تعاني النساء في اليمن كثيرا من الصعوبات، وتتعرّض نسبة كبيرة منهنّ لأنواع متعددة من العنف، كالعنف الجسدي والنفسي واللفظي، سواء كان من أفراد الأسرة أم من المجتمع.
وتتزايد حالة العنف في ظل استمرار الحرب الدائرة في البلاد منذ 2014، كل ذلك أدى إلى زيادة الضغوط المعيشية التي تولد انعدام التفاهم وسماع كل طرف للآخر، وخروج الخلافات إلى خارج الأسر الصغيرة.
تعنيف معتاد
"نجوى حسين" أم لثلاث بنات، تروي لـ "يمن فريدم"، مأساتها عن العنف المنزلي : "لم أكن أتوقع أن يتحول زوجي الوديع الهادئ إلى ذئب مفترس هائج لا يعرف قلبه للرحمة طريقا، لقد جمعتني به علاقة حب ومودة دامت أعواما طويلة، تكللت بعدها بالزواج، ولكن للأسف بدأت سلوكيات زوجي تتغير منذ السنة الثانية من زواجي، وحملي الأول، بدأ يتحجج بالغياب الدائم، وأصبح سريع الغضب لأتفه الأسباب، فلا يمر يوم إلا والإهانات والشتائم تلاحقني".
وأضافت: "ولأن مجتمعنا يرفض أن تعود المرأة إلى بيت أهلها مطلقة، ونظرة المجتمع لها، فقد حاولت أن ألوذ إلى الصبر من أجل بناتي، ولكن للأسف أصبح زوجي يتمادى ويستخدم يده بالضرب، بل ويتحجج بأبسط مشكلة ليستخدم وسيلة الضرب المبرح، حاولت معه مرارا، ولكن لم أستطع، الغريب في الأمر أن زوجي يستمتع بضربي عند بكائي أو عند تحكيم الأهل والجيران، أصبحت حياتي ، بين أما الموت بيد هذا الزوج وأما الهروب إلى الشارع هو الملاذ الآمن".
أن تنجو المرأة اليمنية من عنف المجتمع لم يرحمها العنف الأسري، المتسلط على المرأة وكيانها ونوعها الاجتماعي وسط مجتمع ذكوري.
أم بيان (35 عاماً) هي الأخرى تتعرض للعنف من قبل زوجها ولم يراعي اعاقتها نتيجة مرض الغرغرينا الذي أدى لا بتر قدمها، ولم يقدر حالتها الصحية نتيجة إصابتها بالسرطان.
بصوت منكسر تقول "نعيش في سجن الحياة الزوجية مع التعذيب الجسدي والتانيب النفسي".
كلما باعت شيئًا من مجوهراتها أو أرضها للعلاج أخذها مصاريفه اليومية من قات وسجائر ومشروبات. ورغم ذاك تتلقى الضرب والشتم من زوجها بشكل شبة يومي.
وأضافت أن طفلتها بيان البالغة من العمر (4) أعوام لم تنجوا من العنف وأنها تتعرض للضرب المبرح بشكل يومي واحيانا عندما تذهب أمها للعلاج يتركها أمام منزل جيرانه ويمضي في طريقه ولا يبالي.
وقالت إنها باعت قطعة أرض لعلاج طفلتها من الإعاقة الخليقة نتيجة كيماوي السرطان وزراعتها الحوض لها، إلا أنه أخذ كل المال ورفض علاجها.
من إصلاحية السجن إلى سجن المجتمع
عادة ما يتم الإفراج عن السجينات بعد قضى المدة الزمنية المحددة أو العفو عن السجينات لكن الأسرة ترفض ابنتهم والمجتمع يعزلها عنه
الشابة "رجاء سالم" (اسم مستعار) قضت عاماً كاملًا في إصلاحية السجن المركزي بتعز، تقول رجاء: " صدر قرار أطلق سراحها في أبريل الماضي 2024 بعد تسديد ما عليها من مديونية، لكن أسرتها رفضت استلامها، لتخرج وحيدة إلى سجن آخر".
تمنت رجاء أن تستمر حياتها في إصلاحية السجن بعد أن تخلت عنها أسرتها ونبذها المجتمع المحيط، لكنها بلا ذنب تعش في سجن المجتمع الكبير.
وتتعرض المرأة في اليمن لتعنيف من الأسرة والمجتمع وصولاً إلى سلطة النظام .
وعن المعنفات في السجون يطول الحديث، لكن يكفي الإشارة لما يحدث للسجينة في سجون الحوثيين " انتصار الحمادي" التي بحت الأصوات للحديث عنها، ولم تنجو أسرتها من نظرة المجتمع، فهي للأسف نظرة ظلت وصم وعار تلاحق الأسرة، وكل من تعتقل في الغالب وبغض النظر عن طبيعة التهم يتم نبذها اجتماعيا والتبرؤ منها.
العنف الجنسي
لم تعد قضية زواج القاصرات تشغل بال المجتمع اليمني في ظل ارتفاع عدد ضحايا التحرش الجنسي وتعرض الفتيات للاغتصاب.
الشابة سوسن علي (اسم مستعار) شابة تبلغ من العمر (19) عاماً أجبرت على الزواج من رجل في عقده الرابع بعد أن أقدم على اغتصابها في مديرة الحزم محافظة إب.
تقول الشابة إنها ضحية أعراف المجتمع، وغياب العدالة التى حكمت عليها أن تعيش بقية حياتها مع مجرم انتهك عرضها.
وانهت حديثها بالقول "العدالة والأعراف والتقاليد الاجتماعية أحكام عدام للحياة والإنسانية".
في هذا السياق قال المحامي خالد الكمال، إن أكثر مسائل التعنيف هو تعنيف أسري، وإن القوانين لم تذكر مسألة التعنيف ضد المرأة.
وعلى ذات المثال (قانون الاحوال الشخصية، فدية المرأة نصف دية الرجل، والقول للطلاق هو قول الرجل).
في القانون اليمني لا يوجد قانون يحمي النساء من العنف في اليمن، ويلخص أن قانون العقوبات يجرم العنف الجسدي، لكنه لا يتطرق للعنف الأسري والاجتماعي والثقافي وغيرها.
وأضاف الكمال: " إن حرمان المرأة من التعليم في كثير من المناطق في اليمن يعد من أبرز الانتهاكات ضد المرأة، بالإضافة إلى حرمان المرأة من مقاعد في مجلس النواب والشورى والعمل السياسي".
وأشار إلى أن النساء في مناطق سيطرة الحوثي الأكثر تعرضا للعنف داخل السجون التابعة للجماعة، أو في المجتمع الخاضع لسيطرة الحوثي، وأبرز تلك النساء عارضة الأزياء انتصار الحمادي التي تتعرض لأبشع أنواع التعذيب داخل سجون الحوثي.
وأفاد أن أحد السجينات في محافظة صنعاء تم الإفراج عنها ورفضت أسرتها استقباله فاضطرت للسكن في دار الرعاية بمحافظة إب، وعندما أرادت الزواج تم رفع دعوة للمحكمة بتزويجها تزويج "عضل" وما تزال الدعوة منظورة أمام محكمة الأمانة.
وأكد أنه لا يوجد احصائيات رسمية عن نسبة التعنيف ضد المرأة إلا أنه ممكن أن يتجاوز تعنيف النساء في اليمن 50%.
آثار التعنيف النفسية والاجتماعية وأسبابه
تختلف أسباب تعنيف المرأة اليمنية وتتشابه الآثار النفسية والاجتماعية وتبعيتها.
وتعليقا على ذلك يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، ياسر الصلوي، إن من أبرز أسباب العنف ضد المرأة اليمنية انعدام القانون: في ظل الحرب والنزاعات، تضعف سلطة القانون ويصعب معاقبة مرتكبي العنف، بالإضافة إلى التقاليد والمعتقدات الثقافية: بعض التقاليد تعزز مفهوم تبعية المرأة للرجل وتبرر العنف ضدها.
وأشار الصلوي إلى الوضع الاقتصادي وارتفاع حدة الفقر ساهم في توسع دائرة العنف ضد المرأة، مؤكدا أن للتعنيف المرأة آثار اجتماعية ونفسية على الأسرة والمجتمع ككل وقد تتحول المرأة المعنّفة إلى مصدر للعنف والاضطهاد. وقد تكون هناك آثار صحية يمكن أن تنتج نتيجة التعنيف مثل الإعاقة، الاكتئاب النفسي وغيرها، بحسب قوله.
وأضاف "أن التعنيف المرأة يؤثر بشكل مباشر على تربية الأبناء بطريقة غير سوية".
وأكد على ضرورة ترشيد سلوكية الأفراد داخل الأسرة الواحدة ووضع سياج حماية للنساء من العنف.