7 يوليو 2024
26 ديسمبر 2023

 

الحقيقة الثابتة التي لا يمكن أن تتغير هي حينما تُخضع المليشيات المسلحة الدولة لأي اتفاق من باب السلام وإنها الحرب، إنما هو تأجيل للحرب إلى أجل غير مسمى، وهذه هي صورة مصغرة ومختصرة لما يحدث في اليمن المنهك بسبب الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي منذ 21 سبتمبر 2014.

 

كيف سيكون شكل هذا السلام الذي تحاول الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فرضه على اليمن رغم غياب شروط السلام ومعرفة أسباب الحرب ومعالجة جذورها؟ هذه مخاوف ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، حتى يجب تفادي العودة للعنف في البلاد أكثر من السابق، وكل المؤشرات تؤكد أن هذا السلام الذي طُرح على الطاولة إنما هو يشبه الوجبات السريعة، دون النظر للمستقبل القريب في ظل وجود هذه المليشيات في المشهد.

 

تسعة  سنوات من الحرب نُهبت الدولة وانهارت مؤسساتها وأركانها وجيشها وفي يوم وليلة يعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن عن خارطة سلام منقوصة، بلل ومشوّه طالما مليشيا الحوثي طرفا رئيسيا استجاب الجميع لشروطها رغم تعارضها مع ما طُرح من قَبل كشروط أساسية لبدء مسار سياسي لحلحلة هذا الملف الشائك، وهو التراجع عن الانقلاب وتسليم السلاح للدولة.

 

هذا الاتفاق يضرب قانونية الدولة اليمنية ومركزها، وُيسلّم رقاب اليمنيين المناهضين للمشروع الحوثي على طبق من ذهب للجماعة التي نكلت بعامة الناس على مرأى ومسمع من العالم، دون ردع او تحرك فعلي للمجتمع الدولي طيلة سنوات الحرب، وهذا لا يحتاج لشرح وتفصيل لما أحدثته الجماعة منذ اسقاط صنعاء في العام 2014.

 

في الحقيقة سعت السعودية التي كانت طرفا في الحرب وتحوّلت بين ليلة وضحاها إلى وسيط هي من أرادت لهذا الاتفاق أن يتم على هذا الشكل الذي لا يرضي حتى أطراف داخل مؤسسة الرئاسة اليمنية المعترف بها دوليا، وخاصة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي بدأ غير راضيا على هذا الاتفاق رغم الضغوط السعودية عليه كما تحدث مسؤولون كُثر عن هذه الجزئية، وهذه الخطوة كما هو معروف هو مخرج للرياض من هذا المستنقع وإغلاق ملف اليمن بأي طريقة كانت.

 

أما مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يقومان بدور وظيفي لا أقل ولا أكثر بمعزل عن مهامها الدستورية وفق للدستور اليمني، وهو حماية البلاد وسيادته ورفض كل المشاريع التي تهدد كيان الدولة ورفض وجود المليشيات والسلاح المنفلت، لكن الحقيقة لا نعلم كيف سيظهر مجلس القيادة الرئاسي والحكومة أمام السواد الأعظم من اليمنيين وهما يوقعان على هذا الاتفاق، متجاهلين الخسارة الفادحة والكلفة الباهظة التي أحدثها الحوثي ومليشياته طيلة تسع سنوات.

 

الاتفاقيات السابقة وجولات الحوار عاشها اليمنيون وعرفوا مواقف الحوثين والتنصل من تنفيذ شروطها والتزاماتها منذ سقوط صنعاء وحتى اليوم، ما الذي يمكن أن يقنع اليمنيين بجدية الحوثيين ورغبته في السلام وانهاء هذه المعاناة وهذه الأزمة الانسانية الأسوا في العالم كما وصفتها الأمم المتحدة.

 

السلام الذي يُفرض دون أساس هو سلام ملغوم سينفجر في وجه الجميع لأنه لم يأتِ برغبة يمنية بل برغبات إقليمية ودولية بعيدة عن خيارات اليمنيين وإرادتهم. العودة لوراء تسع سنوات فقط سنجد أن ثمة اتفاقيات وحوارات مع الحوثيين أملا في التقليل من كلفة الحرب ووقفها نهائيا سنجد أن هذه الجماعة نكثت بكل الاتفاقيات والمشاورات الحوارات بدءاً من اتفاق والشراكة مرورا بمشاورات الكويت وجنيف والسويد، جميعها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الحوثي مكوني غير قابل للسلام ولا قابل للتعايش مهما حاول المجتمع الدولي تلميعه.

 

مفهوم وفكر الدولة تجاه الاتفاقيات في حالة الحروب لا يجعلها تتراجع للخلف أو تقدم تنازلات لجماعات وكيانات مسلحة على حساب الدستور والقانون وتقويض الأمن والسلام، وهذا مبدأ غير قابل للتأويل أو التفسير، فالدولة والسلام مقرونان ببعضهما ولا يمكن أن يتخلي أحدهما عن الآخر، لكن ما يجري في اليمن عكس كل تلك المبادئ والمفاهيم، والسبب أن ثمة شرعية مسلوبة القرار السياسي وخاضعة لإملاءات خارجية، وهذا ما يزيد من مخاوف الناس في الداخل اليمني، كيف لحرب تسع سنوات ستعيد من أشعلوها إلى الواجهة وعلى أي أساس طالما وجودهم يهدد الدولة وأمنها.

 

إن الصورة التي لا يمكن لأي يمني تجرّع مرارة الحرب أن يتخيل أو يستوعب أن يكون الحوثيين ومليشياتهم جزءا من القرار السياسي للدولة اليمنية، في ظل تناقض مشروعهم مع مشروع الدولة والجمهورية وأهدافها، هذه واحدة من التناقضات الغريبة التي لا يمكن فهمها أو محاولة اسقاطها على الواقع اليمني، ومن هنا تأتي رفض فكرة السلام مع الحوثيين في ظل تغلغله بمفاصل الدولة ومؤسساتها التي استباحها في العام 2014.

 

هنا أنقل بلغة المواطن البسيط الذي أصبح يدرك هذه المسرحية التي يؤديها المبعوث الأممي والفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف اليمني، فمع كل جولة حوار والحديث عن السلام في اليمن، تتكشف الاخفاقات والفشل للأمم المتحدة في إدارة هذا الملف المستعصي، طالما الكيانات والمليشيات تتحكم بالبلاد، ووجودها يقوّض سلطة الدولة، فكيف يمكن أن يكون هناك سلام ولا توجد أرضية صلبة تساعد على استدامته وعدم تكرار الحرب.

 

التراخي وعدم اتساق مواقف الحكومة الشرعية والتحالف العربي كان سببا منح الحوثي فرصة للمناورة وفرض معادلات جديدة للحرب في اليمن، وذلك الفشل كان سببا كافيا لنجاح الحوثيين في المزايدة ولعب أوراقه باسم السلام وتقديم مظلوميته للمجتمع الدولي، وهو ما عجز التحالف ومعه الحكومة المعترف بها دوليا على مواجهته وكبحه، حتى تمكن الحوثيين من تحقيق جزءا من أهدافه خاصة فيما يتعلق بالسلام على طريقته الخاصة.

 

وفي النهاية قرر التحالف بقيادة السعودية الذهاب إلى حوارات بمعزل على الحكومة اليمنية مع الحوثيين خاصة بعد أن عادت العلاقات بين السعودية وإيران إلى وضعها الطبيعي، وهو كان المحرك للمياه الراكدة في الأزمة اليمنية، وما أن وجد الحوثي نفسه إلا في الرياض لمقابلة المسؤولين السعودية والدخول في نقاشات تحدد شكل المرحلة القادمة لمستقبل البلاد، أما مكونات الشرعية المنقلبة على نفسها لم تجد لنفسها موقفا موحدا من هذه الهرولة نحو الحوثيين، وكأنه كان صادقا ومحقا في كل ما يقول خلال سنوات الحرب حينما ردد عباراتنريد حوارا سعوديا يمنياأي يكون الحوثي طرفا فيه لا الحكومة اليمنية التي يعترف بشرعيتها العالم.

 

فما الذي تبقى للحكومة من أوراق تستطيع اللعب بها في ظل هذه المرحلة، لا شيء يذكر بل رددت الموقف السعودي المنتشي للسلام مع الحوثيين والذي يهدف من ورائه ضمان حماية أراضيه من الهجمات العابرة للحدود، أما على مستوى الداخل اليمني فلا يهم من وجهة النظر السعودية، هكذا نرى ذلك على أقل تقدير.

 

واحدة من  التساؤلات التي يمكن من خلالها معرفة حّسن نوايا الحوثيين هي بمقدوره فتح أبواب صنعاء للحكومة الشرعية لممارسة مهما؟ بكل تكيد لا، وربما إن حدث ذلك سيسوقهم إلى الزنازين قبل جلوسهم على كراسي السلطة كما فعلها عقب اتفاق السلم والشراكة ، وهذا ما أعتاد على رؤيته اليمنيون منذ بدء الحرب.

 

إن تجربة السلام مع الحوثيين ستكون أكثر مرارة، تجربة تنبئ بمرحلة جديدة من الحرب والبطش والتنكيل بالخصوم، الجماعة لا تقاتل من أجل كرسي السلطة بل من أجل استملاك اليمن أرض وإنسانا، لأن الصراع السياسي أو الذي يؤدي إلى حرب ينتهي باتفاق سلام يكفل للجميع التشارك في القرار السياسي للبلد، لكن ما يفعله الحوثيون خلاف ذلك، وهذا ليس بجديد، الأحداث والشواهد ما تزل حية على ذلك.

 

ستكون المرحلةمرحلة المشرفينلا مرحلة جديدة تنهي العنف والصراع وتوقف نزيف الدم، فغياب الدولة سيترك فراغ لهذه المليشيات للعبث، ولن تستعيد الدولة هيبتها حتى لم تم التوقيع على عشرات الاتفاقيات المعنونة بالسلام والاستقرار.

 

ومع هذه النشوة لخارطة السلام التي رحب بها أطراف يمنية متورطة أساسا في الحرب، لن نجد ضمانات حقيقية لاستدامته، بل سيجد الجميع مرحلة مؤجلة للحرب على المدى القريب أو على المدى البعيد، فالقارئ للمشهد اليمني سيجد أن هناك ضبابية ومشهد قاتم لمستقبل البلد في ظل وجود الحوثيين ومشروعهم الملشاوي والكيانات الأخرى التي تستقوي بالسلاح لاثبات وجودها على الأرض.

 

ولذلك يضغط لمجتمع الدولي بكل أدواته لإنجاح هذا الاتفاق رغم حالة التشاؤم عند الغالبية من اليمنيين الذين يأملون بالسلام الحقيقي من أجلهم لا من أجل أطراف تمتلك السلاح وتمارس العنف وتشعل الحرب متى ما أرادت.

 

بالمحصلة اتفاق السلام مع مليشيات الحوثي هو بداية لضرب الدولة اليمنية واسقاطها، وجعل اليمن لقمة سائغة لإيران بالدرجة  الأساسية وعمدة باتفاق ستشهده الأمم المتحدة والأطراف المشاركة فيه على المستوى الإقليمية والدولي.

 

الأخبار المشابهة
30 نوفمبر 2022 م
1 أكتوبر 2022 م
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI