لطالما كانت روسيا اللاعب الرئيسي في سوق الطاقة الأوروبية، حيث كانت تزود القارة بكميات كبيرة من احتياجاتها من الغاز والنفط.
ولكن أسواق الطاقة العالمية عموماً والأوربية على وجه الخصوص شهدت تحولات جذرية في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها الأزمة التي اندلعت على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من العام 2022، إذ وجدت أوروبا نفسها في تحد وجودي مع ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، بعد عقود من اعتمادها الكبير على الطاقة الروسية.
هذه الأزمة يبدو أنها وصلت إلى نهايتها، وفقاً لما أعلنه الرئيس التنفيذي لشركة شل وائل صوان، ما يطرح عديد من التساؤلات حول مدى نجاح أوروبا في كسر اعتمادها على الطاقة الروسية وهل عاد الاستقرار لأسواقها، وهل يمكن القول إن عصر الهيمنة الروسية على الطاقة الأوروبية قد ولى إلى الأبد؟
وأكد صوان في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية اطلعت عليها "سكاي نيوز عربية"أن أزمة الطاقة في أوروبا انتهت وعادت أسعار السوق وتقلباتها إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال صوان: "لقد شهدنا في جميع أنحاء مجمع الطاقة في الربع الثاني من العام الحالي ربما أكثر من أي من الأرباع السابقة في الآونة الأخيرة، أننا نعود إلى مستوى أسعار وهامش طبيعي قبل عام 2022"، مضيفاً أن أسعار الغاز والنفط الخام والكهرباء قد انخفضت جميعها وأصبحت أكثر استقراراً.
ومع ذلك، أوضح صوان، الذي وعد بتركيز شركة شل على أعمالها الأساسية عندما أصبح الرئيس التنفيذي في يناير 2023، إنه كان يُعد الشركة لرحلة متقلبة خلال التحول الطاقوي.
وعلى وقع الأزمة الأوكرانية كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن عن خطة لتقليص اعتماده على النفط الروسي بنسبة 90% حتى نهاية عام 2023، لحرمان موسكو من تمويل حربها على أوكرانيا، فيما لجأت روسيا لقطع إمدادات الغاز عن أوروبا باستثناء نسبة قليلة وخصوصاً أنه كان يشكل نحو 45% من مستورداتها (155 مليار متر مكعب في العام).
أوروبا لاتزال في قلب الأزمة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أشار عامر الشوبكي، مستشار الطاقة الدولي، إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يعتمد على الطاقة الروسية بشكل كبير قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وبنسب تقدر بنحو 45% من احتياجاته من الغاز وبنسبة 25% على النفط وبنسبة 50% على الفحم الروسي، لكن هذه النسب الآن انخفضت ولم تتلاشى.
وأوضح أن أوروبا لا تزال تعتمد على الطاقة الروسية على الرغم من عقوباتها على روسيا والتي بلغت 14 حزمة، فهي تستورد من روسيا 16% من احتياجاتها م الغاز كما أن دولاً مثل التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا تستورد النفط الروسي عبر أنبوب دروجبا الجنوبي، كما أن المفاعلات النووية في الاتحاد الأوروبي لا تزال تعتمد على الوقود النووي الروسي وأي انقطاع لهذه الكميات من روسيا سيشكل مشكلة كبيرة للاتحاد الأوروبي.
ومن هنا يؤكد الشوبكي أن أوروبا لم تخرج من أزمة الطاقة وهو بذلك لا يتفق مع الرئيس التنفيذي لشركة شل وائل صوان، كما دعم الشوبكي وجهة نظره بأن "أوروبا أيضاً لم تواجه في العامين الماضيين فصل شتاء قارص البرودة، لكنها في حال واجهت برداً شديداً في الشتاء المقبل فإن مخزوناتها ستنخفض سريعاً في منصف الشتاء ويتعرض قطاع الطاقة لأزمة جديدة، هذا إن لم نتحدث عن احتمال قطع روسيا لإمدادات الغاز إلى أوربا وخاصة المسال فستوجه القارة العجوز مشكلة كبيرة وهو يؤكد أن أوروبا لاتزال في قلب الأزمة.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار الغاز الذي يعتمد عليه توليد الكهرباء في أوروبا أو تسعر على أساسه الكهرباء إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة بالمقارنة مع معدل الخمسة أعوام في القارة الأوروبية والتي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب مستشار الطاقة الدولي الشوبكي الذي أشار إلى أن السعر الآن وصل إلى نحو 35 يورو للميغا واط ساعة بينما كان السعر قبل الحرب أقل من 20 يورو للميغا واط ساعة.
وأردف بقوله: "حتى الآن لا يوجد عقوبات حقيقية على الغاز الروسي وخاصة المسال (وهنا نميز بين الغاز الطبيعي والمسال) حيث يأتي الغاز المسال بكميات جيدة إلى أوروبا بينما الحزمة 14 من عقوبات الاتحاد الأوربي شملت فقط إعادة تصدير الغاز المسال الروسي إلى دولة ثالثة وهذا يمكن أن يخفف مستوردات أوروبا من الغاز الروسي بنسبة ضئيلة وهي النسبة التي كان يعاد تصديرها في السابق، إذ لا يزال الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد للغاز المسال الروسي.
تباين في تخلي دول الاتحاد عن الطاقة الروسية
كما أن دول الاتحاد الأوروبي تتباين في طريقة تخليها عن الطاقة الروسية فألمانيا مثلاً استبدلت الغاز بالفحم والذي بعد أكبر مصدر لإنتاج الكهرباء في ألمانيا الفحم وما يخالف تعهداتها في القمم المناخية بخفض انبعاثات الكربون ومحاربة التغيرات المناخية، بحسب تعبيره.
ورداً على سؤال حول ما يقصده صون بأن أزمة الطاقة في أوروبا انتهت أجاب الشوبكي: "ربما يقصد صون أن الأزمة انتهت بالنسبة للأسعار وانخفاضها إلى 35 يورو للميغا واط ساعة، وذلك بعد أن وصلت في ذروة الأزمة إلى أكثر من 160 يورو للميغا واط ساعة فهذا ربما الأمر الذي اعتمد عليه سوان لتقديره في انتهاء الأزمة ولكنه نسي أن أوروبا تستورد الغاز الروسي ولا يزال هناك دولا تعتمد على النفط والوقود النووي الورسي".
من جهته، قال ممدوح سلامة، خبير النفط العالمي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز": "تمكن الاتحاد الأوروبي إلى حد ما من تحقيق استقرار أسعار الطاقة مقابل ما كانت عليه في أعقاب أزمة الطاقة الأوروبية، وتمكن من تخفيف اعتماده المطلق على إمدادات الغاز الروسية، ولكن هذا الوضع سيتغير فور انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية".
ولكن لا يزال الاتحاد الأوروبي يستورد كميات لا بأس بها من الغاز الروسي تقدر بين 14 و16% من حاجته وذلك من خلال خط الأنابيب "ترك ستريم" عبر تركيا وخط الأنابيب الذي يمر عبر أوكرانيا، وفي بالمقابل دفع الاتحاد الأوروبي ثمناً باهظاً لإحلال الغاز السائل الأميركي محل الغاز الروسي الرخيص والوفير المرسل عبر الأنابيب والدليل على ذلك أن الاقتصاد الأوروبي منذ ذلك الوقت حالة في شبه انهيار إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نموه في عام 2024 بنسبة 0.5% وفقط وحتى هذا الرقم غير مؤكد ولا نعرف مدى تأكيده لغاية انتهاء العام، بحسب سلامة.
لا يمكن إزالة سيطرة روسيا على أسواق الطاقة
ويوضح خبير النفط العالمي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يستطيعا إزالة سيطرة روسيا على إمدادات الطاقة في العالم، وأضاف: "روسيا هي عملاق الطاقة في العالم وعلى الرغم من العقوبات الصارمة جداً فلم يتمكنا من كبح جماح سيطرة روسيا على أسواق الطاقة سواء الغاز والنفط أو الفحم أو الوقود النووي".
ونوه بأن روسيا لا تزال تصدر ما يزيد عن 8 مليون برميل من النفط ما بين مشتقات نفطية ونفط خام على الرغم من تأثرها بخفض أوبك + كما أن صادراتها من الغاز لا تزال مرتفعة وإن كانت أقل مما كانت تصدره إلى الاتحاد الأوروبي، إذ أنها تصدر الغاز السائل والغاز عبر الأنابيب إلى الصين وترسل الغاز كذلك إلى الهند والكثير من الدول الآسيوية.
ويشرح سلامة "أن أسعار النفط الآن منخفضة نسبياً على الرغم من صلابة أساسيات سوق النفط العالمي وقوة الطلب العالم على النفط مرجعاً ذلك إلى عدة عوامل رئيسية تضغط على خفض أسعار النفط وخصوصاً في سنة انتخابات الرئاسة الأمريكية حيث يقود هذه الحملة هي الولايات المتحدة إلى جانب حليفاتها وكالة الطاقة الدولية وتجار النفط الذين يعملون بشكل متزايد للضغط على أسعار النفط بهدف خفضها خدمة للاقتصاد الأميركي".
ولكنه يرى أن أسعار النفط وخصوصاً خام برنت سيصل إلى 90 دولاراً للبرميل خلال النصف الثاني من هذا العام إلى جانب أن أوبك+ لن تغير سياستها من ناحية خفض الإنتاج حتى ترى أن هناك ضيقاً في سوق النفط العالمي مما يحفزها إلى رفع إنتاجها، ولكن في الوقت الحاضر أعتقد أن سوق النفط العالمي متوازن إلى حد ما.