لم يستوعب طلاب المرحلة الإعدادية في صنعاء القرار المفاجئ من وزارة التربية والتعليم الخاضعة للحوثيين بمركزية الاختبارات النهائية لهم.
ذلك القرار يعد بمثابة ضربة جديدة للعملية التعليمية التي تعرضت لما يشبه التنكيل على يد الحوثيين منذ أن سيطروا على الدولة، وعلى رأسها مؤسسات التعليم.
كانت هذه الفكرة صادمة كما يصفها نور الدين حمزة، طالب في الصف السابع والذي قال في حديثه لـ " يمن فريدم": القرار مفاجئ جدا وصادم لنا جميعا لدرجة أننا في بادئ الأمر ظنناها مزحة، وبعد أن يأسنا من فكرة إلغائها بدأنا نبحث عن الكتب التي لا نجدها بسهولة حتى في السوق السوداء فالمدارس الخاصة استولت عليهن".
الاستعداد
كما أن المفاجئة لم تتح لنور الدين وزملاءه بالاستعداد التام لخوض تجربة الاختبارات المركزية لعدة أسباب أولها عدم توفر الكتاب المدرسي، وبحسب نور الدين فالطلاب متخوفون من الدرجات كون النتائج في الاختبارات المركزية لا تنصف الطلاب، فالقلق يتربصهم من الأخطاء غير المقصودة، إما في التصحيح أو في نقل الدرجات، والتخوف الأخر في أسئلة الاختبارات على أي هيئة ستكون، فيما يتساءل نور الدين يجب أن ننهي المنهج هل سنستطيع دراسة المقررات؟ هل كل المعلمون سيهتمون بذلك؟ كوننا نجدهم أكثر اهتماما بتدريس صفي تاسع وثالث ثانوي.
واقتصار مركزية الاختبارات على صنعاء من الصف السادس وحتى التاسع ما هو إلا انعكاسا لسياسة الحوثيين التي يتبعوها في قطاع التعليم تحديدا، إذ أنهم عملوا على سلسلة تغيرات في مناهج التعليم الدراسي بشكل متدرج بدء بالصفوف الأولى وصولا إلى المرحلة النهائية من التعليم الأساسي.
تغيير المناهج
منذ سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة بدأ المناهج تأخذ بُعدا وصبغة مذهبية بهدف كسب التأييد وخلال سنوات الحرب الثمان توالت التغيرات عام بعد أخر تضمنت في كيفية تفسير الآيات القرآنية، إلاّ أن هذه التغييرات تغيّر تمامًا فهم المرء للنص.
كل التغييرات التي طرأت على المناهج كان بمحملها تمجد الجهاد وهوية الجماعة الحوثية والتفوق العرقي انتسابا للهامشين كما يروج الحوثيين في نهجهم، إلى جانب تعمدهم في قلب الحقائق التاريخية لليمن منذ القدم وتطويعها لصالح رموز تتبعها الجماعة منذ قرن من الزمن تقريبا.
بدأت التغييرات في مدينة صعدة، معقل الحركة الحوثية، حيث أدمجت الجماعة أدبياتها عبر توزيع مؤلفات لمؤسس الجماعة، حسين الحوثي مع المنهج الدراسي الرئيسي في العام 2010، وفُرض شعارها في جميع مدارس المحافظة بدلا للنشيد الوطني.
انكار الجماعة
حاولت الجماعة انكار التغييرات التي شهدتها المناهج الدراسية، رغم وضوحها، وما تزال مستمرة في ذلك، حيث نفى مستشار وزارة التربية للشؤون الإعلامية في صنعاء قاسم صالح، لوسائل إعلام محلية وجود تغييرات جذرية في المناهج التعليمية، موضحا أن عملية التطوير كانت في الجانب الفني، وزعم وجود لجنة مشكلة من جميع الأطراف مخول لها مراجعة المناهج المدرسية، وهذه اللجنة أعضاءها من (الإصلاح والمؤتمر والحوثيين)، مدعيا أن هناك اجماع من كل الأطراف على ضرورة تطوير المناهج وليس تغييرها، على حد قوله.
وأجزم بالقول إن المناهج التي تُدرس تخضع" للهوية الوطنية والقومية" وتخدم الوطن في المقام الأول ولا تخدم حزب أو جماعة بعينها، إلا أن ما قاله يتعارض مع تقارير رصدت التغييرات التي جرت في المناهج وكان التقرير الأبرز لـ "منصة صدق اليمنية" التي اعدت تقريرا وضح حجم التلاعب بالمنهج وشرحت كيفية توظيف هذه التغييرات.
الحقوقي رياض الدبعي، سبق له الحديث عما تتعرض له المناهج الدراسية في مناطق تحت سيطرة الحوثيين، وحذر من مخاطر ما يقومون به من تغيير وزرع مفاهيم ومصطلحات تخدم مشروع الجماعة، وعلق على الموضوع بالقول إن هناك صراعا بين المعلمين والحوثيين بالمدارس في مناطق التي تسيطر عليها الجماعة التي تسعى كما يقول رياض لـ " فرض مفرداتهم الطائفية في المنهج المدرسي ويعلمون أن أغلبية المعلمين لا يتجاوبون مع هذه التوجهات التي يعتزم الحوثي فرضها بالقوة وغسل أدمغة الطلاب بها".
وأشار إلى أن الحوثيين لجأوا إلى حيل أخرى من بينها "مسألة الاختبارات المركزية لطلاب بعض الصفوف من سادس إلى ثامن، والغرض هو التحقق من أن المفردات الحوثية أو المفاهيم والمصطلحات الطائفية التي تم اقحامها في المنهج يجري تدريسها ويجري التعاطي معها من قبل التلاميذ".
واستنتج الحقوقي الدبعي من الحيلة التي لجأ إليها الحوثيين هو أنهم يتأكدون من "أن الطلاب بالفعل يتم غسل ادمغتهم بالمفاهيم والمصطلحات التي يروج لها الحوثي مثل مسألة الولاية والأحقية بالحكم وما إلى ذلك نم مفردات صار المنهج مشبع بها".
موقف الحكومة اليمنية
كان لوزارة التربية والتعليم في الحكومة، المعترف بها، موقفا وتحركات على أكثر من مجال لرصد التغييرات التي طرأت على المناهج، وتحدثنا مع مدير عام المناهج في وزارة التربية والتعليم مختار المشوشي الذي وصف التغييرات بالخطيرة، وقال: " ما تقوم به الجماعة الحوثية من تغييرات وتحريفات في المناهج الدراسية عمل خطير كونه يستهدف الأطفال وحرف عقائدهم وإفساد أفكارهم وتربيتهم التربية الغير سوية القائمة على العنف والطائفية والمذهبية والسلالية".
ورأى المشوسي أن تلك التغييرات في المناهج دائما تصب في تطوير المناهج، إلا أن الحوثيين ينظرون لها على انه يمكن من خلالها نشر الأفكار الطائفية والمذهبية، دون الاهتمام بالمواد العلمية، وأضاف: "الجماعة الحوثية ركزت في تدخلاتهم على المواد التي ذات الطابع الهوية التي تحمل العقائد والجوانب الثقافية، ولهذا هم حاولوا أن يتدخلوا في هذه المناهج ليس من اليوم بل من العام 2017 وحصلت في ادخال بعض الفقرات أو الجمل وتغيير بعض الكلمات وإضافة بعض الكلمات وحذف بعض الكلمات".
كشفت الإجراءات الحكومية قضت بوقف الكتب واعداد تقارير تفضح طبيعة هذه التدخلات ودلالاتها، وأوضح المشوسي: " الوزارة أوقفت هذه الكتب ومنعت من ايصالها إلى المحافظات، وتم ايقافها في مخازن المحافظات ومنع تداولها، ورفعنا للحكومة ومختلف الجهات والمنظمات لكشف طبيعة هذه التدخلات".
وأكد على استمرار التغييرات على المناهج في مناطق الحوثيين، وذكر " لم يقفوا عند هذا الحد من التدخلات، الآن استمروا في كل عام، تغييراتهم ويستهدفوا عناوين محددة في مختلف الصفوف الدراسية، لكنهم ظلوا منحصرين في المواد (اللغة العربية، التربية الإسلامية).
أما مخاطر التغييرات التي طرأت على المناهج اعتبر مدير عام المناهج ان تلك المخاطر تأثر على جيل بأكمله، مرجعا السبب إلى المحافظات التي يسيطر عليها وهي ذات كثافة سكانية عالية وفيها عدد كبير من الأطفال التي تتعرض عقائدهم وأفكار لتلك المخاطر كما يقول.
ويصف تمارسه جماعة الحوثي بالإرهاب الفكري الذي لا يقل أهمية عن الإرهاب والاجرام، على حد تعبير المسؤول الحكومي.
الكتاب المدرسي في مناطق الشرعية
ويقول المسؤول في الحكومة، إن الكتاب المدرسي "يصل بأسلوبه المعتاد، بدءاً من مطابع الكتاب المدرسي المعتمد، ثم التسليم إلى مكاتب التربية في المحافظات ومنها إلى المديريات والمدراس".
ووفقا لتقارير أممية حول التعليم في اليمن، فإن 4 ملايين ونصف المليون طفل أصبحوا محرومين من مواصلة التعليم منذ عام 2017 نتيجة إضراب المعلمين المطالبين بدفع رواتبهم، كما دمرت الكثير من المدارس جزئيا أو كليا بفعل القصف منذ بداية الحرب في مارس/ أذار 2015.
وذكرت الأمم المتحدة، في وقت سابق، أن عدد الطلاب الذين لم يحضروا المدارس في عام 2015 بلغ مليوني و900 ألف طالب، في حين أن مليون و800 ألف طالب تسربوا من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة.
كما أن آلاف الطلاب مهددون بالتسرب من الدراسة في حال لم يحصلوا على المساعدة، مما يعني أن 78 % من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية وفقا لدراسة أجرتها اليونسكو في عام 2015.