بعد سنوات طويلة من الحرب في اليمن، وما خلّفته من أزمة وطنية ومأساة إنسانية غير مسبوقة؛ وبالنظر إلى دروس التاريخ وتجارب الأمم القريبة والبعيدة، يتضح لنا يوماً بعد يوم أن الوصول إلى السلام واستقرار الدول عبر النضال المدنيّ السلميّ، هو أقرب المآلات سلامةً، وأكثرها أماناً، وأقلها كلفةً؛ بل وأكثرها قابليةً للاستمرار والبقاء، من الاحتراب ومآسيه التي لا تُحصى ولا تنتهي.
لم يعد العمل اليوم من أجل السلام في اليمن ترفاً فكريّاً تدعو إليه النخب، أو خياراً غير واقعيّ كما يتصور البعض، لكنه أصبح ضرورةً حياتيّةً مُلحّة، ونهجاً نضاليّاً واقعيّاً وممكناً للخروج من دوامة العنف الكارثية التي باتت تشكّل تهديداً وجوديّاً لمستقبل اليمن أرضاً وهويةً وإنساناً؛ كما أن أجيالنا القادمة لن تنجو من تبعات هذه الدوامة الخطيرة في حال استمرارها، ولا من الرهان الخاسر والزائف عليها؛ وأن الجميع سوف يقع ضحية لتداعياتها الكارثية، بمن فيهم أولئك الداعون إلى الحرب والحريصون على استمرارها، لسبب أو لآخر.
إننا في تيار التوافق الوطني، باعتباره تجمّعاً سياسيّاً وطنيّاً مستقلاً يضم عدداً كبيراً من الشخصيات اليمنية الوطنية، من كافة التخصصات والخبرات العلمية والثقافية والسياسية داخل اليمن وخارجه، لعلى يقين أن المؤمنين بالسلام والداعين إليه هم الأغلبية؛ إلّا أنّ ظروف الحرب واستقطاباتها الحادّة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي قد دفعت بالكثيرين منهم إلى هامش الأحداث، وحرمتهم من التفاعل الإيجابي مع الوقائع والأحداث المؤثرة، الأمر الذي أنتج حالةً من الإحباط واليأس لديهم، وأكد لهم استحالة تحقيق السلام في المنظور القريب، كما أن تهميش أو عزوف البعض منهم عن المشاركة في جهود السلام باختلافها قد جعل تأثير هذه الجهود محدوداً وغير فعال.
ومن أجل ذلك، فإن تيار التوافق الوطني - الذي فَرضَت ظروفُ الحرب ووقائعُها عبر هذه السنوات العصيبة، والمأساة الإنسانية المتفاقمة، تفاصيلَه وآلياتِ عمله المبتكرة على المستوى التنظيمي والسياسي- مستمرٌ في جهده الجاد والممنهج والبعيد عن الأضواء في العمل منذ ما يقارب الثلاث سنوات مع كل الأطراف المعنية من أجل إيقاف الحرب، والوصول إلى السلام، وذلك عبر تحركاته ومواقفه واستقلاله كرافعةٍ وطنيةٍ للسلام تعمل فيما تعمل على استعادة حضور الشخصيات والقوى الوطنية الفاعلة والمؤمنة بالسلام، وتعزيز دورها وتأثيرها، سواء داخل الوطن أو خارجه، وإيصال صوتها للداخل والخارج.
لقد شارك التيار، الذي يقف على مسافة وطنية متساوية إيجابية من جميع الأطراف، بفاعلية متنامية في عدد من المنعطفات والأحداث الأخيرة التي مرَّ بها المشهد السياسي والاقتصادي، واستطاع أن ينال باستقلاليته الوطنية ثقة العديد من الأطراف والمكونات الوطنية في الداخل والخارج على حد سواء، إضافة إلى تواصله المستمر مع الأطراف الإقليمية والدولية ذات العلاقة والتأثير في الملف اليمني والصراع القائم، مستغلاً ما يمتلكه أعضاؤه من مختلف التخصصات والمشارب السياسية والمهنية والاجتماعية من تأثير إيجابي على هذه الأطراف.
يؤمن التيار أن تحقيق السلام أمرٌ ممكن اليوم، وأن التغيرات الدولية المتسارعة مساعِدةٌ بشكل كبير على إتاحة الفرصة لحدوثه، ضمن مباحثات واتفاقات شهدنا ملامحها مؤخراً، وهو الأمر الذي نؤيده وندعمه بقوة؛ لكن التيار يؤمن في الوقت نفسه أن الوصول إلى السلام العادل والشامل الذي يحقق للشعب اليمني مصالحة وحقوقه وآماله، في دولة مستقرة، ذات سيادة ونظام جمهوري ديمقراطي يكفل الحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان، والمواطنة المتساوية، هو أمرٌ ليس بالسهل، وأن النضال السلمي من أجل تحقيقه ضمن الثوابت الوطنية الجامعة هو الأولوية التي ينبغي على كل النخب السياسية والاجتماعية والمهنية والفكرية أن تتكاتف من أجل تحقيقها، وتنسى خلافاتها واختلافاتها لإنقاذ اليمن ووجوده، وحاضر ومستقبل أبنائه، وأجياله القادمة وحماية مصالحهم وحقوقهم المشروعة.
من صفحة الكاتب في فيس بوك