ما تزال الصحافة اليمنية تدفع فاتورة باهظة، إذ يواجه العاملون في هذا الحقل مخاطر متعددة من قبل أطراف الصراع في اليمن، في ظل غياب الحماية وغياب المساءلة، وإفلات المُرتكبون لهذه الانتهاكات من العقاب.
ومع كل عام تزيد هذه الانتهاكات في ظل عدم إلتزام كل طرف بتوفير بيئة آمنة للصحفيين للقيام بعملهم، غير أن الأمر لم يعد مقبولا لكثير من الصحفيين الذين أصبحوا تحت رحمة الأطراف التي تمتلك القوة والسلاح سواء جهات حكومية أو مليشيات مسلحة.
وفي هذا السياق أطلقت نقابة الصحفيين اليمنيين، تقريرها السنوي الخاص بشأن الحريات الصحافية في اليمن للعام 2024، كمحصلة لعام مثقل بالانتهاكات المختلفة التي أكتوى بها الصحفيين اليمنيين في الداخل والخارج.
وكشف التقرير عن تضاعف المخاطر المحدقة بالحريات الصحافية في اليمن مع تصاعد الانتهاكات بحق الصحفيين ووسائل الإعلام والمكونات النقابية والمدنية المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، في ظل ضعف الحماية للعاملين في بلاط السلطة الرابعة، واستمرار سياسة الإفلات من العقاب واستغلال السلطات المتعددة للقضاء للتضييق على الصحفيين.
وبحسب التقرير فقد رصدت النقابة (101) حالة انتهاك طالت الحريات الصحافية منذ مطلع العام 2024، وحتى 31 ديسمبر الفائت، طالت صحفيين ومصورين ووسائل إعلام ومقار إعلامية وممتلكات صحفيين.
وتنوعت الانتهاكات بين (27) حالة حجز للحرية بنسبة 26.7% من اجمالي الانتهاكات، و(23) حالة تهديد وتحريض على صحفيين بنسبة 22.8%، (19) حالة محاكمات بنسبة 18.8%، (11) حالة اعتداء علي صحفيين وممتلكاتهم ومقار إعلامية بنسبة 10.9%، (7) حالات منع ومصادرة للمقتنيات الخاصة بالمصورين والصحفيين بنسبة 6.9%، و(6) حالات لظروف اعتقال سيئة بنسبة 5.9%، (4) حالات حجب وإغلاق لوسائل إعلام الكترونية بنسبة 4%، (3) حالات إيقاف رواتب ونشاطات نقابة مهنية بنسبة 3%، ناهيك عن حالة إعدام طالت الصحفي المخفي منذ العام 2015، محمد قائد المقري بنسبة 1% من اجمالي الانتهاكات.
المنتهكون بلا عقاب
ووفق التقرير أرتكب الحوثيون (45) حالة انتهاك بنسبة 44.6% من إجمالي الانتهاكات، أرتكبت الحكومة المعترف بها دوليا (31) حالة بنسبة 30.7%، والمجلس الانتقالي الجنوبي أرتكب (11) حالة بنسبة 10.8%، بينما أرتكب مجهولون (6) حالات بنسبة 5.9% وأرتكب الطيران الأمريكي حالتين بنسبة 2% والسلطات المصرية حالتين بنسبة 2%.
فيما ارتكبت كلا من قاعدة تنظيم الجهاد في جزيرة العرب وشركة تقنية المانية، ووسيلة إعلامية وجهة اجتماعية حالة واحدة لكل منها بنسبة 1%.
وتنوعت حالات حجز الحرية الـ (27) بين (11) حالة اختطاف بنسبة 41% من إجمالي حجز الحرية، 9 حالات اعتقال بنسبة 33%، (5) حالات ملاحقة بنسبة 18%، وحالة احتجاز بنسبة 4% وحالة ترحيل بنسبة 4%، أرتكب الحوثيون (11) حالة، والحكومة الشرعية (10) حالات، وأرتكب المجلس الانتقالي الجنوبي (4) حالات والسلطات المصرية حالتين.
6 صحفيين خلف الجدران
ولايزال هناك 6 صحفيين مختطفين لدى جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي منهم (4) مختطفين لدى الحوثيين هم وحيد الصوفي المخفي قسرا منذ أبريل 2015، ونبيل السداوي المختطف منذ 2015، رغم حكم المحكمة بإطلاق سراحه والاكتفاء بالفترة التي قضاها في السجن، وفهد الأرحبي المختطف منذ أغسطس الفائت، ومحمد المياحي المختطف منذ 21 سبتمبر الفائت. ناهيك عن أثنين من الصحفيين المختطفين لدى المجلس الانتقالي بعدن هما أحمد ماهر الذي حكمت المحكمة بإطلاق سراحه، وناصح شاكر المختفي منذ نوفمبر من عام 2023.
ورصدت النقابة (23) حالة تهديد وتحريض طالت صحفيين ومصورين توزعت بين (13) حالة تهديد بالعقاب، و(7) حالات حملات تحريض على صحفيين و(3) حالات تهديد بالسجن، أرتكب الحوثيون (11) حالة منها، والحكومة الشرعية (5) حالات وسجلت (4) حالات ضد مجهولين، وحالتين أرتكبها المجلس الانتقالي، وحالة واحدة من قبل شخصيات دينية.
وبلغت حالات المحاكمات والاستدعاءات القضائية (19) حالة تنوعت بين (10) حالات استدعاء لصحفيين بنسبة 52.6%، و(4) حالات تحقيق بنسبة% 21.1، و(3) حالات احكام قضائية بنسبة 15.8%، وحالتين محاكمات بنسبة 10.5%، وارتكبت الحكومة الشرعية (13) حالة منها فيما أرتكب الحوثيون (6) حالات.
اعتداءات طالت صحفيين ومنازلهم
وسجلت النقابة (11) حالة اعتداء طالت صحفيين ومنازلهم وممتلكاتهم ومقار إعلامية منها (4) حالات اعتداء بالضرب بنسبة 36.4% من اجمالي الاعتداءات، وحالتي شروع بالقتل بنسبة 18.2%، وحالتي اقتحام مقار إعلامية بنسبة 18.2%، وحالتي اقتحام منازل صحفيين بنسبة 18.2%، وحالة اعتداء على سيارة صحفي بنسبة 9%.
وأرتكب الحوثيون أربع حالات انتهاك، ارتكبت الحكومة حالتي انتهاك، أرتكب مجهولون حالتين، أرتكب الطيران الأمريكي حالتين، والمجلس الانتقالي الجنوبي حالة واحدة.
ورصدت النقابة (7) حالات مصادرة ومنع منها (5) حالات مصادرة مقتنيات صحفيين بنسبة 72% من اجمالي المصادرة، وحالة مصادرة ممتلكات مكتب إعلامي بنسبة 14%، وحالة منع من التصوير بنسبة 14%، أرتكل الحوثيون (5) حالات مصادرة فيما ارتكبت الحكومة حالة واحدة، والمجلس الانتقالي حالة واحدة.
وسجلت النقابة (4) حالات حجب واغلاق لمواقع الكترونية منها حالتي حجب لمواقع إخبارية بنسبة 50% وحالة اغلاق مؤقت لموقع الكتروني بنسبة 25 %، وحالة إيقاف منصة إلكترونية بنسبة 25% لتعاود ظاهرة حجب المواقع الالكترونية التي طالت أكثر من (200) موقع اخباري محلي وعربي ودولي منذ بداية الحرب حتى اليوم.
ورصدت النقابة (3) حالات إيقاف منها حالتي إيقاف رواتب من قبل الحوثيين وقناة إعلامية، وحالة إيقاف نشاط نقابة الصحفيين اليمنيين في عدن من قبل وزارة تمثل المجلس الانتقالي بعد عام من السيطرة على مقر النقابة بالقوة من قبل المجلس الانتقالي الذي لايزال يسيطر على مقار وسائل الإعلام الرسمية بعدن كمقر وكالة سبأ، وصحيفة 14 أكتوبر، وصحيفة الثورة.
كما سجلت النقابة (6) حالات لأوضاع اعتقال سيئة ارتكب منها الحوثيون (4) حالات والمجلس الانتقالي الجنوبي حالتين.
ورصدت النقابة حالة اعدام للصحفي محمد قايد المقري المخفي لدي تنظيم الجهاد بجزيرة العرب منذ 12 أكتوبر 2015، ليرتفع عدد القتلى من الصحفيين منذ خلال العشر السنوات الأخيرة إلى 46 قتيل.
أكثر من 1800 انتهاك منذ 2014
ويرتفع عدد الانتهاكات التي تعرضت لها الحريات الصحافية في اليمن منذ العام 2014 وحتى نهاية العام 2024 إلى أكثر من 1800 انتهاك طال الحريات الصحافية في اليمن أرتكب منها الحوثيون (1050) انتهاك بنسبة 58.1% من إجمالي الانتهاكات، ارتكبت الحكومة الشرعية (436) انتهاك بنسبة 24.2%، وارتكب مجهولون (173) انتهاك بنسبة 9.6%، والمجلس الانتقالي الجنوبي (68) انتهاك بنسبة 3.8%، فيما أرتكب التحالف العربي (35) انتهاك بنسبة 1.9%، والتنظيمات الإرهابية (13) انتهاك بنسبة 0.7%، بينما أرتكبت جهات وشخصيات سياسية (12) انتهاك بنسبة 0.7%، وارتكبت وسائل إعلام (12) بنسبة 0.7% وارتكب نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي (6) انتهاكات بنسبة 0.3% .
مؤشرات التقرير
يقدم التقرير مؤشرات هامة تسلط الضوء على وضع ببيئة العمل الصحفي تشريعيا، وأمنيا ، ومهنيا واقتصاديا أهمها:
عوائق تشريعية وتنظيمية
- رصد التقرير (19) حالة محاكمة واستدعاءات وتحقيق بحق الصحفيين ناهيك عن (27) حالة اختطاف واعتقال وملاحقة ومن خلالها يتضح أن الإجراءات القضائية كانت تتجاوز قانون الصحافة والمطبوعات وقانون حق الحصول على المعلومات، وتتعامل السلطات الأمنية المتعددة بدوافع سياسية أو بمنطق الصراع المنفلت وليس بروح القوانين.
- يحاكم الصحفيون أمام محاكم جزائية متخصصة بالأمن القومي وقضايا الارهاب.
- في حال صدر حكم قضائي لصالح الصحفي لا تلتزم السلطات بتنفيذه، بينما تعرقل بعض السلطات محاكمات الصحفيين وتحتجزهم لشهور دون تقديمهم للمحاكمات.
- صدور حكم بإعدام ناشر ومالك شركة إعلامية غيابيا في محاكمة لا تضمن أدنى شروط المحاكمة العادلة.
عوائق أمنية
-تمارس السلطات المتعددة رقابة وترصد للصحفيين لما يكتبون، وتلحق بهم الأذى بسبب مواقفهم وتتهمهم السلطات المتعددة بالخيانة والعمالة بسبب آرائهم ومواقفهم والوسائل التي يعملون لها.
- أبرز التقرير عودة حجب مواقع إخبارية الكترونية جديدة لتضاف لحالات الحجب التي فاقت الـ (200) حالة حجب منذ بداية الحرب أغلبها قام بها الحوثيون
- تدخل الأجهزة الأمنية والمخابراتية في مواجهة مع الصحفيين لتكميم الأصوات وتضييق مساحة عمل الصحفيين ووسائل الإعلام.
-كل السلطات المتعددة تبرر انتهاكاتها للصحفيين لخدمة نشاطها للطرف الآخر في الصراع.
-التضييقات الأمنية جعلت مناطق سيطرت الحوثي غير مهيئة للعمل الصحفي، كما هو الحال في مدينة عدن التي تضيق الأجهزة المسيطر عليها من المجلس الانتقالي الشريك في الحكومة علي حرية العمل الصحفي والنشاط النقابي.
-غياب التعددية الإعلامية، والغاء كل طرف أو سلطة مسيطرة على جغرافيا معينة أي نشاط صحافي أو وسيلة إعلام مستقلة أو معارضة، ما أدى إلى إيقاف قرابة (163) صحيفة ومجلة وإذاعة منذ بداية الحرب ناهيك عن حجب أكثر من (200) موقع اخباري محلي وخارجي عن المتابعين في اليمن.
-يعيش الصحفيون المعتقلون ظروف اعتقال قاسية وتعسفية، وغير قانونية ويحرمون من الرعاية الصحية ويتعرضون للتعذيب دون حماية قانونية.
عوائق اقتصادية
- ترفض الحكومة الشرعية دفع مرتبات الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الرسمية في المناطق غير الخاضعة لنشاطها في مخالفة لمسئوليتها القانونية والأخلاقية تجاه الموظفين.
- يعمل كثير من الصحفيين بدون عقود عمل، وبمقابل مادي زهيد وترفض كثير من وسائل الإعلام المحلية والخارجية إبرام عقود معهم، كما تتخلى عن مسئوليتها في التأمين الصحي وتأمين مخاطر العمل، وتتجاهل إجراءات السلامة المهنية والتدريب في هذا الجانب.
- ضعف القدرات الاقتصادية لوسائل الإعلام، وغياب التوزيع العادل لإعلانات.
عوائق مهنية
-ساهم غياب الصحافة المستقلة وسيطرت أطراف الحرب على وسائل الإعلام الرسمية، وإطلاق وسائل إعلام تابعة لكل طرف على تفشي خطاب الكراهية والتحريض، وغياب التناول المهني في عديد مواد نشر.
-غياب مواثيق الشرف ومدونات السلوك في وسائل الإعلام.
توصيات التقرير
- تطالب النقابة كافة السلطات المختلفة إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، وتخفيف القيود المفروضة علي العمل الصحفي في صنعاء، عدن، مأرب، حضرموت، وتعز وغيرها من المحافظات.
-تجدد النقابة مطالبتها للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا العمل على استعادة مقر النقابة بعدن المسيطر عليه من قبل شريك في الحكومة هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء القيود المفروضة على العمل الصحفي والنقابي في عدن، واستعادة مقر وسائل الإعلام الرسمية المستولى عليها من قبل الانتقالي.
- تجدد النقابة مطالبتها للحكومة الشرعية إلى صرف مرتبات الموظفين في وسائل الإعلام الرسمية في المناطق التي لا تسيطر عليها كالتزام أخلاقي وقانوني وإنهاء التعقيدات أمام الصحفيين والإعلاميين النازحين.
-تطالب النقابة الحكومة الشرعية بالتحقيق في كل الانتهاكات التي أرتكبتها الهيئات التابعة لها، والعمل على توفير بيئة عمل آمنة في مناطق سيطرتها.
- تدعو نقابة الصحفيين الحوثيين والمجلس الانتقالي إلى إطلاق سراح كافة الصحفيين المختطفين، وإنهاء حالة العداء للصحافة والصحفيين.
- تدعو النقابة كافة المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير، ومكتب المبعوث الدولي الخاص باليمن إلى مساندة الصحفيين، وتبني قضاياهم والضغط على كل الأطراف لإحترام حرية الرأي والتعبير.
- توصي النقابة الدول والأطراف الفاعلة إلى الضغط على أطراف الصراع في المفاوضات السياسية للالتزام بتوفير بيئة آمنة للعمل الصحافي وأحترام حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير.
- تدعو النقابة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل من أجل توفير بيئة صحية وأمنة للمعتقلين والتحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين في المعتقلات.
- توصي النقابة المنظمات والجهات المعنية بحرية الرأي والتعبير تكثيف جهودها لمساندة الصحفيين اليمنيين وتعزير السلامة المهنية لهم والمساندة القانونية.