واجهت العملة اليمنية منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/ نيسان 2022، أخطر اختبار في تاريخها الحديث، إذ لم يكن الخطر في تراجع قيمتها فحسب، بل في احتمال انهيارها كعملة وطنية موحدة، بما يفتح الباب أمام تكريس الانقسام الاقتصادي ومنح الحوثيين نصراً سيادياً بلا معركة.
أول قرارات المجلس الرئاسي كانت تحويل ملف الريال من شأن اقتصادي إلى قضية سيادة وطنية، فثبت الاعتراف الدولي بالبنك المركزي في عدن كمرجعية وحيدة، وأغلق أي نافذة سياسية أو أممية قد تفضي إلى الاعتراف بترتيبات نقدية موازية في صنعاء.
بالتوازي، تحرك المجلس الرئاسي لتأمين دعم مالي خارجي، خصوصاً من الجارة السعودية مكن البنك المركزي من التدخل في سوق الصرف عند الضرورة، والحفاظ على دورة الاستيراد للسلع الأساسية، ومنع الانزلاق إلى انهيار شامل يفقد الريال وظيفته كوسيط اقتصادي.
كيف وفر "الرئاسي" غطاء لإدارة "المركزي"؟
ووفر المجلس غطاء سياسياً لإدارة البنك المركزي، مما حال دون تفريغه من كفاءاته أو شل قراراته تحت ضغط الانقسام، وأبقى السياسة النقدية، ولو بحدها الأدنى، بيد الدولة المعترف بها دولياً.
النتيجة لم تكن تعافياً اقتصادياً، لكنها كانت نجاة محسوبة: الريال لم يستعد عافيته، لكنه لم يسقط، والأهم، أن مشروع تحويل العملة إلى أداة سيطرة سياسية بيد الحوثيين فشل.
في اليمن، إنقاذ العملة لا يعني تقويتها، بل أيضاً منع استخدامها كسلاح ضد الدولة وهو ما نجح فيه المجلس الرئاسي حتى الآن.
في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدر مجلس القيادة الرئاسي قرارات إصلاحية من بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي، بهدف تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة من تعدد مراكز التحصيل.
قرارات إصلاحية للاقتصاد
عقب أسابيع من إنشاء الحكومة اليمنية الشرعية لجنة مدفوعات لتنظيم الاستيراد وتمويله، استعادت العملة المحلية بعضاً من عافيتها وسط مطالبات شعبية وإجراءات حكومية لخفض الأسعار في مناطق نفوذها، على اعتبار أن العاصمة صنعاء وبعض المحافظات المجاورة لها تقع في نطاق سيطرة ميليشيات الحوثي المتمردة التي تملك نظاماً مصرفياً مستقلاً.
واستعاد الريال اليمني بعض التعافي خلال عام 2025، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن البنك المركزي بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.
تنظيم بيع وشراء العملات للتجار والموردين
وفي استطلاع سابق لـ"اندبندنت عربية"، عزا مراقبون هذا التحسن إلى سلسلة إجراءات حكومية بدأت في الـ22 من يونيو/ حزيران الماضي، بتشكيل "اللجنة الوطنية لتنظيم الواردات وتمويلها" برئاسة محافظ البنك المركزي وينوب عنه وزير الصناعة والتجارة وعضوية ثمانية مسؤولين آخرين. وباشرت اللجنة مهامها "بتنظيم عملية بيع وشراء العملات للتجار والموردين ومنع استخدام السوق السوداء لشراء العملة لغرض الاستيراد".
ووفقاً للحكومة اليمنية، فإن لجنة تنظيم الاستيراد وتمويله تتكون من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالتمويل والتجارة والضبطية الجمركية والقضائية، فضلاً عن ممثلي البنوك وشركات الصرافة والقطاع التجاري.
وتهدف إلى تسهيل "عمليات تمويل الاستيراد بما يتناسب مع تدفقات النقد الأجنبي، والحد من الأخطار والآثار السلبية على القطاع المالي والمصرفي والتجاري الناتجة من تصنيف ميليشيات الحوثي منظمة إرهابية دولية، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة ذلك"، إضافة إلى "تشجيع الإنتاج المحلي كبديل لبعض الواردات".