيطرتها على مدينة الفاشر في غرب البلاد.

وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس في بيان "استهداف المدنيين بناء على انتمائهم الإتني يظهر وحشية" قوات الدعم السريع.

كذلك نددت فرنسا الأربعاء بهجوم "الدعم السريع" على الفاشر، معربةً عن قلقها إزاء "فظائع" محتملة، وحضت الطرفين المتحاربين على "التفاوض المباشر".

وأعرب ناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان عن "قلق باريس الكبير إزاء التقارير التي تفيد بوقوع فظائع، بما في ذلك إعدامات ميدانية ارتكبتها قوات 'الدعم السريع' في الفاشر، وكذلك في بارا". وأضاف أن "فرنسا تحض قوات 'الدعم السريع' على ضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية من دون تمييز"، وتدعو "القوات المسلحة السودانية وحلفاءها إلى إبداء تمييز وضبط للنفس في ردها من أجل حماية المدنيين".

وفي وقت أنهت قوات "الدعم السريع" تمشيط كل نواحي الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حتى امتداد 20 كيلومتراً باتجاه المحور الجنوبي والجنوب الغربي، بخاصة المواقع التي كان يتحصن فيها الجيش وحلفاؤه من الحركات المسلحة، مما يعني إحكام قبضتها الكاملة على المدينة، لا يزال الغموض يكتنف مصير 177 ألف مدني يواجهون صعوبة الخروج منها في ظل انتشار كبير لهذه القوات على الطرق وانسداد مخارج النجاة.

وبحسب تنسيقية لجان "مقاومة الفاشر"، فإن من تبقى داخل الفاشر من المدنيين قتل أغلبهم، بينما تبقى آخرون مصيرهم مجهول، لا يعرف لهم أثر ولا يعلم عنهم طريق.

وأوضحت التنسيقية في بيانٍ لها أن "أعضاء تنسيقية لجان مقاومة الفاشر والمتطوعين مصيرهم أيضاً مجهول حتى الآن".

غارات جوية

في حين نفذ طيران الجيش، أمس الثلاثاء، سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع وتجمعات "الدعم السريع" في الفاشر، فضلاً عن مخازن ذخيرة ومعسكرات تجمع كانت تستخدمها تلك القوات في أحياء متفرقة من المدينة، أبرزها المناطق الجنوبية والغربية، مما أدى إلى اشتعال حرائق ضخمة ووقوع انفجارات قوية.

وأظهرت مقاطع فيديو حالة من الهلع والخوف وسط جمع من عناصر "الدعم السريع" عقب تلك الغارات العنيفة التي أحدثت دماراً هائلاً وتصاعد أعمدة الدخان الكثيف من مواقع عدة، فيما شوهدت مركبات وآليات مدمرة وجثث متناثرة.

وأشار مصدر عسكري إلى أن "هذه الغارات لن تتوقف حتى يتم تطهير المدينة من تلك القوات وقطع الإمداد عنها"، لافتاً إلى أن العملية الجوية تمثل واحدة من أعنف الضربات التي شنها الجيش منذ بداية الحرب في دارفور.

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش، العميد ركن عاصم عوض، "النصر قريب، ولن تتهنى ميليشيات الدعم السريع بما اغتصبت، وسندافع عن الوطن حتى آخر رمق". وأضاف عوض، "ستظل القوات المسلحة السودانية ثابتة لا تلين ولا تنكسر، ولن نساوم أبداً في الدفاع عن الوطن ووحدته".

تنديد وغضب

إلى ذلك، نددت دول ومنظمات عربية وإسلامية بالانتهاكات التي ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في الفاشر، من بينها السعودية ومصر وقطر والكويت والأردن، إضافة إلى جامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي.

وفي وقت أحدثت فيه هذه الانتهاكات موجة غضب عارم على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التعليقات على مقاطع الفيديو الوحشية التي تتداول بكثافة، يرى البعض أن السودان دخل مرحلة أكثر عنفاً، وأن السيطرة على الفاشر ليست سوى فصل جديد من حرب طويلة لم تكتمل فصولها بعد.

وأشار آخرون إلى أن الحرب دخلت مرحلة جديدة قد تعيد رسم الخارطة الجغرافية والسياسية للبلاد، وسط تحذيرات من تداعيات إنسانية وأمنية متفاقمة، واحتمالات لتوسع رقعة النزاع نحو مناطق أخرى.

ويتخوف البعض من أن تؤدي هذه الحرب إلى تقسيم فعلي للبلاد بين شرق وغرب، خصوصاً أن دارفور تعد المعقل الأساسي لقوات "الدعم السريع"، التي شكلت، أخيراً، حكومة موازية في الإقليم، لافتين إلى أن هذا التحول الميداني قد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً في ظل غياب أي تسوية سياسية شاملة.

تعطيل أجهزة الاتصال

من جانبه، اتهم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أجهزة استخبارات في المحيط الإقليمي، لم يسمِّها، بقطع التواصل عبر الأقمار الصناعية بين القوات وغرف القيادة في المدن الأخرى.

وقال مناوي في خطاب له، "الفاشر لم تكن لتسقط لولا تسخير دول العدوان لكل الإمكانيات المادية واللوجيستية والاستخباراتية".

واعترف بحدوث أخطاء وإخفاقات حمل مسؤوليتها للجميع، مما يستوجب إصلاحها بشكل صارم بغرض حماية البلاد من الغزو، في إشارة إلى "الدعم السريع"، متهماً إياها بالاستعانة بمرتزقة من جنسيات مختلفة.

وأشار مناوي إلى أن "الدعم السريع" باتت قوات هشة نظراً لمقتل كل قادتها، مما جعلها تعتمد على المرتزقة وسلاح المسيرات الذي يدار من الخارج، بحسب قوله، إضافة إلى تكنولوجيا تعطيل أجهزة الاتصال عبر الاستعانة بأجهزة استخبارات خارجية.

وأكد التزام القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة مواصلة القتال ضد "الدعم السريع" لاستعادة كامل أراضي البلاد، مشدداً على أن دارفور جزء أصيل من السودان.

وأضاف، "لضمان وحدة السودان، يجب هزيمة الأداة التي تستغلها القوى الساعية للاحتلال، وهي 'الدعم السريع'. وهذه معركة وجودية لا تقف عند سقوط مدينة واحدة".

وأردف حاكم إقليم دارفور، "المؤسف والمحزن أن ميليشيات 'الدعم السريع' ارتكبت مجازر وإبادات وحشية في الفاشر من دون تفريق بين مقاتل وطفل وشيخ وامرأة".

مقتل 300 امرأة

إلى ذلك، قالت وزيرة الدولة في وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية والعمل سليمى إسحق، إن هجمات "الدعم السريع" على الملاجئ ومسارات النزوح عقب سيطرتها على الفاشر، أدت إلى مقتل نحو 300 امرأة.

وبينت إسحق أن تلك القوات قامت بتعذيب النساء قبل قتلهن، كما ارتكبت جرائم عنف جنسي خلال اقتحام الملاجئ واستهداف الطرق المؤدية إلى خارج المدينة.

وهو ما أشارت إليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بقولها، "تأكد لنا انتشار الاعتداءات الجنسية ضد النساء والفتيات على يد الجماعات المسلحة أثناء الهجمات وأثناء فرارهن، إضافة إلى عمليات إعدام مروعة داخل الفاشر"، لافتة إلى أن دخول قوات "الدعم السريع" المدينة أثار موجة خوف واسعة بين العائلات التي نجت من حصار دام 500 يوم من النزاع المستمر، مما أجبر نحو 26 ألف شخص على مغادرتها خلال الأيام الأخيرة.

دروع بشرية

من جهته، أكد مستشار القائد العام لقوات "الدعم السريع" والقيادي في تحالف "تأسيس" إبراهيم مخير، أنهم كانوا على ثقة تامة بالسيطرة على الفاشر، "انطلاقاً من كونها مسألة طبيعية نتيجة التضحيات التي قدمتها تلك القوات في سبيل تأسيس سودان جديد تسوده الديمقراطية والعدالة".

وأرجع مخير، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، تأخر حسم هذه المعركة لأكثر من عام إلى "تحصن قوات الجيش والقوات التابعة للحركات المسلحة داخل الأحياء السكنية، وجعل المدنيين دروعاً بشرية، مما تطلب الحذر من التقدم حتى تمكنت قواتهم رويداً رويداً من كسر الجدار الأعمى الذي فرضته القوات المعادية"، بحسب قوله.

وأردف، "الدعم السريع، ومن بعدها تحالف تأسيس، التزما منذ البداية بخيار السلام وعدم توسيع رقعة الحرب، إذ لم تشن عمليات عسكرية إلا بعد ما حدث من استفزازات وتهديدات من قبل الجيش الذي تسيطر عليه جماعة الإخوان".

وأوضح أن معركة الفاشر كشفت "زيف وازدواجية موقف قيادة الجيش من السلام، ومن ثم لم يعد أمام قوات تحالف تأسيس سوى خيار واحد، هو الحسم العسكري".

وأشار مستشار القائد العام لقوات "الدعم السريع" إلى أن ما حدث فعلياً في الفاشر هو انهيار الخطوط العسكرية للجيش وحلفائه في عدد من المحاور وتراجع معنوياتهم في ظل كثافة وقوة نيران هذه القوات وسرعة انقضاضها وانتشارها، مؤكداً أن "تحرير الفاشر يمثل خطوة حتمية باتجاه إنهاء معاناة أهلها وبداية صفحة جديدة من الأمن والاستقرار في دارفور".

وحول الانتهاكات الوحشية التي وثقتها مقاطع فيديو تتداول بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، قال "نحن في قوات الدعم السريع نؤكد رفضنا القاطع لأي انتهاكات في حق المدنيين أو الممتلكات، وهذا ما عبر عنه على الملأ قائد ثاني هذه القوات أثناء وجوده في ساحة المعركة، ونعتبر حماية المدنيين مسؤولية وطنية وأخلاقية ثابتة. وما يتداول عبر بعض الوسائط يحتوي على كثيرٍ من التضليل، ويستغل سياسياً لتشويه صورة قواتنا التي كانت ولا تزال تعمل بالتنسيق مع منظمات إنسانية لتأمين الإغاثة وفتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات للمحتاجين".

ولفت إلى أن القيادة الميدانية التابعة لقوات "الدعم السريع" وجهت بفتح "تحقيقات فورية في أي تجاوزات فردية محتملة، وسيتم محاسبة كل من يثبت تورطه، سواء من قواتنا أو من المندسين بيننا".

وواصل مخير قائلاً، "لدينا دائرة قانونية، ونطلب من أي متضرر أن يتقدم بشكوى حتى يتم التحقيق فيها، كما نطلب من المنظمات الدولية عدم إرسال التهم جزافاً، والتوجه إلينا بالسؤال، وسنكون شفافين في التحقيقات. نحن نؤمن بأن استقرار السودان لا يمكن أن يبنى على الانتقام، بل على العدالة والمصالحة الوطنية".

واستطرد، "لا نسعى إطلاقاً إلى تقسيم السودان أو فصل أي جزء منه، بل هدفنا الواضح هو بناء دولة سودانية موحدة تقوم على العدل والمواطنة المتساوية، وهذا القول موجود نصاً في ميثاق تحالف تأسيس. ومعلوم أن عملية التقسيم سياسة انتهجتها حكومة المؤتمر الوطني لتفادي مواجهة المشكلات، إذ عملت على فصل الجنوب في ظروف مشابهة، تم فيها نشر القتل والعنف ضد الجنوبيين وتجذير العنصرية والأحقاد حتى بات التعايش مستحيلاً".

ونوه إلى أن جهودهم في إقليم دارفور عامة، والفاشر خصوصاً، خلال الفترة المقبلة ستتركز في تثبيت الأمن، ونزع الألغام، وجمع السلاح من أيدي المجموعات المتفلتة، وتأمين عودة النازحين إلى منازلهم بسلام، فضلاً عن تقوية الأواصر القبلية وإشاعة السلام بالتعاون مع القوى المدنية والكيانات الوطنية هناك، إضافة إلى الوصول لتسوية شاملة تنهي الحرب وتفتح الطريق أمام عملية سياسية حقيقية تعيد للسودان وحدته واستقراره.

ومضى مستشار القائد العام لقوات "الدعم السريع" قائلاً، "ما حدث في الفاشر ليس نهاية معركة عسكرية فحسب، بل بداية مسار جديد نحو السلام الدائم، وسنواصل العمل مع المجتمعين الدولي والإقليمي لضمان عودة الحياة الطبيعية في دارفور وكل أنحاء البلاد".

استعادة جبل هشابة

في محور كردفان، صد الجيش السوداني، أمس الثلاثاء، هجوماً عنيفاً شنته قوات "الدعم السريع" على جبل هشابة، الذي يقع على بعد 20 كيلومتراً جنوب غربي مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، وذلك بعد قتال ضارٍ وشرس بين القوتين.

ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن قوات "الدعم السريع" هاجمت في الصباح الباكر منطقة جبل هشابة بعشرات المركبات القتالية، مما أدى إلى انسحاب القوة الموجودة لإعادة التموضع وشن هجومٍ مضاد، وبالفعل تمكنت تلك القوة التابعة للجيش من استعادتها بعد ساعات.

وأشارت تلك المصادر إلى أن العملية جاءت كرد فعل سريع لعرقلة محاولات تطويق مدينة الأبيض، إذ استخدمت قوات الجيش خطة خداعية تمثلت في السماح للقوة المهاجمة بالوصول إلى الموقع، ثم مهاجمتها من الجنوب، مما أدى إلى إرباك صفوف القوة المهاجمة وتحقيق تقدم ميداني سريع.

ومنذ اندلاع هذه الحرب في منتصف أبريل/ نيسان 2023، سعت قوات "الدعم السريع" للسيطرة على مدينة الأبيض، وهي واحدة من المدن الاستراتيجية في السودان، لكنها فشلت في ذلك بفضل صمود الفرقة الخامسة مشاة "الهجانة".

ونجح الجيش، في فبراير/ شباط 2025، في فك الحصار عن الأبيض بعد معارك عنيفة مع قوات "الدعم السريع"، واتخذها أخيراً مركزاً استراتيجياً لإمداد قواته في إقليم كردفان، مما جعلها هدفاً لهجمات متكررة من الأخيرة.

وتعاني الأبيض، التي تؤوي آلاف النازحين، أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة، إذ يشكو السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والمياه النظيفة والرعاية الطبية.

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI