يستقبل اليمنيون عيد الفطر هذا العام في ظل أوضاع معقدة وغير مسبوقة، حيث يمتزج الفرح بالخوف، وتعصف التحديات الاقتصادية والأمنية باستعدادات المواطنين لاستقبال العيد.
ففي مناطق سيطرة الحوثيين، يلقي القصف الأمريكي الأخير بظلاله على الأسواق والأحياء السكنية، بينما تعيش المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية تحديات من نوع آخر، أبرزها الانفلات الأمني والأزمات الاقتصادية.
استعداد السكان لعيد الفطر خوف من الغارات وأسواق شبه فارغة
تشهد صنعاء، وصعدة، والحديدة توترًا كبيرًا بعد الغارات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع للحوثيين، وعلى الرغم من أن الأسواق في صنعاء بدأت تشهد بعض الحركة، فإن الخوف من غارات جديدة يجعل الكثيرين مترددين في الخروج والتسوق خاصة مع اقتراب عيد الفطر.
يقول سلطان القاضي، تاجر ملابس في صنعاء: "عادةً تكون هذه الأيام هي الأكثر ازدحامًا، لكن هذا العام نرى الأسواق فارغة في بعض الأوقات، فالناس يخشون أن تضرب الطائرات الأسواق كما حدث في السابق"
من جهتها تقول إيمان عبدالله وهي سيدة أعمال في صنعاء: "إن نسبة بيع الملابس في معاملها هذا العام لم يتجاوز 50% مقارنة بكمية البيع في العام الماضي".
وأضافت "أن الحلويات وجعالة العيد هذا العام لم يكن هناك إقبال إلى شرائها ولم تتجاوز نسبة المبيعات 20% نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها المواطنين".
وفي محافظة صعدة، التي كانت من أكثر المناطق تضررًا من القصف، فإن الحديث عن العيد يكاد يكون غائبًا وسط الحزن والخوف. ويروي عبد الله الزبيدي، أحد سكان المدينة: "العيد بالنسبة لنا هذا العام مجرد اسم، نحن نفكر فقط في النجاة".
وبالإضافة إلى الخوف من القصف، يواجه سكان هذه المناطق أزمة معيشية خانقة، حيث تشهد أسعار المواد الغذائية والملابس ارتفاعًا جنونيًا بسبب تدهور قيمة الريال اليمني ونقص السلع المستوردة، نتيجة القرارات التي أصدرها الحوثيون مؤخراً.
وعلى الجانب الآخر، ورغم أن مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، مثل عدن، وتعز، وحضرموت، لا تعاني من تهديد الغارات الجوية، إلا أنها تواجه تحديات مختلفة، أبرزها تدهور العملة المحلية والانفلات الأمني.
في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، تعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة واحتجاجات شعبية للمطالبة بالخدمات الأساسية المختلفة. ومع اقتراب العيد، تزايدت المخاوف من حدوث اضطرابات جديدة.
يقول محمد قاسم عبدالله، مواطن من عدن: "الأسواق مليئة بالبضائع، لكن الأسعار مرتفعة بشكل جنوني، ويخشى المواطنين أن يتكرر فوضى العام الماضي".
وأضاف أنه رغم هذه التحديات، يحاول الأهالي في عدن الحفاظ على أجواء العيد، حيث زينت بعض الشوارع بالمصابيح الملونة، وبدأت بعض المبادرات المجتمعية في توزيع المساعدات للأسر المحتاجة.
وفي حضرموت، ورغم الأزمة الاقتصادية، يبذل الأهالي جهودًا للحفاظ على أجواء العيد، حيث تزينت بعض الأحياء بالأضواء، وبدأت التحضيرات لإقامة صلاة العيد في الساحات العامة، وسط دعوات بأن يكون هذا العيد هو الأخير الذي يمر على اليمنيين وهم يعانون من ويلات الحرب.
العيد في تعز مختلف هذا المرة
في مدينة تعز، التي تعاني من الحصار منذ سنوات، تستعد لاستقبال عيد الفطر هذه المرة بشكل مختلف، مع وجود المنفذ الشرقي للوافدين إلى مدينة تعز من مديريات تعز الشرقية ومن محافظات مختلفة
"علي عمر" وهو أحد العاملين في محل ملابس بمدينة تعز يقول "إن الوافدين إلى مدينة تعز ساهم في حركة السوق التجاري هذا العام، لكن تظل ارتفاع الأسعار نتيجة الانهيار الاقتصادي أبرز معوقات العمل التجاري في تعز وعدم استقرار الأسعار".
وأضاف أن المقبلين على الشراء من أهالي المدينة متدني بشكل كبير خصوصا مع افتتاح أسواق ومركز تخفيضات في مناطق ومديريات تعز الخاضعة لسيطرة الشرعية وأن نسبة المقبلين على الشراء من خارج المدينة أكثر نسبة.
ورغم تحسن الأسواق في تعز هذا العام، إلا أن الأسعار المرتفعة جعلت الكثير من الأسر غير قادرة على شراء ملابس العيد أو حتى الحلويات التقليدية.
يقول أحمد عبد الله، موظف حكومي في تعز: "الناس هنا بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم، فكيف لهم أن يفكروا في العيد؟" وهم لا يستطيعوا شراء الحلويات المعتادة حيث بلغ سعر جعالة العيد تتراوح ما بين 7000-8000 ريال".
عيد في الشتات
يأتي عيد الفطر على اليمنيين و80% من الأسر اليمنية لا تستطيع أن تجمع شملها بسبب ما خلفته الحرب من شتات وتفكك أسري وتقسم الجغرافيا حسب الانتماء مع استمرار المخاوف من الاعتقال في طرقات السفر.
مبارك عبدالولي وهو شاب من سكان مديرية مقبنة يقول إنه لم يستطيع أن يسافر قريته في سواغ الجبل مديرية مقبنة منذ عشرة أعوام نتيجة مخاوف من اعتقال أو السجن، وأضاف أنه يقضي العيد الحادي عشر وحيداً بدون أسرته.
دور المغتربين في تخفيف عبء تكاليف العيد
يلعب المغتربون اليمنيون دورًا مهمًا في دعم ذويهم داخل البلاد، خاصة خلال المناسبات والأعياد. تُساهم تحويلاتهم المالية في تعزيز القدرة الشرائية للأسر وتلبية احتياجاتها، مما يخفف من وطأة الأزمات الاقتصادية ويضفي أجواءً من الفرح والاحتفال،
الدكتور جلال الرامسي أستاذ الاقتصاد يقول: إن تحويلات المغتربين تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار سنويًا، مما يجعلها المصدر الأساسي للعملات الأجنبية في اليمن، متفوقةً على إيرادات النفط والغاز التي لم تتجاوز ملياري دولار سنويًا في أفضل الأحوال.
وأشار الدكتور الرامسي إلى أن حوالي 40% من الأسر اليمنية تعتمد على هذه التحويلات كمصدر رئيسي للدخل.
وأضاف أن هذه التحويلات تُعَدُّ شريان الحياة للأسواق المحلية، حيث تُستخدَم بشكل رئيسي في شراء السلع الغذائية والاستهلاكية، بالإضافة إلى تغطية تكاليف الصحة والتعليم.
ولفت إلى أن الحركة النشطة التي تشهدها الأسواق اليمنية خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان تُعزى بشكل كبير إلى تحويلات المغتربين، التي تُنفَق على شراء مستلزمات واحتياجات العيد.
محاولات للحفاظ على فرحة العيد
ورغم كل هذه التحديات، يحاول اليمنيون، سواء في المناطق الخاضعة للحوثيين أو المناطق الشرعية، التمسك بتقاليد العيد. ففي بعض المدن، نظمت مبادرات شبابية لتوزيع الملابس على الأطفال المحتاجين، بينما لجأت العديد من الأسر إلى تحضير الحلويات في المنزل بدلًا من شرائها من الأسواق لتوفير المال.
ما الذي ينتظره اليمنيون؟
بين تصاعد التوتر العسكري في مناطق سيطرة الحوثيين، والأزمات الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، يقترب اليمنيون من عيد الفطر بأمل أن يكون القادم أفضل، ورغم الظروف القاسية، يظل العيد مناسبة تجمع العائلات وتعزز روح التكافل والتضامن، في انتظار يوم يعود فيه السلام إلى البلاد، ليكون العيد عيدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.