21 نوفمبر 2024
15 فبراير 2023
يمن فريدم-محمد عبدالمغني
مقاتلون حوثيون في صنعاء

 

 

تندلع الحروب غالبا عندما يحركها طموح متعلق بالتوسع الجغرافي ودوافع عديدة محمولة على إرث الانتقامات التاريخية ، أو رغبات استبدادية تحركها عوامل التعصب العرقي والديني أو عندما لا يمكن التوفيق بين المصالح المشتركة لطرفين أو أكثر بالوسائل السلمية ،وهذه الأسباب قد تكون جزء من الصورة العامة للمشهد الذي حملته تجارب العالم المختلفة مع معظم حروب التاريخ، ففي الوقت الذي تندلع فيه هذه الحروب بشكل سريع يكون ايقافها في الجانب المقابل بطيئًا وصعبًا للغاية.

 

وبذات الصورة المأساوية التي عرفتها حروب العالم تقف اليوم حرب اليمن، غير أن هذه الحرب تخاض بالوكالة منذ العام 2014 حينما وصلت جماعة الحوثي المدعومة من النظام الإيراني بأسلحتها للعاصمة اليمنية صنعاء واستولت على السلطة بالعنف في 21 سبتمبر / أيلول من ذات العام . ومثل هذا التاريخ أول ملامح للحرب في البلاد لتتسع رقعتها أكثر بعد دخول الطرف المقابل لإيران في القتال ممثلا بدول التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية بطلب من الرئيس اليمني السابق هادي فانتقلت الحرب حينها لتأخذ بعدها الإقليمي الواضح خاصة بعد ان اجرت جماعة الحوثي مناورات عسكرية على حدود السعودية في بداية العام 2015.

 

في المجمل تأخذ الحرب اليمنية طابع معقد ومتداخل كما يرى ذلك العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، فبالنظر للحرب وفقا للتعريف القانون الدولي لها وقرارات مجلس الأمن الدولي المتصلة والخاصة بملف الصراع اليمني ، فإن هذه الحرب تعرف بانها محلية أو أهلية تتم بين قوات تتبع الحكومة التي يعترف بها العالم، وجماعة الحوثي التي يعتبرها العالم جماعة عقائدية متمردة تحمل السلاح .

 

أما بالنظر إلى الحرب من جانبها الإقليمي فقد أصبحت الأطراف الرئيسية المتحكمة بمسارها دول خارجية بشكل كامل، وتحديدا دولة إيران التي تدعم جماعة الحوثي ودول التحالف العربي بقيادة السعودية التي تدعم القوات الحكومية، وهو الأمر الذي جعل الصراع في اليمن بلا أي آفاق واضحة للحل رغم جهود وتحركات الأمم المتحدة الكثيفة للوصول إلى تسوية تنقل اليمن من مرحلة القتال إلى مرحلة السلم.

 

الحرب كامتداد لصراعات قديمة بين الحكومة وجماعة الحوثي المسلحة

 

بين 2004 و2010 كان الحوثيون في حالة قتال دائم مع الحكومة اليمنية حيث خاضت جماعة الحوثي المتمردة حرب عصابات عرفت بحروب صعدة نسبة لتصاعد وتيرة هذه الحروب بشكل متزايد في محافظة صعدة الجبلية التي تعتبر معقلا للجماعة وعرفت محليا بالحروب الست. ومع حلول 2010، تحول الحوثيون إلى كيان عسكري قوي يجابه أي سلطة في البلاد.

 

بدأت الحروب الست في يونيو عام 2004 عندما اعتقلت السلطات اليمنية حسين الحوثي قائد الحركة الحوثية في ذلك الحين بتهمة إنشاء تنظيم مسلح داخل البلاد، وكانت معظم المعارك الميدانية تدور في محافظة صعدة واتسعت بعد ذلك إلى الجوف وحجة وعمران إذ اتهمت حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح آنذاك الحركة بالسعي لإعادة الإمامة الزيدية واسقاط النظام الجمهوري القائم منذ 1962. في المقابل اتهمت جماعة الحوثي الحكومة اليمنية بالتمييز ودعم القوى السلفية لقمع المذهب الزيدي.

 

حاز الصراع اهتماما دوليا في 3 نوفمبر 2009 عندما شنت القوات السعودية هجوما على مقاتلين حوثيين سيطروا على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد. ومع عام 2010 تم إقرار هدنة بين الطرفان.

 

في العام 2011 أعلن الحوثيون تأييدهم لثورة الشباب اليمنية التي قامت ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح حيث استغلوا حضورهم في الثورة لإقامة علاقات مع عدد من الناشطين المناهضين للنظام الحاكم مستفيدين من فراغ السلطة فوسعوا من قاعدتهم الشعبية وطالبوا بمكان لهم في صناعة القرار القومي والسياسي في اليمن. تمكن الحوثيين وقتها من حشد عشرت الآلاف في مظاهرات مناصرة لقضيتهم في صعدة وعمران ومحافظة الجوف ومحافظة ذمار واستعادوا تواجدهم في صنعاء القديمة حيث أصبح من السهل مشاهدة أئمة المساجد ورجال الدين في المدينة القديمة يظهرون دعمهم للحوثيين.

 

كانت كل هذه التحركات والصراعات المتداخلة بمثابة عوامل اسهمت في وصول جماعة الحوثي الى السلطة بتمردهم عام 2014 وبالتالي وصول حرب اليمنية الى ذروتها في العام 2015 , خاصة بعد ان تم اسقاط صنعاء وإبعاد الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي عن السلطة في 2014 على يد ذات الجماعة الراديكالية القادمة من صعدة ومثل ذلك الفعل بداية لدخول البلاد في مرحلة الاستفراد بالسلطة ومحاربة جميع القوى والفاعلين السياسيين في اليمن ناهيك عن تدمير التركيبية الاجتماعية والسياسية في البلاد.

 

جولات أممية عديدة للبحث عن سلام كان ومازال ضائعا

 

بدأت مفاوضات جنيف الأولى التي رعتها الأمم المتحدة بين طرف الحكومة المعترف بها وجماعة الحوثي في العام 2015 من أجل بحث امكانيات ايقاف القتال ومناقشة القرار الأممي 2216، لكن بعد مضي اسبوع فقط من انعقادها انتهت بإعلان جماعة الحوثي رفض تنفيذ القرار الأممي الذي نص على فرض عقوبات على قياداتها وبعض القيادات الأخرى الفاعلة في الصراع اليمني. في ذات العام أيضا انتهت مفاوضات جنيف الثانية التي اقامتها الأمم المتحدة آنذاك في بيل السويسرية بالفشل، حيث حملت الحكومة اليمنية عبر وزير خارجيتها آنذاك رياض ياسين، وفد الحوثيين المشارك في محادثات جنيف، مسؤولية هذا الفشل.

 

تبع هذا الجولة فشل اخر لمشاورات سلام أخرى عقدت في دولة الكويت في العام 2016 استمرت أكثر من تسعين يوما ولم يتم خلالها التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة، ودعا المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ في ذلك الوقت الأطراف اليمنية إلى المبادرة بتنفيذ سلسلة من الإجراءات لبناء الثقة في مقدمتها مواصلة الإفراج عن المعتقلين والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية تهدد مسار السلام، وقال ولد الشيخ حينها: "إن المعضلة الأكبر في المشاورات تكمن في انعدام الثقة بين الأطراف اليمنية، لذا كنا نركز على ضرورة تقديم التنازلات والتقدم بخطوة لدفع المشاورات".

 

وفي مشاورات ستوكهولم التي انتهت في ديسمبر من العام 2018، فشل الحوثيون في تنفيذ تعهداتهم المتعلقة بتسليم ميناء الحديدة واحترام اتفاق لفتح ممر إنساني بين الحديدة وصنعاء لتسليم المساعدات الإنسانية رغم اعلانهم الشكلي بدأ إعادة التموضع في ميناء الحديدة وتسليمه إلى قوات خفر السواحل فقد شككت الأمم المتحدة في ذلك آنذاك لاسيما عندما أدركوا ان القوات المسؤولة عن الاستلام كانت في حقيقة الأمر قوات خاضعة للحوثيين.

 

كانت هناك العديد من المشاورات الأخرى التي رعتها  الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى هدنات إنسانية تسمح بتقديم المساعدة للناس. كما جرت مشاورات في دول الخليج، سوى تلك الداخلة بالصراع اليمني بشكل مباشر مثل المملكة السعودية فيما سمي بمشاورات الرياض أو الدول الداخلة في الصراع بشكل غير مباشر كسلطنة عمان فيما سمي بمشاورات مسقط. وعلى الرغم من كل تلك المحاولات ظل التصور النهائي للسلام هو الحلقة الضائعة في المشهد.

 

حسابات الربح والخسارة الميدانية تضاعف أزمة إحلال السلام

 

جميع المحاولات الأممية المتعثرة في الوصول الى  تسوية سياسية في اليمن يمكن ارجاعها بحسب معطيات الفترة السابقة إلى عوامل عديدة منها ما هو متعلق بمحاولة حصد المكاسب السياسية وفرض الشروط التعجيزية على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ومنها ما هو متعلق بحسابات أما الانتصار او الخسارة الميدانية حيث يلعب عامل الخسارة الميدانية في ساحات القتال الممتدة منذ العام 2014 في اليمن دورا فاعل في دائرة الحرب، خاصة حينما يقوم احد أطراف الحرب في البحث عن خيار القبول بالسلام بعد انحسار قواته عسكريا في المعارك حيث يكون الهدف من ذلك التحرك ليس إعلان ايقاف الحرب وانما محاولة من اجل كسب الوقت واعادة التموضع في ساحات القتال العديدة، فما أن يتمكن من احراز مكاسب ميدانية في ميدان الحرب داخل اليمن حتى يعود ذات الطرف للتنصل والتهديد بمضاعفة قدراته القتالية وتوسيع دائرة القتال وبالتالي الأزمة الإنسانية ،  وهذا هو الشكل الذي ظلت تدور فيه الأزمة اليمنية منذ ثمانية أعوام فبالنظر إلى مساعي ايقاف القتال خلال الفترات القريبة السابقة يظهر أن هناك معوقات عديدة كان آخرها رفض جماعة الحوثي لمقترح تمهيد الهدنة الإنسانية المقترحة من الأمم المتحدة.

 

يوضح تقرير لمجلة Inside Arabia الأمريكية في هذا السياق كيف تمكن الحوثيون في 2018 من استغلال مفاوضات ستوكهولم لتحاشي الخسارة الميدانية واعادة التموضع العسكري. حيث تمكنت القوات الحكومية المدعومة من دول التحالف العربي حينذاك من خلق زخم عسكري كافٍ لتهديد الحوثيين في الحديدة. ولمواجهة الهزيمة أبلغ الحوثيون مبعوث الأمم المتحدة أنهم مستعدون للحديث والتفاوض ولم يكن على المبعوث الأممي إلا انتهاز الفرصة لمطالبة القوات الحكومية بوقف الهجوم والجلوس على طاولة المفاوضات.

 

رضخت الرياض وأبو ظبي تحت الضغط الدولي ورفعتا الحصار عن محافظة الحديدة، ثم توجهت الحكومة المعترف بها دوليًا إلى ستوكهولم لإجراء محادثات مع الحوثيين التي أسفرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار الذي كان من المفترض أن يضع ميناء الحديدة تحت سيطرة الأمم المتحدة ويسمح لتبادل الأسرى، ومع ذلك، لم يتم تنفيذ اتفاقية ستوكهولم كما ذكرنا أنفا وعلى المقابل نجح الحوثيون في تعزيز وجودهم خلال فترة المفاوضات وأعادوا تنظيم خطوط معاركهم في المناطق التي بدت على وشك العودة للدولة قبل هدنة ستوكهولم. . كما أكدت المجلة في تقريرها أن اتفاقية ستوكهولم انقذت الحوثيين في الحديدة وسمحت لهم بترتيب اوراقهم قبل الشروع في شن حملة عسكرية للاستيلاء على محافظة مأرب.

 

إهمال مشكلة الاستعلاء السلالي يغذي الحرب في اليمن

 

بعد ثمان سنوات من الاقتتال الذي أوصل اليمن لتكون من أكثر بلدان العالم خطورة وهشاشة على المستوى السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي الصحي والغذائي بحسب العديد من المؤشرات الدولية، مازال العالم يدير ظهره لجذور الحرب اليمنية وابعادها التاريخية الطويلة ومسبباتها، والنظر لها فقط باعتبارها أزمة إنسانية وحرب تهدد فقط الأمن القومي الخليجي والدولي.

 

في المقابل غض الطرف أو عدم البحث في أسباب تعدد أطراف القتال في اليمن والتركيز على معالجة الأعراض وليس المرض نفسه، بمعنى أن جهات العالم الرسمية وكذلك الإعلام الدولي  لديهم فقط معرفة متواضعة اليوم حول كيف نشأت الجماعات العقائدية  المتطرفة في الداخل اليمني وماذا تريد هذه الجماعات التي تحمل السلاح وتستمر في تصدير ثقافة العنف في البلاد وفق تسمياتها واشكالها المختلفة، حيث لم تخرج النظرة الدولية للصراع اليمني من حدود السردية العامة لتحليل الأزمة باعتبارها مجرد مشكلة منعكسة لملف الصراع الدولي التي فرضته إيران في المنطقة وتعقيدات ملفها النووي في الساحة الدولية، وبالتالي تلخيص المشكلة اليمنية ومناقشتها فقط في هذا الإطار ، أو في أنها أزمة لها تهديد منحصر على دول الخليج، وهذه هي القراء الدولية الأكثر حضوراً لملف الصراع اليمني منذ سنوات .

 

أمام إهمال أو اهتمام شبه متواضع  في دراسة حجم المشاكل والتهديدات التي تشكلها هذه الجماعات العنيف المختلفة في الداخل اليمني وعلى المجتمع اليمني نفسه، ومن أهم هذه المشاكل التي يعاني من تبعاتها الناس في اليمن على سبيل المثال وليس الحصر "معضلة الاستعلاء على المجتمع" التي تحمله جماعة الحوثي وإدعاء الأفضلية على الناس بناء على أصولها الأسرية وبالتالي الاعتقاد بانه يجب أن يكون هناك طرف واحد هو من يحق له حكم البلاد وفقا لمعتقدات دينية ودوافع عنصرية تجاوزها العالم منذ مئات السنوات وهي مشكلة تلعب دورا كبيرا في تعميق الصراع اليمني والانقسام المجتمعي بالإضافة إلى المشاكل والعوامل الاخرى المذكورة.

 

نمو المصادر الاقتصادية للحرب وتعدد مكاسب أطرافها

 

يلعب اقتصاد الحرب في اليمن دورا كبيرا في اطالة أمد القتال المستمر حيث يتم تخصيص جزء كبير من الموارد الاقتصادية للدولة للإنفاق على الحرب والسلاح بالإضافة الى تعاظم دور الداعمين الاقليميين سواء إيران أو دول الخليج للأطراف والوكلاء المحليين لهذه الدول في  اليمن.

 

يكسب الحوثيون عوائد مالية ضخمة جراء الإتاوات الدائمة التي يفرضونها على المواطنين في مناطق سيطرتهم والشبكات المالية الكبيرة ودعم إيران لهم، حيث تؤكد بشكل دوري تقارير إخبارية محلية ودولية ان إيران كانت ومازالت مستمرة بدعم جماعة الحوثي من خلال إما تهريب شحنات أسلحة وطائرات مسيرة وصواريخ أو من خلال تهريب الوقود والمال للحوثيين.

 

يقدم الخليج في الجهة الاخرى ايضا دعما سخيا للحكومة اليمنية والجيش ماديا وعسكريا كالتسليح وتشكيل المعسكرات وغير ذلك. وتدعم أيضا السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين اليمنيين وقادة الأحزاب وزعماء القبائل في اليمن والعديد من المدونين، غير ان زعماء القبائل والمسلحين من أكثر الجهات تمويلًا منذ بداية الحرب بحسب تلك التقارير.

 

خاتمة

 

تتزايد  كل يوم الدعوات الدولية لإيقاف القتال و الدخول في مسار سلام بشكل عاجل في اليمن وتتعاظم بذات الشكل الدعوات والمطالب المحلية في الشارع اليمني لإيجاد حل ينهي النزاع القائم في البلاد منذ سنوات، ويعالج أزمات البلاد الإنسانية غير انه اصبح من الضروري اليوم بعد جميع تلك المحاولات المتعثرة السابقة في إحلال السلام ان تقف جميع المساعي المحلية والدولية القادمة على آليات واقعية  تضمن حل ذو ديمومة لايعيد دائرة الصراع من جديد الى نقطة الصفر، وهنا لا بد من التحرك وفق إطار اكثر شفافية لشرح ماذا يحدث بالضبط في هذه المفاوضات وما هي أهم العراقيل التي تعمل على تعقيد مهمة إحلال السلام في اليمن، بمعنى انه لابد من وجود إيضاح اكثر بخصوص من هي الأطراف التي تعرقل الحل السلمي في البلاد ، لأن استمرار الدوران في ذات الحلقة المفرغة دون ملامح واضحة لتعامل حازم مع الأطراف المحلية والخارجية التي تعيق مسار الحل السلمي وعدم وجود نقاش واقعي يعالج مشكلة الحرب اليمنية وفقا لجذورها و ابعادها الأولية يعني الحكم على اليمنيين بمزيد من الشقاء في واقع صعب بات يستنزف الجميع يوم بعد آخر.

 

 

الورقة أعدها الباحث لمنصة commonspace.eu التابعة لمؤسسة LINKS Europe الهولندية المهتمة بحل النزاعات والمتخصصة في بحث وشرح وتحليل وفهم القضايا الجيوسياسية لدول الشرق والدول المجاورة لأوروبا.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI