يعد التمر الهندي مشروباً غنياً عن التعريف، وظل هذا المشروب الشهير متداولاً بكثرة في شهر الصيام، كونه يأتي ضمن المشروبات الرمضانية الموسمية، التي تتميز بالقدرة على إطفاء عطش الصائم سريعاً.
ينشط الكتاب في الحديث عن التمر الهندي خلال أيام شهر رمضان تحديداً، من دون ذكره في بقية أشهر العام، فيما لا يتوقف كثير من الصائمين عند سبب تسمية ثمرته بهذا الاسم الغريب، الذي ظل سراً طي الكتمان لعقود طويلة وربما قرون من الزمن، ويمكن القول إن حقيقة التسمية تضيع سنوياً في زحام حاجة الصائم إلى معرفة فوائد أو أضرار تناول التمر الهندي.
أصول أفريقية
يعد الحديث عن فوائد المشروب وتفاصيل أسراره الطبية والغذائية، الجزء الأكثر وضوحاً من حكاية المشروب، فيما تكمن التفاصيل غير المعلومة حوله في التسمية ذاتها، وعلى رغم أن أصوله أفريقية واضحة، فإنه أخذ شهرته من شبه الجزيرة الهندية.
كذلك نسب التمر هندي إلى شجرة نخيل التمر العربي، مع أن شجرته من البقوليات وليست من جنس التمور وشجرة النخيل.
السبب في أنه ينسب حتى يومنا هذا إلى الهند مع أن موطنه الأصلي هو جزيرة "مدغشقر" القديمة، كون "مدغشقر" كانت جزءاً من شبه الجزيرة الهندية.
لماذا التمر؟
على رغم الاختلاف الكبير بين ثمرتي التمر الهندي والعربي من حيث الشكل والمضمون استفادت حكاية التمر الهندي كثيراً من تسمية الثمرة بهذا الاسم العربي.
وهناك تشابه كبير بين قدرة الثمرتين - التمرة العربية والهندية - على جمع الرطوبة من الهواء والاحتفاظ بها حتى لحظة تحويلها إلى أطعمة ومشروبات.
فتمرة النخيل العربي هي أساس انتشار وسطوة أسطورة مشروب التمر الهندي تاريخياً، إذ انتقلت محاسن الثمرة الأفريقية إلى الثقافة المحلية العربية والإسلامية قادمة من جزيرة "مدغشقر" عبر رحلات بعض التجار المسلمين. ويشار هنا إلى أن معرفة التجار المسلمين بجزيرة مدغشقر بدأت في العصور الوسطى المبكرة نحو عام 800م.
ثقافة جديدة
هكذا دخلت ثمرة التمر الهندي إلى رحاب الثقافة العربية إبان الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، ليؤخذ منها لاحقاً المشروب الرمضاني الشهير مشروب التمر الهندي، الذي تحول في وقتنا هذا إلى واحد من أكثر المشروبات شعبية في العالم الإسلامي حديثاً، إذ يتم تناوله في مصر والشام والجزيرة العربية وفي أماكن مختلفة من أنحاء العالم.
تقول الموسوعة العلمية الأوروبية إن كتابة تاريخ التمر الهندي في "مدغشقر" بدأت في القرن السابع بعد الميلاد، عندما أنشأ المسلمون مراكز تجارية على طول الساحل الشمالي الغربي، وخلال العصور الوسطى، بدأ ملوك الجزيرة في توسيع نطاق سلطتهم من خلال التجارة مع جيرانهم على المحيط الهندي، لا سيما التجار العرب والفرس والصوماليين الذين وصلوا مدغشقر بشرق أفريقيا والشرق الأوسط والهند.
الطب والمطبخ
في البدء استخدم التمر الهندي في إطار الطب والتداوي بالأعشاب، ومن ثم انتقل إلى المطبخ العربي، من خلال إضافته إلى كثير من المأكولات والحلويات.
وهكذا تحولت الثمرة الوافدة لتصبح مستخدمة في أغراض شتى، إضافة إلى صناعة ذلك المشروب الأحمر المغذي، المعروف بكثرة الفيتامينات والمعادن التي يحتويها، وبمذاقه المنعش واللذيذ.
من ناحية طبية يؤكد الطب القديم ممثلاً بالطب الفرعوني والعربي الإسلامي والفارسي والأوروبي، فائدة التمر الهندي في شفاء كثير من الأمراض وأهمها أمراض المعدة، وعندما صار مرتبطاً بالصيام، فقد عرف بقدرته على ترطيب الجسم، مع تناوله في الفترة ما بعد الإفطار إلى السحور، بخاصة عندما يأتي رمضان في الصيف الحارق.
تؤكد مراجع تاريخية أن الفراعنة كان لهم الفضل الأول في إدخال زراعة التمر الهندي خلال العصور الوسطى إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط، وقد عثر علماء الآثار على بعض أجزاء من التمر الهندي في مقابر الفراعنة، وجاء ذكر الثمرة في وصفة فرعونية في بردية "ايبرز" الطبية ضمن وصفة علاجية لطرد وقتل الديدان في البطن.
في الطب العربي قال أبو بكر الرازي عن التمر الهندي بأن عصارته "تقطع العطش لأنها باردة طرية". وقال ابن سينا "التمر الهندي ينفع مع القيء والعطش في الحميات ويقبض المعدة المسترخية من كثرة القيء. ويسهل الصفراء، والشراب من طبيخه ينفع الحميات". وقال ابن البيطار "التمر الهندي أجوده الطري الذي يذبل وهو يكسر وهيج الدم، مسهل وينفع من القيء والعطش".
فيما عرفت أوروبا التمر الهندي بعد العرب ومن خلال التجارة بين الحضارة الإسلامية والعالم الغربي، كان الفرس والفراعنة - بفارق الزمن - يستخدمون الثمرة الحمراء بطريقة متشابهة وتحديداً في علاج أمراض المعدة وقتل جراثيم البطن.
خواص الشجرة
تتميز شجرة التمر الهندي بكونها متحركة ضمن نطاق جغرافي شاسع، وقد تحركت ضمن خريطة الكرة الأرضية بفعل عوامل طبيعية، وانتقلت من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها، ثم نحو مناطق شبه الجزيرة العربية.
يصل طول شجرة التمر الهندي إلى ما يفوق ثلاثة أمتار أحياناً، فيما أوراقها صنوبرية كما وصفها بعض الأطباء والرحالة في العصور القديمة ومنهم داوود الأنطاكي، الذي نفى من جهة أخرى الخلط لدى الناس في الشام قديماً بين ثمارها وثمار الخروب.
ويجب الإشارة إلى أن قطوف الثمرة لا تشبه التمر العربي بقدر ما تشبه قطوف الفول السوداني كثيراً، ولدى العرب أسماء عديدة للثمرة، من أشهرها الثمرة الحمراء، وتسمى الحمر نسبة إلى ثمارها الناضجة الحمراء اللون، التي تكون طازجة قبل أن تتحول إلى اللون البني بعد القطف.