يشعر كبار رجال الأعمال والاقتصاديين بالقلق إزاء مشكلة الديون المتنامية في أمريكا، وفي تصريحات حديثة، أعرب الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان"، جيمي ديمون، عن مخاوفه من أن الأزمة تلوح في الأفق وأن الإنفاق بالاستدانة غير الخاضع للرقابة يمكن أن ينفجر.
يقول ديون، "يمكن لأي دولة أن تقترض المال وتدفع بعض النمو، لكن ذلك قد لا يؤدي دائماً إلى نمو جيد... أعتقد أن أمريكا يجب أن تدرك تماماً أنه يتعين علينا التركيز على قضايا العجز المالي لدينا أكثر قليلاً، وهذا مهم للعالم"، مشيراً إلى أن العجز هو "السبب وراء ارتفاع معدل التضخم"، ويأمل في أن "تركز الحكومة الأمريكية حقاً" على خفض العجز.
وأضاف "في مرحلة ما سيسبب مشكلة، فلماذا تنتظر؟" مشيراً إلى أن هذه المشكلة "سيكون سببها السوق، وبعد ذلك ستضطر إلى التعامل معها وربما بطريقة غير مريحة أكثر بكثير مما لو كنت قد تعاملت معها في البداية".
ويرى مؤسس صندوق التحوط "بريدجووتر"، راي داليو، أنه يجب على المستثمرين "القلق من الديون الأمريكية"، في حين أكد الاقتصادي والعميد السابق لكلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا، جلين هوبارد، أن "مدفوعات الفائدة على الدين الوطني، التي كانت في الأساس صفراً قبل عامين، أصبحت الآن بحجم الإنفاق الدفاعي".
وقال هوبارد، إن الرئيس القادم سيتعين عليه التعامل مع هذه القضية، مضيفاً "قد لا يقوم بحملة على هذا الأساس، ولكن أياً كان، فسيتعين عليه أن يفعل شيئاً حيال ذلك".
العجز يقفز 855 مليار دولار في 6 أشهر
وتشير الصورة الكبيرة إلى أنه بين التخفيضات الضريبية في عهد دونالد ترمب وبرامج التحفيز في عصر "كوفيد"، انفجر الدين الوطني في السنوات الأخيرة، واستمر الإنفاق من خلال قانون خفض التضخم الذي أقره الرئيس جو بايدن في زيادة الديون.
وتنفق حكومة الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تجلبه، وعانت عجزاً في الموازنة ستة من الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة المالية، وحتى الآن تراكم العجز إلى نحو 855 مليار دولار، أي أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ويضيف هذا إلى عبء الديون التراكمية التي تتحملها الولايات المتحدة والتي تبلغ 34.6 تريليون دولار.
لا تكمن المشكلة في الديون والعجز الضخمين فحسب، بل تكمن في أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً يعادل نحو سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بينما يكون الاقتصاد عند مستوى التوظيف الكامل ويؤدي بكامل إمكاناته، بحسب ما ذكره رئيس الأبحاث العالمية واستراتيجية الاستثمار في شركة "كارلايل" جيسون توماس.
يضيف توماس "ما يعنيه ذلك ضمنياً هو أنه إذا تعرضت الولايات المتحدة للركود، مما يتطلب من الحكومة زيادة الإنفاق على برامج التحفيز حتى مع انخفاض عائدات الضرائب، فمن المرجح أن تنظر إلى عجز قد يصل إلى تسعة أو 10% من الناتج المحلي الإجمالي".
وخلال الشهر الماضي، قال صندوق النقد الدولي، إن المستوى المرتفع والمتزايد لديون الحكومة الأمريكية يهدد برفع كلفة الاقتراض في جميع أنحاء العالم وتقويض الاستقرار المالي العالمي.
وجاء هذا التحذير في أعقاب رسالة أكثر وضوحاً من رئيس مكتب الموازنة في الكونغرس، قالت إن الولايات المتحدة تخاطر بالدخول في أزمة سوق السندات من ذلك النوع الذي اجتاحت المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تدفع الفائدة على هذا الدين المتنامي، وتنفق الحكومة حالياً 2.4 مليار دولار على مدفوعات الفائدة يومياً، وفقاً لمؤسسة "بيترسون"، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه المدفوعات خلال العقد المقبل مع استحقاق سندات الخزانة الصادرة خلال فترة أسعار الفائدة القريبة من الصفر، واستبدالها بسندات ذات عوائد أعلى.
ويقول 82% من الناخبين، إنهم يريدون من الرئيس والكونغرس قضاء مزيد من الوقت في معالجة الديون، و80% منهم يعتقدون أن مستوى قلقهم زاد خلال السنوات القليلة الماضية، لكن المسؤولين الحكوميين يريدون تجنب الحديث عن زيادة الضرائب أو تخفيضها.
السوق تترقب إنهاء التشديد النقدي
وفي مذكرة بحثية حديثة، رجح بنك "باركليز" أن يتوقف "الاحتياط الفيدرالي" عن تقليص موازنته العمومية عند نحو 6.8 تريليون دولار قبل نهاية العام، التي يبلغ حجمها الحالي نحو 7.3 تريليون دولار.
وقال محلل استراتيجي لأسعار الفائدة الأمريكية لدى البنك جوزيف أباتي، "نتطلع إلى أن ينهي بنك الاحتياط الفيدرالي فترة التشديد الكمي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أو عملية خفض الموازنة العمومية للبنك المركزي الأمريكي".
وأشار إلى أن حذر "الفيدرالي" وعدم اليقين في شأن طلب البنوك على الاحتياطات يشجعان على إنهاء فترة التشديد مع وجود احتياطات وفيرة، لافتاً إلى المخاوف من تكرار اضطراب الاحتياطات عام 2019، الذي أدى إلى ارتفاع كلفة الإقراض قصير الأجل.
نمت الموازنة العمومية لبنك الاحتياط الفيدرالي إلى حجم قياسي بلغ نحو تسعة تريليونات دولار خلال أزمة "كوفيد- 19"، في ظل خططه لدعم الأسواق المالية بالسيولة، مما أثار انتقادات مع تشكل فقاعات الأصول وارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود.
في الوقت نفسه، يمكن أن تواجه جهود "الاحتياط الفيدرالي" لتهدئة التضخم في الولايات المتحدة عقبة جديدة قد تعرقل مسيرته موقتاً، وذلك بسبب الصعوبات المستمرة التي تواجهها الشركات في الحصول على الإمدادات.
وعلى رغم أن نقص الإمدادات تراجع بصورة كبيرة في السنوات القليلة الماضية، فإنه لم يختف بالكامل، وفي الآونة الأخيرة، أدت الاضطرابات في قناتي السويس وبنما إلى تفاقم المشكلة.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في إحدى شركات الإدارة لمعهد إدارة التوريدات في أبريل/ نيسان الماضي، إن نقص الشحنات أدى إلى زيادة الكلفة وتباطؤ سلسلة التوريد.
ولعب النقص الكبير في الإمدادات العالمية دوراً رئيساً حينما ارتفع التضخم في الولايات المتحدة في عام 2022 إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً عند 9.1%، ولم تتمكن الشركات آنذاك من الحصول على الإمدادات الكافية للإنتاج، مما دفعها إلى رفع الأسعار.
وفق البيانات المتاحة، عانت نحو من 80 إلى 90% من الشركات من نقص حاد قبل بضعة أعوام مقارنة بأقل من النصف الآن، ومع ذلك، وجد بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك بعض العلامات المثيرة للقلق.
وقالت نحو ثلث شركات الخدمات ونصف الشركات المصنعة التي شملها استطلاع للبنك في الولاية، إنها واجهت "في الأقل بعض الصعوبة في الحصول على الإمدادات التي يحتاجون إليها خلال الشهر الماضي".
وتشير هذه المؤشرات إلى أن توافر الإمدادات كان يتحسن بصورة عامة منذ أوائل عام 2023، ولكن على مدى الشهرين الماضيين، توقف التحسن، وهذا الاتجاه مثير للقلق.
وقال البنك إن القيود الأخيرة على العرض دفعت بعض الشركات إلى رفع الأسعار أو خفض الإنتاج، ولكن ليس بالقدر الذي حدث قبل بضعة أعوام عندما كانت الاختناقات أسوأ بكثير.