بعد قرابة أربعة أعوام من اندلاع الحرب في تعز، عاشها المواطنين في المدينة بين ويلات الحرب والقصف وانقطاع للتيار الكهربائي بشكل تام، وفي العام 2018 عاد النور إلى المدينة وعادت الكهرباء ولكن بصورة غير التي عرفها المواطنين قبل الحرب، وباتت الآن تشكل همًا لدفع تكاليفها بصورة مستمرة، ليست في متناول أيدي المواطنين الذي يكابدون كل يوم من أجل توفير متطلبات الحياة المعيشية، وأصبحت الكهرباء حلم صعب المنال للكثيرين من أبناء هذه المدينة.
دمرت الحرب البنية التحتية للمؤسسة العامة للكهرباء في تعز بصورة كبيرة، وبعد تلك الأربعة أعوام منذ اندلاع الحرب وباتت الاشتباكات في أطراف المدينة، استغل أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ في تعز الوضع الذي تمر به المدينة في ظل غياب الكهرباء الحكومية، وعملوا على انشاء محطات كهربائية تجارية خارج إطار المؤسسة العامة للكهرباء، ولكن خدمة هذه المحطات التجارية باهظة الثمن، أثقلت كاهل المواطنين في مدينة مازالت تعاني الأمرين، الحرب والحصار.
خمس سنوات منذ عودة الكهرباء التجارية إلى المدينة والمواطنين يعانون من جشع المستثمرين في رفع تكلفة الكهرباء بين الحين والآخر، حتى بات المواطن يدفع مبالغ كبيرة كل عشرة أيام، مما اضطر بعضهم إلى قطع التيار الكهربائي وشراء منظومات تعمل بالطاقة الشمسية.
عقود غير قانونية
ينص القانون اليمني رقم (1) لعام 2000، وكذلك القانون رقم (35) لعام 2009، على منع تأخير خطوط نقل الطاقة للمواطنين بشكل عام، وعلى الرغم من هذا القانون الصريح إلا أن السلطة المحلية في تعز قامت بتأجير خطوط الكابلات الكهربائية التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء لأصحاب المحطات التجارية دون العودة لوزارة الكهرباء.
بدأت فكرة تأجير خطوط الكهرباء في العام 2018، حيث اجتمع القائم بأعمال مدير فرع المؤسسة العامة للكهرباء "عارف غالب" آنذاك باقتراح على موظفي المؤسسة بإمكانية تأجير تلك الخطوط للمواطنين، في الوقت ذاته كانت جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها قد عمدت إلى تأجير خطوط النقل من أجل توفير الكهرباء للمواطنين، ولم تلقى فكرته استحسانًا من قبل الموظفين في المؤسسة.
تواصلنا مع مدير مكتب الشؤون القانونية في المحافظة "أمين فتح" من أجل توضيح الأمر بصورة أكبر، لكنه تهرّب من الإجابة وقال إنه تم تكليفه على وضع قائم لا علاقة له به.
من جهته قال مدير فرع مؤسسة الكهرباء الحالي" عبدالكريم عبدالودود" إن تراخيص الشركات التجارية منحت من قِبل الإدارة السابقة، وبدوره أبلغ الإدارة العامة من أجل عمل عقود جديدة قانونية تعمد من وزير الكهرباء والطاقة، وهذه العقود مازالت في عدن ولم يتم اعتمادها حتى اللحظة، عند حد قوله.
أضاف عبد الكريم في تصريحه لموقع "يمن فريدم" قوله: " تأجير شبكة الكهرباء لا يعتبر انتهاك للقانون وخصوصًا في مثل الظروف التي تمر بها تعز لعدم وجود كهرباء حكومية، والمشكلة فقط هو من يحق له تأجير الشبكة في مثل هذه الظروف، وهو وزير الكهرباء والطاقة".
وعن المبالغ التي تستلمها المؤسسة من محطات الكهرباء التجارية مقابل تأجير شبكة الكهرباء أوضح "عبدالكريم" أنها مبالغ زهيدة تم تخصيصها كنفقات تشغيلية لكهرباء تعز وأكثر من 50% من المبالغ يتم بها دعم رواتب الموظفين في كهرباء تعز ومحطة المخا ومحطة عصيفرة وذلك بحسب توجيهات وزارة المالية بعدن.
تدفع محطات الكهرباء التجارية للمؤسسة العامة للكهرباء مقابل استئجار شبكة الكهرباء (5.9) ريال مقابل كل كيلو وات تبيعه للمواطنين، ويبغ حوالي المشتركين في محطات الكهرباء التجاري نحو 20 ألف مشترك، ويوجد في تعز 14 محطة تجارية.
تلاعب المستثمرين وغياب الرقابة
يستغل المستثمرون التجاريون للأوضاع التي تمر بها البلاد نتيجة لأزمات المشتقات النفطية بين الحين والآخر فيقومون برفع سعر تكلفة الاستهلاك الكهرباء، حتى تجاوز سعر (الكيلو الوات) الواحد في الآونة 1000 ريال، في الوقت الذي تغيب فيه السلطة المحلية عن المشهد الذي بات المواطنين لا يطيقونه.
يقول مالك محطة "يمن باور" للكهرباء، أسامة البرطي، إنه يواجه صعوبة كبيرة في توفير الديزل لأنهم يشتروه من السوق السوداء بالعملة الصعبة وبمبالغ كبيرة، وهذا الأمر يدفعهم لرفعة سعر تكلفة الكهرباء.
من جانبه يقول مدير المؤسسة العامة للكهرباء، عبدالكريم، إن سعر (الكيلو وات) في المحطات التجارية مرتفع جدًا ولا يوجد أي قانون ينظم العلاقة بين مؤسسة الكهرباء وهذه المحطات، وليس للمؤسسة أي صلاحية للتدخل في تحديد سعر بيع الكهرباء للمواطنين.
ويشتكي المواطنين في مدينة تعز بصورة مستمرة من ارتفاع سعر الكهرباء التجارية، مطالبين بعودة الكهرباء الحكومية، وخلال الأيام الماضية أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إعلامية للمطالبة بعودة الكهرباء الحكومية وصيانة محطة عصيفرة الواقعة شمال المدينة.
وليست مناطق سيطرة جماعة الحوثي بأفضل حال من مدينة تعز، فالكهرباء الحكومية هناك معدومة بصورة تامة، وعمل المحطات التجارية لا يختلف كثيرًا، حيث يستغل أصحاب هذه الشركات الأوضاع لفرض أسعار كبيرة مقابل توصيل الكهرباء، وفي كلا المناطق تغيب الجهات الرسمية في فرض قانون يحدد سعر الكيلو وات، يستغل ملاك الشركات هذا الأمر لمضاعفة معاناة المواطنين.
مطالبات بعودة الكهرباء الحكومية
ومع تردي وضع الكهرباء في مدينة تعز المحاصرة للعام التاسع على التوالي، وتزايد جشع مالكي الكهرباء التجارية بدأت الأصوات ترتفع أكثر من ذي قبل للمطالبة بصيانة (محطة كهرباء عصيفرة) المتوقفة منذ بدء الحرب، وإعادة تشغيلها لتخفيف عبء تكلفة شراء الكهرباء التجارية.
وبدأت حملة واسعة في المدينة لمطالبة السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء بسرعة إعادة تأهيل المحطة وتشغيلها وتوفير الكهرباء للمدينة بدلا من الاستغلال الذي يتعرض له السكان من قبل مالكي المحطات التجارية الذين لم يخضعوا لأي رقابة من قبل السلطات المحلية.
توجهات سعودية لإنشاء محطة كهرباء في تعز
شكّلت الحملة المستمرة في تعز ضغطًا على السلطات المحلية ما أجبرها إلى دعوة ناشطين وصحفيين وفريق مشاورات لعقد لقاء يوم الأربعاء 4 أكتوبر، حيث كشف وكيل محافظة تعز للشؤون المالية والادارية وتنمية الموارد، خالد عبد الجيل، عن توجهات للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن لإنشاء محطة كهرباء جديدة في المدينة.
وجاءت هذه التصريحات خلال مناقشة أوضاع محطة عصيفرة للكهرباء وجهود السلطة المحلية لإصلاح الكهرباء وتشكيل فرق هندسية وفنية لإجراء الدراسات الخاصة بتشغيل محطة عصيفرة.
واقر الاجتماع إجراءات لتسليم محطة عصيفرة لفرع مؤسسة الكهرباء وإدارة المحطة ورفع الدراسات الخاصة بالمرحلة الأولى لترميم وإصلاح مبنى فرع مؤسسة الكهرباء.
وفي المحصلة ما تزال مدينة تعز غارقة في الظلام وفي مأساتها منذ تسع سنوات على التوالي دون تحرك رسمي لانتشال المدينة المحاصرة من ظلام الحرب والكهرباء المنعدمة.