على امتداد الساحل الغربي لليمن يخوض الصيادون مغامرات محفوفة بالأخطار وسط البحر، والصيد في هذه المناطق ليس مجرد بحث عن الأسماك، بل هو مواجهة دائمة للخطر، ويتخصص بعضهم في اصطياد سمك القرش، وهي مهمة شديدة التعقيد والخطورة.
هؤلاء الصيادون يعانون تهديدات التصعيد العسكري في البحر الأحمر، وتزداد خطورة رحلاتهم مع تزايد القرصنة والاعتقالات، إضافة إلى ذلك فإن التعامل مع القرش بحد ذاته يمثل خطراً كبيراً، إذ يمكن أن يؤدي إلى إصابات أو حتى فقدان الحياة أثناء الصيد.
مصدر رزق
تعتبر أسماك القرش مصدر رزق مهم للصيادين في اليمن، على رغم الأخطار الكبيرة التي ترافق عملية صيدها، فالقرش من الكائنات البحرية الخطرة المعروفة بسلوكها العنيف، ومع ذلك يباع لحمها، المعروف باسم "اللخم" بأسعار مرتفعة في الأسواق المحلية، في حين تصدر زعانفها أو ما يعرف بـ"الريش"، إلى الأسواق العالمية.
مهنة متوارثة
يقول الصياد اليمني عبده خميسي (36 سنة) من منطقة النخيلة في مدينة الخوخة على الساحل الغربي اليمني، إنه بدأ ممارسة مهنة الصيد منذ أن كان في الـ13 من عمره، وذلك بسبب حبه للبحر وشغفه بالصيد الذي دفعه إلى مرافقة صيادي القرش في رحلاتهم إلى أعماق البحر، حيث يقضون أياماً طويلة.
وأضاف أنه ورث فنون الصيد عن آبائه وأجداده، الذين امتهنوا هذه المهنة جيلاً بعد جيل، ليصبح الصيد جزءاً لا يتجزأ من تراث عائلته.
رحلات شاقة وخطرة
خلال موسم صيد القرش، الذي يمتد عادة من مايو/ أيار إلى أكتوبر/ تشرين الأول، ينطلق الصياد اليمني عبده خميسي في رحلات بحرية طويلة إلى أعماق المحيط برفقة صيادين آخرين، تستغرق الرحلة الواحدة ما لا يقل عن شهر، وقد تمتد إلى ثلاثة أشهر، وفقاً لتوافر التمويل والوقود والمواد الغذائية اللازمة على متن القارب.
ويؤكد خميسي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن صيد أسماك القرش يتطلب أدوات خاصة وجهوداً كبيرة، ويكتنفه عدد من الأخطار، إذ تعتبر هذه الأسماك من أخطر الكائنات البحرية، وتمتاز بطبيعة دموية عنيفة إذا شعرت بالخطر، مما يجعلها تهديداً ليس فقط للإنسان، بل حتى للأسماك الأخرى.
وأشار الصياد المحترف إلى أن عدداً من الصيادين عاشوا تجارب مرعبة مع أسماك القرش الكبيرة، إذ كان شاهداً على بعض الحوادث المؤلمة.
وأضاف الصياد قائلاً "تحت تأثير الشمس الحارقة، ينزل بعض الصيادين إلى الماء للاستجمام، وفجأة يهجم عليهم القرش، لقد رأيت كيف التهمت أقدام بعضهم أو أجزاء من أجسادهم، وفي حالات أكثر قسوة، أخذ القرش نصف أجسادهم السفلية، وتمكنا من إنقاذ بعضهم لكننا فقدنا آخرين".
بين ظلام البحر والصيد الجائر
يتم اصطياد أسماك القرش في أعماق البحر خلال الليالي المظلمة باستخدام كشافات ومصابيح على متن القوارب، إذ تظهر هذه الأسماك على السطح في الظلام، خصوصاً في الثلث الأخير من الشهر القمري (بعد تاريخ الـ20 وحتى ليلة الـ13 من الشهر التالي)، أما في الليالي التي يكتمل فيها القمر فينعكس ضوؤه على سطح الماء، مما يعوق ظهور أسماك القرش، ويجعل من عملية اصطيادها أمراً بالغ الصعوبة.
ويواجه الصيادون اليمنيون صعوبة في مواصلة الصيد في منطقة "تهامة" بسبب شح أسماك القرش، مما يضطرهم إلى مغادرة المياه الإقليمية اليمنية والتوجه إلى مناطق أخرى مثل إريتريا والسعودية والصومال وجيبوتي، حيث تتوافر كميات أكبر من هذه الأسماك.
ويقول أحد الصيادين "في تهامة نعاني ندرة أسماك القرش في مياهنا"، مشيراً إلى أن سبب قلة وجود أسماك القرش الكبيرة في المياه اليمنية يعود للصيد العشوائي غير المنظم الذي تمارسه بعض القوارب الكبيرة بتصريح غير قانوني من بعض المسؤولين، مما يؤدي إلى تدمير البيئة البحرية، ونتيجة لذلك تهاجر أسماك القرش إلى المياه المجاورة، مما يضطر الصيادين اليمنيين إلى المجازفة بالذهاب إلى تلك المناطق، حيث يواجهون أخطار السجن والقرصنة أو حتى الموت.
مكاسب مع أخطار البحر والغرق
تتوفر أسماك القرش في الأسواق المحلية خلال فصل الصيف، بينما يتوقف نشاط الصيد في فصل الشتاء، في مدينة الخوخة الساحلية، يبلغ حجم الصيد اليومي من طن إلى خمسة أطنان.
وفقاً لما أفاد به مدير مركز الإنزال السمكي داوود مشولي دوبلة يتراوح سعر الكيلو الواحد من "اللخم" بين 3 آلاف ريال يمني (دولارين) و7 آلاف ريال يمني (بين 4 و5 دولارات)، بناء على الجودة والنوع.
ويضيف دوبلة في حديثة أن الصياد اليمني يعيش في ظل أزمات مستمرة، إذ فقد أكثر من 21 بحاراً خلال أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، وبحث عنهم في إريتريا وأماكن أخرى من دون العثور عليهم حتى الآن.
ويستطرد مدير مركز الإنزال السمكي حديثه أن الصيادين يعانون ليس فقط الألغام والحوثيين والإريتريين، بل أيضاً عسكرة الجزر اليمنية، إذ يطرد الصيادون من الجزر إذا تجاوزوا فترة التصاريح الممنوحة لهم، التي تتراوح عادة بين خمسة إلى 10 أيام بسبب شح الأسماك، وأكد أن هذه الجزر هي موطن الصيادين اليمنيين عبر الزمن، وليست للعسكريين.
توترات البحر الأحمر
وأشار إلى أن التصعيد العسكري في البحر الأحمر زاد معاناة الصيادين، إذ يتعرضون لأخطار كبيرة بسبب العمليات العسكرية المستمرة وعسكرة المياه اليمنية والدولية.
وفي حديث سابق مع "اندبندنت عربية" أوضح المهتم بمجال الصيد محمود سعيد أن الصيادين أكثر تضرراً من تصاعد الصراع في البحر الأحمر، إذ تقيدت حركتهم وازدادت الأخطار التي يواجهونها، ولا يزال بعضهم مفقوداً من دون أي أثر حتى اليوم.
يمتد الشريط الساحلي لليمن على نحو 2200 كيلومتر، إذ يواجه ثلثه البحر الأحمر والبقية تطل على خليج عدن، وتعتمد آلاف الأسر اليمنية على صيد الأسماك كمصدر رئيس للدخل.
(اندبندنت عربية)