يعيش المشهد السياسي التونسي على وقع حالة من الاحتقان المتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في السادس من أكتوبر المقبل، في ظل جدل مستمر يرافق إجراءات الترشح لهذا لاستحقاق.
ونددت مجموعة من الشخصيات الطامحة للتنافس من أجل الوصول إلى قصر قرطاج، بما اعتبرته "عراقيل وتضييقات" تواجه مسار ترشحهم، في حين تؤكد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التزامها بتطبيق القانون والشروط الدستورية على الجميع بالتساوي.
وتأتي هذه التطورات بعد أن فتحت تونس باب الترشح للرئاسة، وإعلان الرئيس، قيس سعيد، ترشحه لولاية ثانية، في وقت تعبّر فيه أحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية عن قلقها بشأن نزاهة وشفافية الانتخابات، ومستقبل العملية الديمقراطية عامة بالبلاد.
الطريق نحو الرئاسيات
وانطلق السباق نحو الرئاسة وسط انتقادات واسعة بعد أن شددت الهيئة المشرفة على الانتخابات شروط الترشح التي صارت تتطلب التزكية من خلال جمع تواقيع 10 نواب في البرلمان، أو 40 رئيسا للسلطات المحلية، أو 10 آلاف ناخب (500 توقيع على الأقل في كل دائرة انتخابية).
وألزمت الهيئة ضمن شروطها الجديدة وجوب حصول المرشح على "بطاقة عدد 3" المتعلقة بالسوابق العدلية، لإثبات عدم وجود موانع قانونية لترشحه.
وندد 11 مرشحا في بيان جماعي بما وصفوه "المضايقات التعسفية" التي طالت العديد من النشطاء المنخرطين في حملات تجميع التزكيات، كما احتجوا على "حرمان أغلب المترشحين" من حقهم في الحصول على بطاقة السوابق العدلية، محمّلين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية تعقيد الإجراءات والشروط.
وتحدثّ العديد من الساعين للترشح عن تعرض أعضاء حملاتهم لـ"تضييقات" خلال عملية جمع التواقيع والتزكيات، بالإضافة إلى عراقيل أخرى قالوا إنها تعترضهم لاستيفاء ملف الترشح.
مرشح "حزب الائتلاف الوطني" للرئاسيات، ناجي جلول، يتأسف لما يصفه بـ"التضييقات والانتهاكات الكثيرة التي تطبع هذه المرحلة"، مشيرا بشكل خاص إلى المشاكل التي يواجهها على مستوى تجميع التزكيات.
ويكشف جلول الذي كان أحد الموقعين على البيان المذكور، في تصريح لموقع "الحرة"، أن "هناك بلطجة في ظل وضع لا يطاق ولا يسمح بإجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية"، لافتا في هذا السياق إلى "استدعاء أحد العاملين معه في جمع التزكيات للتحقيق في مركز للشرطة".
وحمّل البيان الجماعي هيئة الانتخابات مسؤولية تعقيد الإجراءات والشروط، فضلا عن "الخروقات الخطيرة المسجلة والصمت المريب الذي رافق الأيام الفارطة رغم صيحات الفزع والتنديد التي أطلقها العديد من المترشحين".
"أمام كل هذه الظروف"، يقول جلول الذي سبق له خوض انتخابات 2019، إنه أصبح يفكر جديا في الانسحاب من الانتخابات، "إذ لم تعد هناك إمكانية للتنافس الانتخابي النزيه"، على حد تعبيره.
ويقول المتحدث ذاته إن "الوضع الراهن لا يشجع على ممارسة السياسية بتونس وخوفي أننا نعيش نهاية التجربة الديمقراطية بتونس.
من وراء القضبان
وتأتي الانتخابات التونسية مع تواصل اعتقال معظم قادة أحزاب المعارضة؛ ومن بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري"، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لـ"حزب التيار الديمقراطي"، اللذين كان قد أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة، قبل أن يتراجعا لعدم السماح لهما بتوكيل ممثل شخصي لتقديم ملف الترشح.
كما يستمر اعتقال المعارضة البارزة، عبير موسي، الأمينة العامة لـ"الحزب الدستوري الحر" الموقوفة منذ خريف 2023، والتي قدمت السبت، ترشحها للرئاسيات، عن طريق محاميها، بحسب وسائل إعلام محلية.
وتتهم أحزاب المعارضة حكومة سعيد بممارسة الضغط على السلطات لـ"قمع" منافسيه في الانتخابات.
وقال المرشح المحتمل الآخر للانتخابات، نزار الشعري، إن مدير حملته وعضوا متطوعا تم اعتقالهما، وإن التأييدات الشعبية التي تلقوها من المواطنين تمت مصادرتها من قبل الشرطة.
وقالت النيابة العامة، إن الاعتقال كان بسبب تزوير التأييدات وسرقة قاعدة بيانات.
وقضت محكمة، الشهر الماضي، على المعارض لطفي المرايحي، وهو مرشح، بالسجن ثمانية أشهر بتهمة شراء أصوات. كما منعت المرايحي، وهو أحد أبرز منتقدي الرئيس، من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة.
والأسبوع الماضي، حُكم على أربع نساء من حملة مغني الراب كريم الغربي، المعروف أيضا باسم "كادوريم"، والطامح للترشح، بالسجن بين سنتين وأربع سنوات بتهمة الحصول على تزكيات بمقابل مالي
ويرى متابعون للشأن التونسي، أن الطريق إلى الانتخابات الرئاسية "مليء بالعقبات" أمام المنافسين المحتملين للرئيس سعيد المنتخب ديمقراطيا في عام 2019 والذي تفرد بالسلطة قبل ثلاث سنوات ويسعى لولاية ثانية.
ولفت البيان الجماعي الذي وقع عليه كل من الصافي سعيد، ذاكر ألاهيذب، عبد اللطيف المكي، عماد الدايمي، غازي الشواشي، كمال العكروت، لطفي المرايحي، مراد المسعودي، نزار الشعري، نشأت عزوز، وناجي جلول، إلى أن الموقعين يخشون أن "تتحول الانتخابات إلى مسرحية شكلية فاقدة لأي مصداقية".
المرشح ذاكر ألاهيذب، وهو أحد الموقعين على البيان، يقول إنه لم يواجه شخصيا أي مشاكل أو تضييقات، لافتا إلى حصوله على جميع الوثائق اللازمة من أجل الترشح، كاشفا أنه الآن في مرحلة جمع التزكيات المطلوبة.
وبشأن خلفيات وأسباب توقيعه على البيان الجماعي، يقول ألاهيذب في تصريح لموقع "الحرة"، إن ذلك يأتي "تضامنا مع بقية المترشحين الذين يتعرضون لتأخير في الحصول على بعض الوثائق الضرورية للمشاركة".
ويشدد المتحدث ذاته، على أن "تضامنه يأتي انطلاقا من مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للجميع حتى يكون العرس الانتخابي ناجحا".
وحول المخاوف المطروحة بشأن نزاهة الانتخابات، يقول ألاهيذب إنه "مبدئيا سيكون هناك مراقبون دوليون ومنظمات محلية تونسية، بالتالي، لا خوف لدي على مسارها ونزاهتها"، مؤكدا على "ثقته في هيئة الانتخابات والسلطات المحلية".
غير أن المتحدث ذاته، يشدد على "ضرورة الحرص على ضمان تكافؤ الفرص بين كل المترشحين خاصة في ظل ترشح رئيس الدولة، بالتالي ينبغي السعي لأن لا يستعمل وسائلها (الدولة) خلال سعيه لإعادة الترشح".
انتقادات حقوقية واسعة
ونددت نحو ثلاثين منظمة حقوقية تونسية في بيان مشترك، الأسبوع، الماضي، "بتحول هيئة الانتخابات لأداة ردع وتخويف وتهديد بالتتبعات العدلية لكل منتقد لأدائها ولانحيازها، مما أفقدها الاستقلالية وجعلها أداة السلطة القائمة بهدف إقصاء خصومها وإسكات المعارضين لها".
نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي كانت من المنظمات التي أصدرت البيان، تقول إن الانتخابات تأتي في "أجواء ومناخ جد متشنج، إذ يكاد يكون هناك مرشح واحد فقط، وهو الرئيس الحالي".
وتكشف الزموري في تصريح لموقع "الحرة"، أن أغلب المرشحين الرئيسيين "يقبعون حاليا في السجون متابعين في ملفات واهية وفارغة، والبعض الآخر خارج البلاد ممنوعين من الدخول، فيما يتعرض البقية ممن يملكون حظوظا للفوز لتضييقات وملاحقات".
وتضيف المتحدثة أن "أبرز مثال على هذه التضييقات إيقاف رئيس حملة الشعري وتمزيق أوراق التزكيات التي حصل عليها"، كما أنه "البطاقة رقم 3 الخاصة بالسوابق العدلية يتم تعطيل إصدارها لبعض المترشحين.
وتبرز الحقوقية التونسية، أن "عددا من المترشحين لم يحصلوا على هذه الورقة"، مما يخلق أجواء مشحونة".
وتوجه إلى سعيد المرشح للانتخابات الرئاسية في أكتوبر المقبل، انتقادات شديدة من منظمات حقوقية تونسية ودولية تعتبر أن هناك "انحرافا سلطويا" في البلاد التي كانت تعتبر مهد "الربيع العربي".
والجمعة، أكدت منظمة العفو الدولية في بيان، أن "القمع الحكومي يغذي الخوف بدلا من المناقشات الجدية للمشهد السياسي التعددي"، ونددت بالاعتقالات "التعسفية" للمعارضين، و"القيود والملاحقات القضائية" ضد بعض المرشحين، وسجن الصحفيين.
في هذا الجانب، تقول المتحدثة ذاتها، إن "الفعاليات الحقوقية في البلاد قلقة من الأجواء الحالية، خاصة أن الرئيس الحالي يسابق نفسه لتعزيز حظوظه والبقاء في قصر قرطاج".
وحاول موقع "الحرة" التواصل مع المتحدث باسم الهيئة المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، للتعليق على الاتهامات الموجهة للهيئة، غير أنه لم يتلق أي رد إلى حدود نشر التقرير.
وأكدت عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نجلاء العبروقي، الجمعة، أن أكثر من 80 بالمئة من بين 114 راغبا في الترشح للانتخابات الرئاسية تحصلوا على بطاقة السوابق العدلية.
وأفادت العبروقي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية، أن الإشكال تعلق بـ18 راغبا في الترشح المطالبين بتحيين السجل العدلي المرتبط بالقضايا العدلية المتعلقة بهم، موضحة أن "على المترشحين تحيين سجلهم العدلي".
وشددت المتحدثة، على أن "الهيئة تقنية ومحايدة تطبق الشروط الانتخابية التي أقرها دستور 2022″، معتبرة في هذا السياق "أن ما يروج بشأن التزكيات قضية مفتعلة".
سعيد يقدم ملف ترشحه ويرد على الاتهامات
والاثنين، قدم الرئيس التونسي قيس سعيد ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر وسط انتقادات شديدة "للتضييق" على المترشحين المنافسين.
وقال سعيد، 66 عاما، من أمام مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حيث قدم ملفه انها "حرب تحرير وتقرير مصير وثورة حتى النصر في اطار المشروعية الشعبية وسننتصر من اجل تأسيس جمهورية جديدة".
وأضاف "لن نقبل بأن تدخل أي جهة أجنبية في اختيارات شعبنا".
وجمع سعيد أكثر من 242 ألف توقيع تزكية لملفه.
وفي رده على الانتقادات بالتضييق على المترشحين وعدم تمكنهم من جمع تواقيع التزكيات، قال الرئيس التونسي "لم أضيق على أحد ويطبق القانون على الجميع على قدم المساواة وأنا هنا مواطن لأقدم الترشح"، مشيرا إلى أن "من يتحدث عن التضييقات فهو واهم".
وفي معرض تعليقه على توقيف وملاحقة الصحفيين والإعلاميين والناشطين وفقا للمرسوم 54 الذي تم إقراره لمكافحة "الأخبار الكاذبة" في سبتمبر 2022، قال سعيد "نحن في حرب تحرير من أجل الحرية ولا نريد تضييق الحريات على أي كان ولكن في إطار القانون.. لم أتدخل في القضاء".