مع تصاعد هجمات الحوثيين، قررت شركات الملاحة الكبرى الابتعاد عن البحر الأحمر وقناة السويس وسلوك طريق رأس الرجاء الصالح.
فهل يشهد العالم تكرار أزمة سلاسل الإمداد مثلما حدث خلال جائحة كورونا؟
قررت معظم شركات الملاحة الكبرى الأسبوع الماضي تغيير مسار سفنها بعيداً عن البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر التي اندلعت بعد نشوب الحرب بين إسرائيل وحماس.
وعلى وقع القرار، ستحتاج السفن المنطلقة من الشرق الأقصى صوب أوروبا إلى الالتفاف حول القارة الأفريقية بأكملها عبر طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. وستستغرق الرحلة أسبوعاً إضافياً مع قطع 3500 ميل بحري إضافي.
ويمر قرابة 12% من حجم التجارة العالمية عبر قناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر حيث تعد أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا.
ارتفاع تكاليف؟
ويقول محللون إن القرارات الأخيرة سوف تلقي بظلالها على تكلفة شحن البضائع وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة، في حالة طال أمدها، إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
وفي مقابلة مع DW، قال بيتر ساند، كبير المحللين في شركة "زينيتا" المتخصصة في تحليلات السوق ومقرها كوبنهاغن، إن "رحلة واحدة من شنغهاي إلى روتردام عبر الرجاء الصالح سيضيف مليون دولار على تكاليف الوقود".
وأضاف أن "هذا الأمر لوحده يتطلب سداد فاتورة ضخمة،" مشيراً إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن عقب هجمات الحوثيين، فضلاً عن أن خطوط شحن الحاويات التي تقدم خدمات أسبوعية بين آسيا وأوروبا سوف تتحمل تكلفة ثلاث سفن إضافية من أجل ضمان قدرتها على تلبية نفس المستوى من الخدمات.
بدوره، يعتقد لارس جنسن، المتخصص فى الحاويات لدى شركة "فسبوتشى ماريتايم" فى كوبنهاغن، أن التأخير في عمليات الشحن سوف يؤثر بشكل غير مباشر على موانئ الحاويات في جميع أنحاء أوروبا.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لنفترض أن هناك ميناءً يستقبل 50 ألف حاوية أسبوعياً ولم يصل هذا العدد لمدة أسبوع، بالتأكيد سيشهد الأسبوع التالي استقبال مائة ألف حاوية، ما سينتج عنه أزمة ازدحام".
وأعادت الأزمة الحالية إلى الأذهان واقعة جنوح السفينة "إيفر غيفن" في قناة السويس في مارس/آذار عام 2021 مما أدى إلى إغلاق الممر المائي لمدة ستة أيام مما تسبب في تعثر حركة الملاحة البحرية الدولية في وقت كان العالم يترقب الانتعاش عقب جائحة كورونا وأزمة سلاسل الإمداد.
وخلال أزمة السفينة "إيفر غيفن"، بقت مئات السفن في البحر الأحمر لأسابيع فيما ارتفعت تكلفة شحن الحاوية من 2000 دولار إلى 14000 دولار. وتسببت الأزمة في تأخر وصول السلع المستوردة من آسيا لأشهر.
سلاسل التوريد أكثر قوة
ورغم أن سلاسل التوريد قد عادت إلى طبيعتها، إلا أن التهديد الأمني في البحر الأحمر قد يؤدي إلى مضاعفة الأسعار خلال الأسابيع القليلة المقبلة خاصة بعد ارتفاع أسعار عمليات الشحن العالمية بعد قرار هيئة قناة بنما تقييد حركة الملاحة لمدة عام كامل سبب الجفاف الذي أدى لانخفاض مستوى المياه اللازمة لتشغيل الممر الحيوي للتجارة البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
لكن يبدو أنه من رحم المعاناة يولد الأمل؛ إذ تعلمت شركات الشحن الدرس جيداً مع توالي الأزمات منذ تعطل سلاسل الإمداد إبان جائحة كورونا. وعلى إثر ذلك، قامت العديد من الشركات بتوسيع أسطولها من سفن الشحن، مما يعني أن قرار تغيير مسارها بعيداً عن البحر الأحمر لن يكون كارثياً.
وفي ذلك، قال لارس جنسن "إنه في الوقت الحالي، لدينا عدد زائد عن الحاجة من سفن الحاويات حتى في أسوأ السيناريوهات والمتمثل في الاستمرار في عبور طريق رأس الرجاء الصالح لبعض الوقت".
يشار إلى أنه في الأيام القليلة الأولى من الأزمة الحالية، أبقت شركات الشحن سفنها في وضع الانتظار على أمل أن يتم وقف وتيرة هجمات الحوثيين أو تعزيز التدابير الأمنية لحماية التجارة في البحر الأحمر.
وأضاف لارس جنسن "شهد الأسبوع الجاري إعادة توجيه مسار المزيد من السفن صوب رأس الرجاء الصالح، وهو ما يشير على ما يبدو إلى أن شركات النقل بدأت تفقد الثقة في إمكانية حل هذه الأزمة قريباً".
تشكيل تحالف دولي
وقبل يومين، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تحت مسمى "المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات" يضم عشرة بلدان هي بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن "البلدان التي تسعى إلى ترسيخ المبدأ الأساسي لحرية الملاحة عليها أن تتكاتف لمواجهة التحدي الذي تشكله هذه الجهة"، مضيفاً أن التحالف الأمني سيعمل "بهدف ضمان حرية الملاحة لكل البلدان، ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين".
وقد شرعت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية المتركزة في المنطقة في إسقاط صواريخ وطائرات مسيرة تابعة للحوثيين خلال الأيام الأخيرة، لكن من غير الواضح إذا كان تشكيل التحالف سيكون كافياً لوقف هجمات الحوثي بشكل كامل.
ورغم المخاطر الأمنية، تواصل بعض السفن الإبحار في البحر الأحمر، خاصة تلك التي تحمل عناصر مسلحة لحمايتها.
وفي تعليقها، قالت شركة أبحاث سلسلة التوريد "بروجيكت44" في مذكرة صدرت، الثلاثاء 19 ديسمبر / كانون الأول، إن عملية التأخير التي طرأت على عمليات الشحن لن تؤثر على موسم التسوق خلال أعياد الميلاد، لكنها قالت إنه من المحتمل أن ينخفض مخزون المتاجر بحلول فبراير / شباط المقبل في حالة استمرار الأزمة.
وحذر محللون من أنه رغم أن شركات شحن الحاويات قد يتضرر بشكل أكبر بشكل عام، إلا أن التأخير الذي قد يطرأ على السفن التي تحمل مصادر الوقود الأحفوري والمتجهة إلى أوروبا، سيكون هو الملموس قبل غيره.
وقال بيتر ساند، كبير المحللين في شركة "زينيتا" المتخصصة في تحليلات السوق ومقرها كوبنهاغن: "نرصد تأثر قطاع شحن الطاقة في الوقت الحالي سواء أكان لنقل النفط أو الفحم أو الغاز بسبب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي ..هذا يمكن أن يخلق تأثيراً غير مباشر على أسعار الطاقة".