تتجه الأنظار في الولايات المتحدة الثلاثاء، إلى المحكمة الفيدرالية بمدينة ميامي في ولاية فلوريدا، والتي ينتظر أن تشهد مثول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أمامها بتهم الاحتفاظ بشكل "غير قانوني" بوثائق تتعلق بالأمن القومي بعد مغادرته البيت الأبيض في عام 2021.
وسيكون هذا هو الظهور الثاني للرئيس الأميركي السابق في قاعة المحكمة كمتهم جنائي، بعد مثوله أمام محكمة نيويورك في أبريل الماضي بتهمة تزوير وثائق على صلة بدفع مبلغ للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز مقابل التستّر على علاقة يُعتقد أنها كانت قائمة بينهما، فيما ينفي ترمب هذه التهم.
ولكن هذه المرة هي الأولى التي يمثل فيها أمام محكمة في تهمة فيدرالية، وهي المرة الأولى أيضاً التي توجه فيه تهمة فيدرالية لرئيس أميركي سابق على الإطلاق.
ومن المتوقع أن تعقد جلسة الاستماع لترمب في تمام الساعة الـ 3 مساء بالتوقيت المحلي، فيما يواصل فريقه مناقشة الترتيبات والإجراءات الأمنية مع السلطات.
كيف ستجري المحاكمة؟
غالباً ما يتم تقييد أيدي المتهمين الجنائيين الذين يحتجزون قبل مثولهم الأولي أمام المحكمة وأخذ بصماتهم وتصويرهم، لكن في أبريل الماضي، أخذت السلطات في نيويورك بصمات أصابع ترمب فقط ولم تُقيّد يديه أو تصوره.
وفي جلسة الاستماع، من المرجح أن يقف الرئيس الأميركي السابق إلى جانب محاميه حتى يمنحه القاضي الإذن بالتحدث، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ترمب سيعود إلى المحكمة لتوجيه الاتهام إليه في وقت لاحق أو سيدفع بالبراءة مباشرة من أجل التخلص من الحاجة إلى العودة مرة أخرى إلى المحكمة.
وبعد جلسة الاستماع، من المتوقع أن يتوجه ترمب، الذي انتقد لائحة الاتهام الجديدة، إلى نيوجيرسي، كما سيدلي بتصريحات من نادي الجولف الخاص به في بيدمينستر في الساعة 08:15 مساء (بالتوقيت المحلي)، بحسب "نيويورك تايمز".
ما هي لائحة الاتهام؟
جاء في لائحة الاتهام الفيدرالية أن ترمب لم يحسن التعامل مع وثائق سرية تضمنت معلومات عن البرنامج النووي الأميركي السري وثغرات محلية محتملة لدى الولايات المتحدة في حالة وقوع هجوم.
وذكرت لائحة الاتهام أن ترمب ناقش مع محاميه إمكانية الكذب على المسؤولين الحكوميين الذين يسعون لاستعادة الوثائق وحفظ بعضها في صناديق بالقرب من مرحاض، ووزع صناديق تحتوي على بعض من هذه الوثائق في أنحاء منزله بمنتجع مارالاجو بولاية فلوريدا حتى لا تعثر عليها السلطات.
ونقلت لائحة الاتهام عن ترمب قوله لأحد محاميه: "ألن يكون من الأفضل لو قلنا لهم أنه ليس لدينا أي شيء هنا؟".
وأعلنت وزارة العدل عن لائحة الاتهام المكونة من 49 صفحة في يوم شهد استقالة 2 من محاميي ترمب في القضية.
وتشمل لائحة الاتهام توجيه 37 تهمة للرئيس السابق، فيما يواجه والت ناوتا المساعد السابق لترمب اتهامات في القضية أيضاً.
وتتناول إحدى الوثائق أيضاً دعم إحدى الدول الأجنبية للإرهاب بما يتعارض مع المصالح الأميركية.
ونصت لائحة الاتهام على أن هذه المواد الحكومية صادرة عن "البنتاجون" ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ووكالات أخرى تابعة للاستخبارات.
وقال ممثلو الادعاء إن ترمب أطلع شخصاً آخر على وثيقة لوزارة الدفاع وُصفت بأنها "خطة هجوم" على دولة أخرى، مضيفين أن ترمب تآمر مع ناوتا للاحتفاظ بوثائق سرية أخذها من البيت الأبيض وأخفاها عن هيئة محلفين فيدرالية كبرى.
وكذب ناوتا على مكتب التحقيقات الفيدرالي عندما أخبرهم أنه لا يعرف كيف انتقلت بعض الوثائق إلى جناح ترمب في منتجع مارالاجو بينما كان في الواقع متورطاً في نقلها هناك من غرفة تخزين، حسبما ذكرت لائحة الاتهام.
واحتفظ ترمب بالوثائق في منتجع مارالاجو الذي يمتلكه في فلوريدا وفي نادي الجولف الخاص به في نيوجيرزي. وجاء في لائحة الاتهام أن المنتجع استضاف عشرات الآلاف من الضيوف في أكثر من 150 حدثاً خلال الوقت الذي كانت فيه الوثائق هناك.
ما هي القوانين التي ربما تم خرقها؟
هناك 3 قوانين يقول الادعاء أن دونالد ترمب وفريقه قاموا بخرقها في سياق تلك القضية:
1- قانون (18 USC 793) الفيدرالي، وهو جزء من قانون التجسس. ويتعامل مع الاحتفاظ غير القانوني بـ"معلومات الدفاع الوطني"، وهو مصطلح واسع يشمل الوثائق السرية وغيرها من المواد الحكومية الحساسة. ويمكن أن ينطبق هذا القانون على الأشخاص المصرح لهم بالتعامل مع المعلومات السرية، ولكنهم احتفظوا عن قصد بالمواد في مكان غير آمن، أو على الأشخاص الذين ليس من المفترض أن يمتلكوا المعلومات في المقام الأول.
2- قانون (18 USC 2071)، الذي يتعامل مع النقل غير القانوني للسجلات الحكومية.
3- قانون (18 USC 1519)، ويتعلق بعرقلة العدالة. ويمكن أن يحدث هذا الأمر إذا خلص المدعون إلى أن ترمب أو مساعديه حاولوا عمداً عرقلة تحقيقهم.
من هو القاضي المتوقع لمحاكمة ترمب؟
لم يتضح بعد أي قاض سيشرف على الجلسة، لكن سبق أن تم إسناد قضية الوثائق السرية إلى القاضية أيلين إم كانون، التي تعاملت مع دعوى قضائية تم رفعها للطعن في تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أذنت به المحكمة لمنزله وناديه في مارالاجو بولاية فلوريدا.
وجاء هذا التفتيش في أغسطس الماضي، بعد عدم تعاون ترمب بشكل كامل مع أمر استدعاء يطلب منه إعادة جميع الوثائق التي تحمل علامات التصنيف السرية التي لا تزال بحوزته.
وتم تعيين القاضية كانون من قبل ترمب نفسه بعد أيام من خسارته الانتخابات في نوفمبر 2020، وفاجأت الخبراء القانونيين العام الماضي بتدخلها بأحكام مختلفة مؤيدة لترمب، مما أدى إلى تعطيل التحقيق في الوثائق حتى وبختها محكمة استئناف محافظة، قائلة إنها "لم تكن لديها سلطة قانونية للتدخل"، وفقاً لشبكة "سي إن إن".
ولم يمثل ترمب أمام القاضية كانون خلال الدعوى القضائية السابقة، لذلك إذا تعاملت مع جلسة، الثلاثاء، فإن هذه الجلسة ستجعلهما يواجهان بعضهما وجهاً لوجه لكن مثل هذه الجلسات غالباً ما يشرف عليها قاضي الصلح الذي قد يكون بروس راينهارت الذي وقّع على مذكرة تفتيش مارالاجو، أو يمكن أن يكون أي قاض يعمل في محكمة ميامي.
لماذا المحاكمة في ميامي وليس واشنطن؟
من المنطقي أن تكون القضية في فلوريدا، إذ إنها الولاية التي يعيش فيها ترمب معظم العام، وهي أيضاً المكان الذي أجرى فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي عملية الدهم لمنتجع مارالاجو وقام بنقل الصناديق التي تحتوي على مواد سرية.
كم ستستغرق المحاكمة؟
هذا أمر غير واضح، إلا أنه من غير المرجح أن تنتهي المحاكمة قبل الانتخابات المقبلة 2024، وذلك بالنظر إلى طول الوقت الذي تستغرقه إجراءات التقاضي في قضية فيدرالية.
هل بإمكان ترمب الترشح للرئاسة خلال المحاكمة أو إذا أُدين؟
نقلت "سي إن إن" عن ريتشارد هاسن أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا أن "لا شيء يمنع ترمب من الترشح أثناء اتهامه، أو حتى إدانته".
ويتطلب الدستور 3 أشياء فقط من المرشح، هي أن يكون مولوداً على أرض الولايات المتحدة، وألا يقل عمره عن 35 عاماً، وأن يكون مقيماً في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل.
لكن من الناحية السياسية، قد يكون من الصعب على مرشح متهم أو مدان حصد أصوات الناخبين.
هل ينقلب الجمهوريون على ترمب؟
ثمة شكوك تتردد حول هذا الأمر إذ سبق أن واجه ترمب قضايا عديدة، بما في ذلك إجراءات عزله، واتهم في مانهاتن وغيرها، وقد حاول إلغاء نتائج الانتخابات، ورغم ذلك لا يزال الأوفر حظاً لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.
ومن المؤكد أن ترمب سيحشد الدعم بناءً على هذه الاتهامات الأخيرة، وكل ذلك جزء مما يزعم أنه "ملاحقة بدوافع سياسية" استمرت سنوات.
هل يمكن أن يُدلي ترمب بصوته إذا أدين؟
في حال إدانة ترمب بارتكاب جناية على المستوى الفيدرالي أو في نيويورك، فسيُمنع من التصويت في ولاية فلوريدا مسقط رأسه، على الأقل حتى يقضي عقوبة محتملة.
ماذا يحدث إذا فاز ترمب ولم تنته المحاكمة؟
وفقاً لروبرت راي، وهو المحامي الذي تولى الدفاع عن ترمب أثناء المحاكمة التي جرت بشأن عزل الرئيس السابق، فإن "القضية ستتبدد". وأضاف "سيُسيطر (ترمب) على وزارة العدل، وإذا كانت لا تزال (القضية) معلقة، فإنه سيرفضها".
ماذا يحدث بعد لائحة الاتهام؟
وفقاً لشبكة "إيه بي سي نيوز"، يمكن اعتقال المشتبه بهم الذين توجه إليهم لوائح اتهام وإيداعهم الحبس الاحتياطي أثناء انتظارهم للمحاكمة، لكن في معظم قضايا أصحاب الياقات البيضاء، يتم الإفراج عن المتهم بناء على تعهد شخصي منهم.
ولم يأمر القضاء في مانهاتن باحتجاز ترمب بعد جلسة شهر أبريل الماضي.
وأوضحت الشبكة أنه قبل توجيه الاتهامات إلى المدعى عليهم يتم اتباع السرية حول القضية وهيئة المحلفين الكبرى، لكن في حالة ترامب، أدى اهتمام وسائل الإعلام وبيانات الشهود إلى رفع القضية إلى أعين الجمهور.
لكن مع ذلك، لا تُشير لوائح الاتهام والتهم الجنائية إلى ذنب أي مشتبه به، حيث لا تُمثل الاتهامات الكلمة الأخيرة في القضية".
ألم يكن ترمب متهماً بالفعل؟
نعم، تم توجيه الاتهام إلى ترمب في مارس من قبل المدعي العام لمنطقة مانهاتن جاك سميث بتهم تتعلق بمدفوعات مالية سرية لممثلة إباحية في عام 2016.
وتتضمن لائحة الاتهام الجديدة تهماً مختلفة تماماً، وجهتها الحكومة الفيدرالية وتتعلق بتعامله مع وثائق سرية بعد مغادرته البيت الأبيض.
وربما يواجه ترمب اتهامات تتعلق بأحداث 6 يناير أو جهوده لإلغاء انتخابات 2020، إذ يشرف سميث أيضاً على تلك التحقيقات.
ألم يتم العثور على مواد سرية أيضاً في منزل بايدن؟
نعم. وهناك محقق خاص يتولى مسؤولية تلك القضية.
لكن، الفرق الرئيسي في قضية ترمب هو أنه حاول بنشاط لمدة عام تقريباً منع تسليم الوثائق إلى الأرشيف الوطني، والذي تعود إليه ملكية تلك الوثائق بعد مغادرة الرئيس لمنصبه.
هل سبق أن واجه رئيس سابق إجراءات مماثلة؟
لم يتم اتهام أي رئيس سابق بارتكاب جريمة فيدرالية. وكذلك لم يحدث هذا الأمر مع مرشح هو الأوفر حظاً لمنصب الرئيس من حزب سياسي كبير.
وذكرت "سي إن إن" أن محاكمة نائب الرئيس الأسبق آرون بور بتهمة الخيانة في عام 1807 أمر يحمل أوجه تشابه، لكنها أشارت إلى أن الوضع مع ترمب "لا يزال في منطقة مجهولة"، ومن ثم قد يتبدد هذا التشابه لاحقاً.
هل يمكن أن يُسجن ترمب؟
فكرة أن ترمب سيُرى داخل زنزانة السجن لا تزال بعيدة المنال تماماً.
وقال ريتشارد هاسن أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا إنه سيتعين على جهاز الخدمة السرية حينها حمايته في السجن.
والخدمات اللوجستية في تلك الحالة قد تبدو معقدة أو غير منطقية، إذ هل سيزرع هذا الجهاز عملاءه في السجن برفقة ترمب؟ وهل سيرتدون ملابس نزلاء أم حراس؟
وقد وُجد كبار المسؤولين المتهمين بارتكاب مخالفات تاريخياً طريقة للخروج من السجن، فقد حصل الرئيس السابق ريتشارد نيكسون على عفو استباقي من خلفه جيرالد فورد. واستقال نائب رئيس نيكسون السابق، سبيرو أجنيو بعد أن وقع في فضيحة فساد. وعقد أجنيو صفقة الإقرار بالذنب وتجنب عقوبة السجن.