بعما وضعت حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران أوزارها عاودت جماعة الحوثي استئناف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر، وأغرقت سفينتين تجاريتين نتج منهما مقتل عدد من طواقمهما واختطاف آخرين.
تطورات الثلاثاء والأربعاء الماضيين تؤكد استماتة المسعى الحوثي في تحقيق جملة أهداف سياسية تتزامن مع توقيت حساس تمر به داخلياً، عقب مقتل شيخ دين سبعيني ونجاة زوجته من المصير نفسه، وحرق منزلهما، مما تسبب بسخط شعبي عارم.
وأثبتت أحداث الداخل اليمني في الأيام الماضية وتعبيرات تنامي السخط الشعبي أن ادعاء نصرة غزة باستهداف الملاحة الدولية والانشغال بهذا الدور لم يعد كافياً لتهدئة الرأي العام المحلي الغاضب من سلوكيات الجماعة القمعية بنوازع طائفية، إضافة لرسائل خارجية اعتادت على إيصالها خصوصاً، وهي تستبق، وفقاً لمراقبين، الموقف التفاوضي قبيل انعقاد لقاء محتمل بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وإيران (ماركو روبيو وعباس عراقجي) وغيرها من الرسائل الأخرى.
وعقب أشهر عدة من الهدوء الذي شهدته مياه البحر الأحمر أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع الأربعاء الماضي وتسبب في إغراق سفينة "إيترنيتي سي" اليونانية في البحر الأحمر قالت إنها "كانت متجهة إلى أم الرشراش المحتلة (إيلات)"، بحجة دعمها الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل، في عملية هي الثانية من نوعها خلال أيام بعدما استهدفت الأحد سفينة "ماجيك سيز" في البحر الأحمر وتأكيدها وتوثيقها بالمقاطع المصورة عملية الهجوم التي تمت بواسطة زوارق مسيرة وقذائف صاروخية أطلقتها زوارق وإغراقها واحتجاز طاقمها في حين كانت تحمل بضائع وترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية، وجرى إنقاذ جميع أفراد الطاقم قبل غرقها.
ويتكون الطاقم من 21 فيليبينياً وروسي واحد. وكان على متن السفينة أيضاً ثلاثة حراس مسلحين بينهم يوناني، وهندي كان أحد الذين تم إنقاذهم.
الأذرع وأوراق اللعبة
وتوالت ردود الفعل الدولية المنددة بالعمليات الحوثية في وقت تتزايد فيه المخاوف المجتمعية اليمنية من أعمال عسكرية متوقعة ستطاول ما بقي من مقدرات عقب قصف متكرر للموانئ والمطارات وإخراجها عن الخدمة.
واتهمت السفارة الأمريكية لدى اليمن الحوثيين باختطاف عديد من أفراد طاقم السفينة "إيترنيتي سي" الناجين، ودعت إلى إطلاق سراحهم بصورة فورية وغير مشروطة.
ورأى الباحث السياسي حسام ردمان أن المنطقة شهدت منذ أشهر ترتيبات جزئية لخفض التصعيد كان من بينها وقف استهداف الملاحة التجارية في البحر الأحمر وتثبيت وقف إطلاق النار في لبنان.
وقال في مقال نشره على منصة "فيسبوك" "ليست مصادفة أن يستأنف الحوثيون نشاطهم المزعزع للملاحة في البحر الأحمر تزامناً مع اشتداد الضغوط السياسية والأمنية على (حزب الله) في لبنان"، وأضاف أن "طهران أعادت على مدار اليومين الماضيين تعبئة حلفائها الإقليمين نحو سياسة تصعيدية، وهي تسعى من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين، تحسين موقفها التفاوضي قبل انعقاد أي لقاء محتمل بين عراقجي وويتكوف (المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف)، لذا فإن طهران أعادت ربط ورقة نزع سلاح (حزب الله) وورقة أمن الملاحة في البحر الأحمر بملف المفاوضات النووية".
أما ثاني الأهداف فهو سعي إيران "لتثبت جاهزيتها لخوض جولة صراع عسكري من خلال تنشيط وكلائها الذين غابوا عن المشهد في يونيو/ حزيران الماضي بسبب امتلاك تل أبيب عنصر المفاجأة".
ومن خلال تنشيط الحوثيين في البحر الأحمر "تؤكد طهران جديتها في إغلاق المضائق المائية (هرمز وباب المندب والسويس)، وهو ما تجنبته خلال حرب الـ12 يوماً"، كما أن هذه التطورات وفقاً لردمان أيضاً "تأتي متناغمة مع تأكيد الحرس الثوري بأن رده القادم سيكون بلا ضوابط في حال هوجمت إيران مرة أخرى".
وقالت مصادر بحرية متطابقة أمس الخميس إن جماعة الحوثي تحتجز ستة من أصل 22 فرداً من طاقم السفينة اليونانية التي هاجمتها وأغرقتها في وقت سابق من الأسبوع، في وقت أعلن فيه الحوثيون عن إنقاذ عدد من أفراد طاقم السفينة، من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وتعتقد المصادر أن أربعة أشخاص لقوا حتفهم، إذ قالت مصادر أمنية بحرية إنهم قتلوا في الهجمات. وفي حال تم تأكيد هذا الخبر فستكون الوفيات الأربع المبلغ عنها أولى الضحايا جراء الهجمات الحوثية على السفن المارة في البحر الأحمر منذ بدء الهجمات في يونيو 2024، ويتبقى 11 آخرون في عداد المفقودين.
وقال المسؤول في شركة "ديابلوس" للأخطار البحرية ومقرها اليونان، نيكوس جورجوبولوس، "هذا يمدنا بمزيد من الشجاعة لمواصلة البحث عن المفقودين، كما طلب مشغل السفينة اليوناني، ويظهر أن خطة البحث كانت صحيحة". وسبق وقال رئيس ما يسمى "المجلس السياسي" للحوثيين مهدي المشاط إن جماعته ملتزمة حرية الملاحة للجميع باستثناء إسرائيل ومن يدعمها في حربها على قطاع غزة.
تنديد دولي
أعادت العمليات الحوثية حال الامتعاض الدولي ضد الجماعة المدعومة من إيران، وفي مقدم من عبر عنه الولايات المتحدة التي أنهت في مايو/ أيار الماضي حملة قصف جوي استهدف مواقع مفترضة للحوثيين بدأتها في منتصف مارس/ آذار الماضي.
ودانت الخارجية الأمريكية مقتل البحارة وقالت على لسان المتحدثة باسمها تامي بروس في بيان "ندين الهجوم غير المبرر الذي شنه الحوثيون على سفينتي الشحن المدنيتين في البحر الأحمر"، من دون أن تلمح إلى أي إجراء أميركي مقبل خصوصاً، وقد سبق للرئيس دونالد ترمب أن توعد الحوثيين باستئناف العمليات العسكرية ضدهم في حال لم يكفوا عن سلوكياتهم في المياه الدولية.
ودانت بريطانيا "السلوك الحوثي"، وحذرت من أن الهجمات على السفن باتت تشكل تهديداً غير مقبول للأمن البحري العالمي.
وقالت السفارة البريطانية لدى اليمن في بيان صحافي، "ندين بشدة وبصورة قاطعة الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على السفينتين في البحر الأحمر"، وشدد البيان على التزام المملكة المتحدة حماية حرية الملاحة، داعية جميع الشركاء الدوليين إلى إدانة هذه الأعمال التي لا يمكن تبريرها.
أما المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ فقال إنه يجب ضمان سلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر بعد تجدد الهجمات الحوثية على السفن التجارية للمرة الأولى منذ نحو سبعة أشهر.
(اندبندنت عربية)