19 يوليو 2025
4 مايو 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-إسماعيل محمد علي


أثار الانحدار الخطير لحرب السودان الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لأكثر من عامين من ناحية الجرائم والمجازر البشعة التي ترتكب من قبل أفراد ومجموعات ترتدي الزي العسكري للطرفين بحق المدنيين، لمجرد الشكوك في انتمائهم أو تعاونهم مع أي من طرفيهما أو لكونهم ينتمون لقبيلة محددة، حفيظة المجتمع السوداني بالنظر إلى "وحشيتها"، فضلاً عن التباهي بارتكابها من خلال توثيق الجريمة في مقاطع فيديو يجري تداولها بصورة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه التعديات طرحت كثيراً من التساؤلات عن أثر هذا الانحدار على مستقبل البلاد ومدى إمكان تحقيق السلام من عدمه؟ وأسباب تراجع دور المجتمع الدولي وعدم تفاعله مع ما يجري في السودان من أحداث مؤسفة؟

انعدام الإرادة

يقول الأمين السياسي في "حزب المؤتمر الشعبي" في السودان كمال عمر عبدالسلام "بالفعل انحدرت الحرب لدرك خطير للغاية، وأصبح القتل من كلا الطرفين ينفذ على خلفية انتساب المقتول إلى قبيلة أو حاضنة اجتماعية معينة".

وتابع "كذلك من الأشياء المؤسفة في هذه الحرب أن الأسير بات هدفاً، وأن تعريفه وحمايته بالشرائع السماوية وبالقانون الدولي أساليب غير ناجعة، في حين أصبح القتل الجماعي محل توصيف قانوني بالفعل".

وأشار عبدالسلام إلى أن هذه الحرب غريبة في كل شيء، وصدق طرفاها حين وصفاها في يوم من الأيام بـ"الحرب العبثية"، فهي حرب استئصالية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث أصبحت كوابل الكهرباء والمحولات وممتلكات المواطنين الأبرياء هدفاً لهذه الحرب.

وأردف "في اعتقادي أن صمت المجتمع الدولي عما يدور في هذه الحرب من منحى خطر يرجع إلى انشغاله بقضاياه كالحرب الأوكرانية - الروسية وغيرها، بالتالي علينا أن نفهم هذا الواقع ونعيد حساباتنا من جديد حفاظاً على الوطن ووحدته وتماسكه".

ورأى أنه "من الاستحالة وقف الحرب الآن لعدم وجود إرادة سياسية وعسكرية، فضلاً عن الابتعاد عن مخافة التشريعات، فالكل يتنازع من أجل السلطة، لذلك ليس هناك أمل قريب لإنهاء هذا الصراع، كما أنه ليس بإمكان المنتصر أن يحقق هدفاً سياسياً في هذه الحرب".

وخلص الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي إلى القول "الآن أصبحت حرب مسيرات تستهدف المدن والمدنيين حتى في المناطق التي لا يدور فيها قتال، فهي حرب أصبح القتل فيها يحصل على خلفية القبيلة، وهذا انحدار وانحطاط لم يحدث في تاريخ البشرية".

عنف "مركب"

في السياق أوضح القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق أن "ما يجري في السودان ليس مجرد حرب بين طرفين مسلحين، بل هو انكشاف مروع لبنية العنف المركب الذي ظلت تنتجه الدولة العميقة لعقود، المؤسف أن هذه المجازر توجه نحو المدنيين وفق هندسة ممنهجة تستهدف الهوية، وتستثمر في إذلالهم، ليس بهدف تحقيق نصر عسكري، بل لتفكيك المجتمعات من الداخل وكسر روحها الحية، ما يجعل هذه الانتهاكات أقرب إلى جرائم تأسيسية تبتغي إعادة تعريف السودان عبر الإبادة لا التفاوض. وكل ما يرتكب من قتل واغتصاب وتشريد وتدمير للقرى والبنية التحتية يعبر عن انتصار واضح للخطاب الوحشي داخل الأطراف المتحاربة، لا باعتباره حالاً شاذة، بل ممارسة مفخخة بالنية وبالرسائل المقصودة، والتي يراد لها أن تسمع أكثر مما تقتل، وأن ترهب أكثر مما تسيطر".

وأضاف "ما يزيد الأمر بشاعة، هو أن بعض هذه الجرائم لا ترتكب خفية، بل توثق ويجري التباهي بها على وسائل التواصل كأنها لحظات انتصار أو بطولات في زمن انحطت فيه القيم وتوحشت السياسة، مما يكشف عن حالة سقوط ديني وانحلال أخلاقي كامل، لا على مستوى الأفراد فقط، بل على مستوى الآلة السياسية التي تدير هذه الفظاعات".

وزاد "في نظري أن المجتمع الدولي، الذي كان يفترض أن يقود استجابة فاعلة، بدا كما لو أنه تأقلم مع هذا الواقع، لا لأنه لا يملك الوسائل، بل لأنه تعب أو أعاد ترتيب أولوياته، فخسر السودان موقعه على خريطة الاستجابة العاجلة، وترك لمراكز النفوذ الإقليمي أن تعبث بحاضر البلاد ومصير شعبها".

واستطرد الصادق "سلطة بورتسودان، التي ترفع شعار القانون بينما ترعى في واقع الأمر سلطة التمكين القديم، دشنت منحى العنف القائم على الهوية بما سمي بـ‘إبادة الحواضن‘، وهي جريمة سياسية ذات طابع ثقافي مروع، لأنها لم تكتف باستهداف الأشخاص، بل طعنت في مفهوم الوجود الاجتماعي واعتمدت قوانين وتشريعات محلية ذات طابع عنصري، وأرست خطاً فاصلاً بين من له شرعية الوجود ومن تنكر عليه إنسانيته تحت مسميات الحرب على الخلايا النائمة أو دعم التمرد (متعاونين)، في حين أن من بدأ التمرد الحقيقي هو النظام الذي لم يحتمل فكرة الانتقال نحو الدولة المدنية، فاستدعى كل مخزونه من خطاب الكراهية وأساليب التصفيات وصناعة الفوضى تحت لافتة القانون".

وواصل "المطلوب الآن ليس العودة إلى مربع الإدانة، بل لا بد من تجاوزه إلى أفعال حقيقية تقارب الحقيقة من دون مواربة، وعلى المجتمع الدولي أن يتبنى أدوات أكثر قوة وأشجع وأشد فعالية وأردع وأمضى من سلاح العقوبات الشكلية والتصريحات المكررة. يجب اتباع أدوات تجعل كلفة الجرائم أعلى من منافعها، والإفلات من العقاب استحالة سياسية لا احتمالاً مؤجلاً، وعلى القوى السياسية المدنية أن تعتمد خطاباً جديداً لا ينكر ما جرى ولا يساوي بين الجلاد والضحية، خطاب يبقي الباب مفتوحاً للسلام من دون أن يفرغ العدالة من مضمونها، ومن دون أن يلبس الجريمة قناع الحل السياسي".

ورأى أن "السلام في السودان ليس مستحيلاً، لكنه لا يأتي عبر التمني أو موائد الاسترضاء، بل بصدق العزائم وانحسار نبرة الحديث عن السحق والهزائم وولادة خطاب يؤمن بأن ما من طرف قادر على إقصاء الآخر من دون أن يقصي الوطن كله، وأن الانتصار الوحيد الممكن هو نهوض مشروع سياسي يقصي الحرب ومن أذكاها، لأن الحزب المحلول و"الحركة الإسلامية" مسؤولان عن كل ما يجري من جرائم، لا فقط من باب التاريخ، بل من واقع هندسة هذه الحرب منذ لحظتها الأولى، وجر البلاد إلى هاوية الانفجار كي لا يحاسبوا ولا يكشف فسادهم ولا يسترد المال المسروق ولا تفكك منظومتهم الأمنية، ولا تبنى دولة المواطنة التي يدركون أنها نقيض وجودي لهم".

وختم القيادي في حزب الأمة القومي بقوله "الآن وبعد عامين من المجازر والفجائع، لا مخرج إلا بعمل صادم للعادة، يعلو على الحسابات ويبادر بالمكاشفة ويعلي صوت الضحايا، ولا يساوم على الذاكرة، سلام لا تصنع مسوداته في غرف الفنادق وحدها، بل على خرائط القرى المحروقة وأطلال البيوت المهجرة، وفي أعين الأمهات الثكالى اللواتي يعرفن من بدأ، ومن قتل ومن ماطل ومن تواطأ بالصمت، لأن التاريخ لا يكتب بالحبر وحده، بل بما يقال حين يصمت الجميع أو يبرر البعض أو يدعي الحياد فوق الدم".

طبيعة دموية

من جانبه أفاد المحلل السياسي السوداني حسن عبدالحميد بأن "الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين تقوم بها ميليشيات ‘الدعم السريع‘، وهي تشير بوضوح إلى حقيقة ظللنا نكررها ونحذر منها تتمثل في الطبيعة الدموية البشعة التي تتصف بها هذه الجماعة، والتي تجردت من الإنسانية ومكارم الأخلاق، فهي جرائم تشبه إلى حد كبير ما فعلته الآلة الإسرائيلية في الشعب الفلسطيني وحاولت قوات ‘الدعم السريع‘ المتمردة تطبيقه على الشعب السوداني".

وزاد عبدالحميد "تتمثل طبيعة هذه الجرائم في ملمحين أساسين هما سفك الدماء بلا هوادة، والاستعمار الاستيطاني بإحلال مجموعات سكانية وافدة مكان السكان الأصليين، وهو مشروع فشل فشلاً ذريعاً بسبب صمود القوات المسلحة والمقاومة الشعبية".

وأشار إلى "انقسام المجتمع الدولي في هذه الحرب إلى قسمين: الأول يمثله المجتمع الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، والقسم الثاني يشمل المجتمع الشرقي وتمثله روسيا والصين وإيران".

وأكد المحلل السياسي أنه "لا سبيل لإنهاء هذه الحرب إلا بإنزال الهزيمة العسكرية بميليشيات ‘الدعم السريع‘ وهو أمر أصبح قاب قوسين أو أدنى، وبعد ذلك فإن السلام ليس بعيد المنال وسينصرف السودانيون لإعادة إعمار بلادهم سريعاً".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI