5 ديسمبر 2025
5 ديسمبر 2025
يمن فريدم-وليد بدران


تصاعد التوتر في حضرموت شرقي اليمن خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى توقف محدود في إنتاج النفط.

وانتهت الاشتباكات بانتشار قوات النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي داخل مواقع نفطية في منطقة المسيلة، عقب انسحاب قوات "حلف قبائل حضرموت" بموجب اتفاق تهدئة رعته السعودية.

وتبرز خلف هذه التطورات منافسة نفوذ بين قوى محلية مدعومة من أطراف إقليمية، إذ يحظى المجلس الانتقالي بدعم إماراتي، بينما تربط الحلف القبلي علاقات وثيقة بالسعودية.

وتعكس هذه المواجهات التوتر المتصاعد بين الإمارات والسعودية، اللتين كانتا شريكتين في تحالف عسكري ضد الحوثيين قبل أن تختلف أولوياتهما خلال السنوات الأخيرة، مع دعم كل منهما لقوى متنافسة في اليمن والسودان، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

ونقلت الصحيفة عن المحلل اليمني المقيم في الولايات المتحدة محمد الباشا قوله إن "السباق بدأ لتحديد خريطة مستقبل اليمن"، مشيراً إلى أن المجلس الانتقالي يرى أن السعودية تتجه نحو تسوية مع الحوثيين في الشمال، ويسعى لضمان نفوذه الكامل في الجنوب قبل أي اتفاق محتمل.

ولكن ماذا نعرف عن حضرموت؟

حضرموت منطقة واسعة تقع في شرق ووسط اليمن وتطل على خليج عدن. وتضم مرتفعات جبلية قرب الساحل، إضافة إلى واد داخلي يشغله مجرى موسمي يعرف بوادي حضرموت، الذي يمتد موازياً للساحل قبل أن يتجه إلى الجنوب الشرقي نحو البحر. وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن المجرى يتحول في مراحله السفلى إلى تدفق مائي دائم على مدار العام يعرف باسم وادي المسيلة.

وتتميز المرتفعات بتربة فيضية تسمح بزراعة واسعة تشمل القمح والشعير، إلى جانب محاصيل أخرى مثل الفواكه والتمر والبرسيم والتبغ. وتعد المكلا المدينة الرئيسية وميناء المحافظة، فيما تضم حضرموت مدناً بارزة أخرى مثل شبام، المعروفة بمبانيها الطينية متعددة الطوابق التي يعود عمر بعضها إلى نحو خمسة قرون، وكذلك تريم والغرف والريان، ويضم بعضها مطارات محلية.

وتصدّر حضرموت عدداً من المنتجات، أبرزها الأسماك والعسل والجير والتبغ. وشهدت عبر التاريخ هجرات واسعة لسكانها إلى شرق إفريقيا وإندونيسيا وشبه الجزيرة العربية سعياً لتحسين ظروف المعيشة.

وتعد حضرموت، وفق المصدر ذاته، واحدة من أقدم المناطق المأهولة في جنوب الجزيرة العربية، وتمثل إقليماً تاريخياً يمتد عمقه الحضاري إلى آلاف السنين، بما في ذلك حضارة مستقلة ومعالم أثرية وثقافية كان لها أثر بارز في تاريخ اليمن القديم والإسلامي.

تشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن حضرموت كانت في العصور القديمة مملكة عربية جنوبية واسعة النفوذ، وتمتد في ما يعرف اليوم بالجنوب والجنوب الشرقي من اليمن، إضافة إلى أجزاء مما يشكّل حالياً سلطنة عمان.

وتقول إن المملكة حافظت على استقلالها السياسي حتى أواخر القرن الثالث الميلادي حين غزتها مملكة سبأ، وقد أثبتت النقوش المسندية مكانتها ككيان سياسي واقتصادي مؤثر في المنطقة.

وخلال العصور السبئية والحميرية، شهدت حضرموت علاقات متقلبة مع الممالك اليمنية الأخرى، إذ دخلت في صراعات على النفوذ وتبادلت السيطرة على الطرق التجارية والمناطق الحدودية.

وتشير النقوش المسندية إلى أن ملوك حضرموت شيدوا السدود وشقوا القنوات وأداروا نظاماً زراعياً متقدماً سمح باستثمار الواحات الخصبة في الوادي.

ومن أبرز مراكز تلك المملكة مدينة شبوة القديمة، التي كانت عاصمة حضرموت ومقراً لملوكها، وقد اكتشفت فيها نقوش ومعابد وآثار تكشف طبيعة الحياة السياسية والدينية والاقتصادية في تلك الحقبة.

وظلت حضرموت، بحسب المصدر ذاته، كياناً مستقلاً حين خضعت عدن للسيطرة الساسانية عام 571 ميلادية، واستمرت كذلك حتى دخولها في الإسلام عام 630 ميلادية.

دخول الإسلام

مع دخول الإسلام إلى اليمن في القرن السابع الميلادي، أصبحت حضرموت مركزاً مهماً لنشر الدعوة الإسلامية، إذ اعتنق سكانها الإسلام مبكراً وأسهم علماؤها ودعاتها وتجارها في نشره خارج الجزيرة العربية، ولا سيما في شرق إفريقيا والهند وماليزيا وإندونيسيا.

ولعب موقعها البحري وخبرة أهلها في الملاحة وصناعة السفن دوراً أساسياً في هذا الانتشار، ما جعلهم قوة تجارية مؤثرة في المحيط الهندي.

وأقام التجار الحضارمة تجمعات واسعة في سواحل شرق أفريقيا، وأسهموا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وتركوا تأثيراً ما يزال ملموساً حتى اليوم في المجتمعات الساحلية في كينيا وتنزانيا وجزر القمر.

وفي العصور الإسلامية اللاحقة، شهدت حضرموت بروز أسر دينية وقيادات علمية أسهمت في تشكيل الحياة الفكرية في اليمن والجزيرة العربية.

وكان للمدرسة الصوفية، خصوصاً الطريقة العلوية، حضور بارز في تاريخ الإقليم، إذ انتشر علماؤها في بلدان عدة وارتبط اسم حضرموت بالتصوف المعتدل والتعليم الديني.

وأسهم هذا النشاط الفكري في تأسيس مراكز علمية بارزة، أبرزها مدينة تريم، التي تعد إحدى أهم مدن العلم الديني في اليمن وتضم عشرات المساجد والمدارس التي استقبلت آلاف الطلاب عبر القرون.

العصور الوسطى والحديثة

في العصور الوسطى، تبعت حضرموت الدول الصليحية والرسولية والطاهرية التي حكمت اليمن من القرن الثالث عشر إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، لكنها احتفظت بقدر من الاستقلال بسبب امتدادها الجغرافي الواسع وصعوبة إخضاعها لسلطة مركزية واحدة.

ومع مرور الزمن، ظهرت في الإقليم سلطنتان بارزتان: السلطنة الكثيرية التي قامت في أواخر القرن الخامس عشر في وادي حضرموت، والسلطنة القعيطية التي تأسست في القرن التاسع عشر على الساحل.

وقد أدارت كل منهما شؤونها الداخلية ووسعت نفوذها عبر القبائل والمدن، وظلت في الوقت نفسه خاضعة شكلياً للقوى الكبرى التي تعاقبت على حكم اليمن.

ولعبت القبائل الحضرمية دوراً مهماً في حفظ التوازنات الاجتماعية والسياسية، إذ كانت تتحكم في موارد المياه والزراعة والرعي، وتفرض حضورها عبر الأعراف القبلية التي شكلت أساس السلطة المحلية في المنطقة.

مع تزايد الاهتمام العالمي بالمحيط الهندي في القرن التاسع عشر، اكتسبت حضرموت وزناً أكبر بحكم موقعها الساحلي، وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن هذا الموقع جعل بريطانيا تسعى لعقد معاهدات حماية مع عدد من السلاطين في جنوب الجزيرة العربية، ومنها السلطنتان الكثيرية والقعيطية في حضرموت.

ومع استمرار النفوذ البريطاني في المنطقة، أسست لندن عام 1962 اتحاد إمارات الجنوب العربي الذي ضم 12 سلطنة ومشيخة، غير أن سلطنتي حضرموت ظلتا خارج هذا الاتحاد بحسب الوثائق الرسمية البريطانية.

وفي ستينيات القرن الماضي، أثّر انقلاب عبد الله السلال في شمال اليمن على الأجواء السياسية في جنوبه الخاضع للحماية البريطانية، بما في ذلك حضرموت التي شهدت اضطرابات محدودة في المكلا.

وتختلف تفسيرات المؤرخين لهذه الأحداث، إذ يربط بعضها ذلك بموجة التحولات السياسية والقومية التي شهدها جنوب اليمن آنذاك، فيما ترى قراءات أخرى أنها جاءت في سياق الاضطرابات التي رافقت تلك المرحلة في مناطق النفوذ البريطاني.

بعد الجلاء البريطاني وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب عام 1967، انتهى حكم السلطنات في حضرموت وبقية مناطق الجنوب، وأصبحت المحافظة جزءاً من الدولة الجديدة التي شهدت تحولات اقتصادية واجتماعية، ولا سيما في مجالات التعليم وتحديث الإدارة وتنظيم الحياة القبلية.

ومع إعلان الوحدة اليمنية عام 1990، أصبحت حضرموت إحدى المحافظات الرئيسية في الجمهورية اليمنية، مستندة إلى ثرواتها الطبيعية، خصوصاً النفط الذي يُعد من أهم مواردها.

مركز تراثي

تعد حضرموت مركزاً مهماً للتراث المعماري اليمني، وتشكل عمارتها الطينية أحد أبرز معالمها، خصوصاً في مدينة شبام التي تعرف بـ"مانهاتن الصحراء" بسبب مبانيها الطينية الشاهقة.

وصنّفتها منظمة اليونسكو مدينة تراث عالمي لما تمثله من نموذج معماري نادر يظهر قدرة البناء الطيني على مقاومة المناخ القاسي، ويعكس تطوراً حضرياً متراكماً عبر قرون. ويعد وادي حضرموت اليوم من أكبر الوديان المأهولة في اليمن، وتبرز مدينة سيئون فيه كمركز إداري مهم، وتشتهر بقصر السلطان الكثيري، أحد أكبر المباني الطينية في العالم.

وتمثل مدينة تريم الوجه الديني والثقافي لحضرموت، إذ ارتبط اسمها بالعلم الشرعي وبشخصيات دينية كان لها حضور واسع في العالم الإسلامي، بينما تحتفظ مدينة الشحر بتاريخ بحري عريق بوصفها ميناء نشطاً لتصدير السلع عبر البحر العربي.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تعد حضرموت من أهم المناطق النفطية في اليمن، وتحتضن منطقة المسيلة عمليات استخراج وإنتاج النفط منذ تسعينيات القرن الماضي، ما منح المحافظة وزناً اقتصادياً وفر فرص عمل في بعض المدن، رغم استمرار تحديات البنية التحتية والخدمات.

وبفضل تاريخ طويل من الهجرة نحو شرق أفريقيا وجنوب آسيا ودول الخليج، ترك الحضارمة أثراً ثقافياً وتجارياً بارزاً في المجتمعات التي استقروا فيها، وأسهموا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

كما قدّمت حضرموت شخصيات بارزة في مجالات العلم والدين والأدب والتاريخ، ما جعلها خزاناً معرفياً وثقافياً يمتد أثره داخل اليمن وخارجه. ومع استمرار التحولات السياسية في البلاد، تبقى حضرموت محافظة ذات أهمية استراتيجية تجمع بين إرث تاريخي وثقافي عميق وثروات اقتصادية مؤثرة.

(بي بي سي عربي)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI