5 يوليو 2024
14 إبريل 2023
يمن فريدم-الشرق نيوز

 

 

أثارت رؤية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن "السيادة الأوروبية" قراءاتٍ متباينة بشأن دوافع فرنسا وما إذا كان ماكرون قادراً على بناء تحالف أوروبي يحقق للقارة استقلاليتها بعيداً عن الولايات المتحدة، أم أن رؤيته ستقود، بدلاً من ذلك، إلى التقارب مع الصين على نحو يهدد التحالف الأوروبي الأميركي.

 

وشدَّد ماكرون، الأربعاء، خلال زيارة إلى هولندا، على أنّ التحالف مع الولايات المتّحدة لا يعني "التبعية" لها، مضيفاً: "أن تكون حليفاً لا يعني أن تكون تابعاً.. ولا يعني أنّه لم يعد من حقّك أن يكون لك تفكيرك الخاص".

 

وقبل ذلك، أثار الرئيس الفرنسي الجدل في الأوساط الغربية بدعوته الاتّحاد الأوروبي إلى ألا يكون "تابعاً" لواشنطن أو بكين في قضية تايوان، مشيراً إلى أنّ "فرنسا تؤيّد الوضع القائم في تايوان.. وتؤيد سياسة الصين الواحدة والتوصّل لتسوية سلمية للوضع".

 

واعتُبرت هذه التصريحات، التي جاءت في أعقاب زيارة أجراها ماكرون إلى الصين، بمثابة إشارات لـ"التباعد" عن واشنطن في وقت يشتد فيه التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، التي تصطف إلى جانب أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأراضيها.

 

السيادة الفرنسية

 

ويلفت الخبير البريطاني في الشؤون الجيوستراتيجية والعلاقات الدولية وليام وارد إلى أنَّ فكرة "السيادة الأوروبية" سبق أن قدَّمها رؤساء ووزراء فرنسيون قبل 30 عاماً؛ لكن ماكرون، برأيه، يقترحها بشكل مختلف عمن سبقوه.

 

وقال وارد لـ"الشرق" إنَّ هذه الفكرة هي بمثابة دعوة لزيادة قوة فرنسا حتى لا تكون مساوية لبقية دول الاتحاد الأوروبي، على حد تعبيره.

 

وأشار إلى أنَّ "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو ما شجَّع ماكرون على طرح الموضوع كما يفعل الآن، لأنَّ لندن كانت بمثابة العائق أو الخصم لباريس في السيادة الفرنسية على حساب الدول الأوروبية الأخرى".

 

وقال إنَّ هناك دولاً أوروبية عدة تشعر بشعور بريطانيا ذاته تجاه فرنسا، مشدداً في الوقت ذاته على أنَّ "بريطانيا لا يمكن أن تتجاهل الاتحاد الأوروبي، بل تحتاج مساعدته في جميع الأوقات، وهو ما ظهر جلياً في الأزمة الأوكرانية".

 

السيادة بين الاقتصاد والأمن

 

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في "جامعة ليون" (فرنسا) فابريس بالانش، أنَّ حديث ماكرون عن السيادة الأوروبية إزاء الولايات المتحدة يتعلق بالاقتصاد.

 

وقال بالانش لـ"الشرق" إنَّ "قضية السيادة الاقتصادية الأوروبية تعني المنافسة الاقتصادية مع الولايات المتحدة بالعمل على حماية الشركات الأوروبية من المنافسة مع النظم الاقتصادية الأميركية".

 

ورأى أنَّ ماكرون يحاول السيطرة على زمام المبادرة في الاتحاد الأوروبي، خاصة أنَّ فرنسا ترى في ظل الصراع السياسي في أوكرانيا أنَّ أوروبا بحاجة للمساعدة الأميركية، من أجل إنجاح المقاومة الأوكرانية ضد الروس والحفاظ على حلف شمال الأطلسي (الناتو).

 

من جانبه، قال أندرياس رينيك، مدير "معهد دراسات الشرق" في برلين، إنَّ "قضية تحقيق السيادة السياسية لأوروبا قضية ناشئة لكنها تنمو بوتيرة سريعة"، مشدداً على أن جزءاً من هذه السيادة يمثل السيادة الأمنية، لأن أوروبا تعتمد على جاهزية الولايات المتحدة في الدفاع عنها في أي حرب، كما هو الحال في حرب أوكرانيا.

 

وقال رينيك لـ"الشرق" إنَّه "من دون استقلال الأمن الأوروبي عن الأمن الأميركي لن تكون أوروبا مستقلة بشكل كامل".

 

هل يدق ماكرون الإسفين؟

 

وبعد تصريحات ماكرون بشأن تايوان، اعتبر محللون وسياسيون غربيون أنَّ الصين تريد من ماكرون دقَّ إسفين بين أوروبا وأميركا، بهدف إضعاف المعسكر الغربي في ظل المنافسة الشديدة بين بكين وواشنطن اقتصادياً. وأشار هؤلاء إلى أنَّ الصينيين يستخدمون، لتحقيق هذه الغاية، الدول الأوروبية التي تريد الوصول إلى نوع من الاستقلالية، وعلى رأسها فرنسا.

 

ورداً على هذا، قال بالانش إنَّ الرئيس الفرنسي يحاول إيجاد توازن في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أن زيارته إلى الصين في ضوء الوضع في تايوان، تظهر هذه الاستراتيجية.

 

ونفى الخبير الفرنسي أنَّ يكون ماكرون راغباً في أن يصبح الإسفين الذي يدمر العلاقات بين أوروبا وأميركا.

 

في المقابل، رأى وليام وارد أن من الصعب تحديد ما إذا كان ماكرون هو من سيدق الإسفين في العلاقات الأوروبية الأميركية.

 

وأوضح وارد أنَّ "التحالفات الغربية قائمة على عنصرين أساسيين، هما أوروبا وأميركا الشمالية عموماً، أو ما يطلق عليه الشرطي السيء والشرطي الجيد، فأميركا في المسائل الأمنية كانت تلعب دور الشرطي السيء أو الشرير من خلال بيع الأسلحة والتهديدات وغيرها، بينما أوروبا كانت تلعب دور الشرطي الصالح بودها وبحثها عن الحلول السلمية"، على حد وصفه.

 

وأعرب وارد عن تخوفه من تهديد الرئيس الفرنسي "ذي الشخصية النرجسية" لهذه الاستراتيجية التي تشكل الأساس في العلاقات الدولية بين أوروبا والولايات المتحدة، "اعتقاداً منه بأنَّ ذلك سيجعله شخصية بأهمية الرئيس الأميركي جو بايدن"، مضيفاً أنَّ هذا ربما "سيجعل ماكرون حليفا مباشراً لبكين وبالتالي لن تكون النتيجة مفيدة لأوروبا والغرب بأكمله".

 

التنافس الألماني الفرنسي

 

وفيما يتعلق بزيارة ماكرون إلى هولندا، التي تعد الأولى لرئيس فرنسي منذ 23 عاماً، ومدى إسهامها في رؤية ماكرون بشأن "السيادة الأوروبية"، اعتبر بالانش أنَّ الزيارة تأتي في سياق أوروبي لتطوير العلاقات الفرنسية مع الدول الأوروبية كبديل عن علاقاتها مع ألمانيا، خصوصاً الدول الموفرة للأموال ومنها هولندا، "لأنَّ فرنسا تشعر الآن بتهميش دورها التقليدي في أوروبا التي تتقاسم الهيمنة عليها مع ألمانيا".

 

وقال بالانش: "حتى اللحظة لدينا قارة أوروبية، وهي تحت هيمنة فرنسية ألمانية، فهناك مساواة بين ألمانيا وفرنسا، ونرى أنَّ هذه المساواة التقليدية يتم كسرها، مع الهيمنة المتزايدة لألمانيا على أوروبا".

 

واعتبر أنَّ باريس "تشعر بتهميش الدور الفرنسي التقليدي لذلك هناك تطوير للعلاقات مع الدول الأوروبية التي نسميها الدول الموفرة للأموال ومنها هولندا".

 

مجالات التعاون

 

وأعرب عن اعتقاده بأنَّ كلاً من فرنسا وهولندا تعملان على عدد من الأولويات أبرزها التكنولوجيات العالية الجديدة في مجال الإلكترونيات المتناهية الصغر، لافتاً إلى أنَّ هولندا لديها شركة مشهورة في هذا المجال وتلعب دوراً مهماً في أسواق الرقائق الإلكترونية، وفرنسا من جهتها لديها شركة "بيجو" للسيارات وتحتاج لهذه الرقائق.

 

وأشار بالانش إلى أنَّه يوجد نقص في هذه الرقائق ظهر جلياً خلال جائحة كورونا وتعطل الإنتاج، لذلك سيحرص ماكرون على دمج هذه القطاعات بغية تطوير المنتجات التكنولوجية على مستوى أوروبا، إضافة الى التعاون في المجال الجوي.

 

وأضاف أنَّ هولندا من جهتها بحاجة إلى الطاقة النووية السلمية ويجري حالياً دراسة الحلول في مجال استخدام الطاقة مع تقليل المخاطر.

 

وحول ما يمكن أن تقدمه هولندا لفرنسا عقب زيارة ماكرون، أوضح وليام وارد أنَّ المجالات مفتوحة في الصناعة والتجارة والزراعة وأشباه الموصلات، لافتاً إلى أنَّ الطرفين سيتوافقان على الأولويات بناء على الأحداث التي ستقع خلال الأشهر أو السنوات القادمة.

 

بدوره، استبعد أندرياس رينيك أن يكون لزيارة ماكرون تأثير عملي، بسبب مرور 23 عاماً على آخر زيارة فرنسية لهولندا.

 

وأشار إلى أنَّ زعماء الاتحاد الأوروبي يلتقون شهرياً في بروكسل، والبعد الزمني للزيارة جعل من الزيارة شكلية، إضافة إلى أنَّ الشركات في هولندا وفرنسا تتخذ القرارات بشأن مستقبلها الاقتصادي بناءً على احتياجاتها الاقتصادية من خلال منظومة التشريعات والقوانين الأوروبية التي تنطبق على الجميع.

 

وكان ماكرون استغل زيارته إلى هولندا لعرض رؤيته لما وصفه بعصر جديد من "السيادة الأوروبية والأمن الاقتصادي" حيث يمكن للقارة اختيار شركائها و"تحديد مصيرها".

 

وقال ماكرون إن السيادة الأوروبية تعني أن القارة يمكن أن "تختار شركاءها وتشكل مصيرها بدلاً من أن تكون مجرد شاهد على التطورات الدراماتيكية لهذا العالم"، مشيراً إلى أنَّ "هذا يعني أننا يجب أن نسعى جاهدين لوضع القواعد بدلاً من تلقيها".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI