رغم الآمال العريضة المعلقة على بدء المباحثات بين السعودية والحوثيين بهدف إحلال السلام في اليمن، فإن خبراء لا يرون فيها نهاية للحرب التي مزقت البلاد وتسببت بأسوأ الكوارث الإنسانية، لماذا هذا التشاؤم؟
وأحييت المصافحة الحارة والنادرة بين السفير السعودي في اليمن محمد بن سعيد الجابر ومهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى في الحكومة التي تقودها جماعة الحوثي في اليمن، الآمال في إمكانية إنهاء الحرب التي مزقت اليمن.
وذكرت وسائل إعلام يديرها الحوثيون الأحد أن وفدا سعوديا وآخر من سلطنة عمان وصلا إلى العاصمة اليمنية صنعاء للتفاوض مع المسؤولين في جماعة الحوثي بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل دائم وإنهاء تدخل الرياض عسكريا في الحرب المستمرة منذ وقت طويل.
وتشير الزيارة إلى إحراز تقدم في مشاورات تجري بوساطة عمانية بين الرياض وصنعاء وبالتوازي مع جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة. بيد أن الوفد السعودي غادر صنعاء مساء الخميس بعد محادثات مع الحوثيين من دون اتفاق نهائي إنما بتفاهم "مبدئي" حول هدنة وعقد جولة من المحادثات، حسبما أفاد مسؤولان حوثيان ومسؤول حكومي يمني لوكالة فرانس برس الجمعة.
وأكد مصدر حكومي مطلع على المحادثات هذه المعلومات، فيما قال مصدر في وزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا إنّ الوفد السعودي "سيحمل شروطا لنقلها إلى القيادات السعودية".
واكتسبت جهود السلام قوة دافعة أيضا بعدما اتفقت السعودية وإيران على استئناف العلاقات بموجب اتفاق بوساطة صينية.
ومن بين القضايا الرئيسية المطروحة على طاولة المفاوضات إبرام هدنة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية وجماعة الحوثي المدعومة من إيران وأيضا إعادة فتح مطار صنعاء وميناء البحر الأحمر في الحديدة ورفع الحصار الذي فرضه الحوثيون على مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة بالإضافة إلى استئناف تصدير النفط.
ورغم أن الآمال العريضة التي يعلقها المجتمع الدولي على نتائج المباحثات، إلا أن الشكوك تدب في صفوف الخبراء والمراقبين حيال إمكانية أن تسفر المباحثات عن فرصة حقيقة لإحلال سلام وشيك ودائم. ويعزو الخبراء أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك إلى غياب المجلس الرئاسي اليمني الذي يعد الذراع التنفيذي للحكومة المعترف بها دوليا عن المشاركة في المفاوضات التي شهدت أيضا غياب أطراف يمنية أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي.
ويُنظر إلى الصراع في اليمن على أنه حرب بالوكالة بين إيران والسعودية. وأجبر الحوثيون الحكومة على الخروج من صنعاء عام 2014 حيث بسطوا سيطرتهم الفعلية على شمال اليمن.
ويحارب الحوثيون تحالفا عسكريا تقوده السعودية منذ عام 2015 في صراع راح ضحيته عشرات الآلاف وجعل 80 بالمئة من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية فضلا عن نزوح الآلاف داخل البلاد في ظل أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ليس الهدف إنهاء الحرب
وفي تعليقها على الجهود الدبلوماسية قالت مروى باعبّاد، مديرة مركز سياسة اليمن في برلين، إنها لا تعتقد أن المحادثات الحالية هدفها انهاء الحرب.
وفي مقابلة مع DW، أضافت: "لم يكن هدف سلطنة عمان الانخراط في وساطة تسفر عن سلام يمني يشمل الجميع، بل هدفها يتمثل في إقناع الحوثيين بإنهاء هجماتهم الحدودية وتيسير العلاقة بين السعوديين والحوثيين".
وشددت على أنه يجب معالجة "أبزر النقاط الخلافية بين الأطراف اليمنية من أجل فتح نافذة لتحقيق سلام دائم في البلاد."
ويرى الخبراء إن جماعة الحوثي الطرف التالي على قائمة السعودية الخاصة بالأطراف الإقليمية التي تسعى الرياض إلى إصلاح العلاقات معها بعد إيران التي أبرمت اتفاقا معها لإعادة العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة دامت سنوات، فضلا عن أن الرياض تولي اهتماما كبيرا بالخروج من مستنقع الحرب في اليمن.
بدوره، قال عبد الغني الإرياني، باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إنه يعتقد أن اليمن جرى استخدامه كبيدقٌ في صراع إقليمي، مضيفا بأن "السعودية تسعى لتحقيق أهداف قصيرة المدى على حساب مصالحها طويلة المدى في إطار أمن واستقرار دائمين في المنطقة".
وفي مقابلة مع DW، أشار إلى أن السعودية "منحت الحوثيين حق تمثيل اليمنيين على حساب جميع الأطراف الأخرى. وهو الأمر الذي قد يزعزع استقرار اليمن في ضوء أن الحوثيين غير مستعدين لتقاسم السلطة السياسية. وقد تزيد المحادثات الحالية من خطر تفكك الدولة، لأن الأطراف الأخرى لن توافق على العيش تحت سيطرة جماعة الحوثي".
ويشير الإرياني في حديثه ضمنيا إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي من المتوقع أن تدفعه المستجدات الأخيرة إلى تعزيز جهوده نجو إعلان الانفصال بشكل أحادي.
وحذر من أن هذا الأمر سوف يُغرق اليمن في دوامة عدم الاستقرار أكثر وأكثر، قائلا: "المجلس الانتقالي الجنوبي غير جاهز للسيطرة على كافة مناطق جنوب البلاد وأيضا الحوثي لا يستطيع السيطرة على كافة مناطق الشمال، لذا فنحن نواجه شبح تفكك الدولة اليمنية وليس انفصالها إلى دولتين".
وشكك في إمكانية حصول الحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي على اعتراف دولي كهيئات حكومية جديدة، مضيفا أن هذا الأمر سيلقي بظلاله سلبيا على جذب استثمارات دولية وسيبطئ جهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.
بدوره، يلقى هشام العميسي، الخبير في الشأن اليمني في المعهد الأوروبي للسلام ومقره بروكسل، بظلال من الشكوك حيال أن تسفر المباحثات بين السعودية والحوثيين عن تحقيق سلام دائم وملموس في اليمن.
وفي مقابلة مع DW، قال إن "عدد المحافظات في اليمن يبلغ 21 محافظة تضم 333 مديرية لكل منها مشاكلها الخاصة بها. وبدون انخراط الجميع وبدون اتباع نهج من القاعدة إلى القمة في اليمن، فإن أي عملية سلام لن تكون مستدامة".
وأضاف أن اليمن بحاجة إلى خطط للشروع في عملية إعادة الإعمار والبدء في جهود المصالحة والانتعاش الاقتصادي لتمهيد الطريق أمام إحلال السلام، محذرا من أنه "بدون كل ذلك وبدون إجراءات بناء الثقة فإننا نبالغ في توقع نتائج محادثات السلام الحالية".
ومع تصاعد الزخم الدبلوماسي على الصعيد السياسي، ينتظر المراقبون بدء تنفيذ صفقة تبادل للأسرى بوساطة الأمم المتحدة يوم الجمعة المقبل بعد أن توصل الحوثيون والحكومة في مارس/ آذار الماضي خلال مفاوضات انعقدت في برن إلى اتّفاق على تبادل مئات الأسرى. وبموجب الاتفاق، سيٌطلق الحوثيون سراح 181 أسيرا مقابل 706 من المعتقلين لدى القوات الحكومية.
"DW عربية"