عكست إحاطة المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ، الأربعاء، أمام مجلس الأمن الدولي، بشأن مستجدات الأوضاع وجهود السلام في اليمن، مدى التعقيد الذي صار مرتبطًا بمسار الأزمة اليمنية؛ حد وصف غروندبرغ الوضع الراهن للنزاع غير المحسوم بالمسار الكارثي، وطالب الأطراف بالانخراط والتعاون لحل القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة؛ وهو بهذا يتجاوز مأزق تعثر التوقيع على خريطة الطريق، بعد أن وصلت الجهود المرتبطة بها إلى طريق مسدود؛ على الرغم من أن اتفاق الخريطة نفسها لا يمثل حلًا شاملًا للأزمة.
لكن المبعوث الأممي هنا يحث الأطراف على الانخراط مع جهوده لتنفيذ خريطة الطريق، وربما أن المبعوث بحديثه عن تنفيذ الخريطة يحاول التهرب من الحديث عن التوقيع عليها؛ لأنه صار مسارًا معقدًا، وسيكون معنيًا حينها بتوضيح المسؤول عن إعاقة التوقيع؛ وهنا سيجد نفسه أمام تعقيد آخر يرتبط فيه المحلي بالإقليمي والدولي.
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، عبدالكريم غانم لـ"القدس العربي": "حديث المبعوث الأممي إلى اليمن عن ضرورة الانخراط بجدية في جهود تنفيذ خريطة الطريق وتجنبه الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء تعثرها يشير إلى حجم الضغوط التي تواجهها المملكة العربية السعودية من قبل الإدارة الأمريكية لعدم المضي قدمًا في تنفيذ خريطة الطريق، فمن وجهة نظر الإدارة الأمريكية الحالية أن هذه الاتفاقية من شأنها تمكين أنصار الله (الحوثيون) من الحصول على مكاسب اقتصادية بدون إلزامهم بوقف الهجمات على السفن، التي تعبر مضيق باب المندب، فتنفيذ خريطة الطريق بات مرهونًا بالأحداث الإقليمية، وتحديدًا الحرب الإسرائيلية على غزة، وما ارتبط بها من هجمات على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فانخراط الحوثيين في الصراع الإقليمي أدى إلى تغيير موقف الإدارة الأمريكية وبعض القوى الإقليمية من الحل في اليمن، حيث بات المضي في تنفيذ خريطة الطريق مرتبطا بتوقف هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن".
وأضاف: "والواقع أن هذه الضغوط الدولية التي تربط مسار السلام في اليمن بالصراع الإقليمي ما زالت تواجه بإصرار سعودي على تنفيذ خريطة الطريق، وهو ما عبرت عنه الرياض عندما أبدت استعدادها لتفعيل مجموعة من الالتزامات ضمن خريطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة. إلا إن تطور الأحداث في سوريا، وما ترتب عليها من تراجع نفوذ محور إيران في المنطقة قد يلقي بظلاله على مسار خريطة الطريق، ففي ظل هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة، من المتوقع أن تعيد الرياض تقييم موقفها من الحوثيين، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على استمرار الزخم نحو تنفيذ الخريطة".
الاتفاق الاقتصادي
تجاوز مأزق تعثر التوقيع على خريطة الطريق يؤكده ما صدر عن وزير الخارجية في حكومة "أنصار الله" (الحوثيون) جمال عامر، خلال لقاءين الأسبوع الماضي مع مسؤولين في مكتب غروندبرغ، أكدَّ فيهما استعدادهم للتوقيع على اتفاق اقتصادي، على أن تتوفر ضمانات بتنفيذ ما اسماه الطرف الآخر للاتفاق، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة تشرف على تصدير النفط وايداع ايراداته، وصرف مرتبات موظفي الدولة.
يرى عبد الكريم غانم: "أن خريطة الطريق التي قدمتها السعودية لحل الأزمة اليمنية لا تحمل أكثر من الملفين الاقتصادي والأمني، فهي ليست مبادرة للحل السياسي بقدر ما هي محاولة لترويض الحوثيين للقبول بمكاسب اقتصادية مقابل التوقيع على خريطة طريق للسلام، والتي لا تعدو كونها محاولة لبناء الثقة بين الرياض وجماعة أنصار الله (الحوثيون) أكثر منها اتفاق تسوية سياسية شاملة وسلام مستدام في اليمن".
يُشار إلى أن الحل في مسودة اتفاق خريطة الطريق ينقسم إلى ثلاث مراحل مدتها ثلاث سنوات، وتتضمن الأولى وقف إطلاق النار، وصرف المرتبات، وإزالة القيود على الموانئ والمطارات، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وإزالة القيود أمام تنقلات المواطنين، وخفض التصعيد السياسي والإعلامي.
فيما تتضمن المرحلة الثانية خروج القوات الأجنبية واستمرار العمل بالمرحلة الأولى على أن تتولى السعودية دفع مرتبات ستة شهور أخرى في حال التزام الجميع بتنفيذ الخطوات السابقة، والتفاهم على استئناف تصدير النفط تحت اشراف لجنة اقتصادية من الجانبين، والاتفاق على آلية توزيع الإيرادات النفطية والغازية، وإعداد تصور لإعادة الإعمار.
أما المرحلة الثالثة فتركز على المسار السياسي، وتنص على تشكيل حكومة انتقالية لإدارة مراحل إعادة الإعمار والحوار اليمني ـ اليمني وصولا للاتفاق على صيغة سياسية لإنهاء الاحتراب وشكل الدولة.
تقديم تنازلات
ومع ذلك قال غروندبرغ في إحاطته إن "اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن أمر ضروري، إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين، وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام".
وهنا يحمّل المبعوث الأممي الأطراف اليمنية المسؤولية من خلال عدم تنفيذ الإجراءات اللازمة، وتقديم تنازلات، والتركيز الصادق على اليمن؛ بل كأنه يقول بشكل غير مباشر إن هذه الأطراف لا تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين؛ وهو بهذا يتحدث بدبلوماسية الوسيط؛ لكنه هنا يتجاوز تأثير الإقليم واللجنة الرباعية على مسار الحل في اليمن، لكنه في ذات الوقت يشير إلى أن الحل يبقى في حقيقته يمنيًا، متى ما أرادت الأطراف التركيز الصادق على اليمن كأمر ضروري.
يقول غانم: "صحيح أن أدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين في اليمن تفوق أدوار الفاعلين المحليين في جهود السلام، إلا إن إعاقة جهود السلام ليست اختصاص الأطراف الإقليمية والدولية وحدها، وإن كانت هي المستفيد من إعاقة جهود السلام في الوقت الراهن، فالأطراف السياسية اليمنية هي الأخرى باتت مصالحها مرتبطة، إلى حدٍ كبير، ببقاء الوضع القائم، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن ومحاولة هذه الأطراف التنصل من مسؤوليتها في تقديم الخدمات الأساسية ودفع المرتبات، حيث تظل حالة اللاحرب واللاسلم ذريعة لتعليق كلا الطرفين المحليين اخفاقاته في تفعيل وظائف الدولة ووقف حالة الانهيار الاقتصادي، ووضع حد للأزمة الإنسانية التي يشهدها اليمن".
اتفاق سلام مؤقت
إن الحديث عن السلام في اليمن ربما ما زال مبكرًا؛ وفي حال أقررنا بذلك فإننا سنقول في ذات الوقت إن خريطة الطريق (على ما فيها) ربما ما زالت طفرة بالنظر لحال تعقيدات المشهد اليمني في علاقته بالإقليمي والدولي، والذي ما زالت فيه الأطراف مستعدة للمضي في النزاع، كما أن الممول لم يقرر بعد إغلاق ملف الحرب والمضي بالبلاد نحو السلام؛ بدليل استمرار العمل على تكريس التقسيم انطلاقًا من استمرار التأزيم؛ وهو أمر يتطلب استمرار واقع اللاحرب واللاسلم واللادولة، كمقدمة للمضي باليمن إلى ما تنشده المشاريع الخارجية باعتبارها اللاعب الأساسي في الملعب اليمني.
هنا يتوقع عبدالكريم غانم "أن تشهد الأسابيع القادمة انفراجًا في مسار المفاوضات الجارية بين أنصار الله (الحوثيون) والسعودية، على تنفيذ خريطة الطريق، فموقف الحوثيين من التوقيع على خريطة الطريق قد يصبح أكثر مرونة، في ظل التطورات الجارية في المنطقة وبالتزامن مع قرب موعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ من المتوقع أن يستفيد الحوثيون من الفرص التي يتضمنها الملف الاقتصادي، الذي يجعلهم شركاء في تقاسم عائدات الثروات النفطية، كما أن هذا الملف يحمل بدوره انفراجًا للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا جراء توقف تصدير النفط منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، جراء الهجمات الجوية الحوثية التي استهدفت موانئ وسفن تصدير النفط في جنوب البلاد، حيث سيتيح لها هذا الاتفاق استئناف تصدير النفط. إلا إن حدوث انفراج في اتجاه تنفيذ خريطة الطريق، لا يعني حل الأزمة السياسية في اليمن، فخريطة الطريق ليست سوى واحدة من الوصفات المنتجة إقليميًا لحل الأزمة اليمنية، وهي بمثابة مخدر موضعي للأزمة، ولا تعدو عن كونها اتفاق سلام مؤقت، لا يتضمن حلًا سياسيًا لتسوية سياسية وتحقيق السلام الدائم. فما يزال الحل السياسي في اليمن بعيد المنال، وتبلوره مرهون بانعتاق النخب السياسية اليمنية من ربقة التبعية للخارج".
توازن الضعف
في الأخير؛ ما زال مسرح الصراع في اليمن يمضي باتجاه العمل على ثنائية وضع الحلول، وفي ذات الوقت التأسيس لتعقيدات جديدة تعيق مسار الانفراج في كل مرحلة لمنح مشاريع التقسيم مزيدًا من الوقت لتكريس ما سيكون عليه مآل البلاد ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وصولًا إلى توازن الضعف داخل ما تبقى من سلطات الحرب، التي ما زالت، للأسف، بيادق تأزيم محلية لمشاريع التقسيم الخارجية.
(القدس العربي)