30 أكتوبر 2025
30 أكتوبر 2025
يمن فريدم-فخر العزب
يلتزم أفراد القبيلة بكل قراراتها، صنعاء، 4 إبريل 2025 (محمد حمود/ Getty)


في محافظة حجة شمال غربي اليمن، أحب الشاب يحيى السباعي فتاة، وقرر التقدم للزواج منها، لكن قراره سبَّب إصدارَ قبيلته آل السباعي، في 6 مايو/أيار الماضي، وثيقةً تعلن فيها التبرؤ منه بحجة مخالفته للأعراف عبر إقدامه على خطبة فتاة من فئة اجتماعية أدنى، وصفهتا الوثيقة بـ"ابنة المزين" في إشارة إلى مهنة والدها الحلاق، ما يعتبر مخالفة للتقاليد القبلية.

وتضمن قرار القبيلة عقوبات تم اتخاذها بحق الشاب، تتمثل بإخراجه من "الإخاء القبلي"، وفقدانه جميع حقوقه ومزاياه بصفته عضواً في القبيلة، ومنعه من المشاركة في المناسبات والفعاليات القبلية، واعتباره غير مرحب به في ديوان القبيلة، أو أي تجمع قبلي آخر.

وأثارت وثيقة قبيلة السباعي جدلاً واسعاً بشأن التمييز الاجتماعي، وانتهاك الحريات الشخصية، وقوبلت بموجة استنكار من كثيرين وصفوها بأنها تعزز العنصرية والتمييز الطبقي بين أبناء المجتمع اليمني، وتسهم في التفكك الأسري والمجتمعي، وتقوض قيم المساواة الاجتماعية والقيم الإنسانية، كما تخالف قوانين الدولة وتشريعاتها التي تنص على مبدأ المساواة بين المواطنين.

ولا تنحصر أسباب تبرؤ القبيلة من أفرادها بمخالفة العادات، ففي 3 إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت عائلة العزكي في محافظة المحويت (جنوب غرب صنعاء)، تبرؤها من الفنان اليمني المعروف عمار العزكي، وذلك بعد تداول مقطع فيديو لأغنية أصدرها في عيد الفطر الماضي، وظهر فيها وهو يؤدي الأغنية إلى جانب راقصات.

وقالت قبيلة العزكي في بيان، إنها تدين وتستنكر ما قام به عمار العزكي من أفعال وتصرفات مخلة بالقيم والمبادئ، ومنافية للتقاليد والأعراف القبلية، مخالفاً بذلك الهوية الإيمانية التي يتحلى بها المجتمع.

وأضاف البيان: "نؤكد للجميع أننا متبرئون إلى الله من هذا الشخص، ومن تصرفاته منذ توجهه في هذا الطريق المشين والمنحرف المخالف للهوية الإيمانية وقيم الدين الإسلامي، وعادات وتقاليد المجتمع اليمني المحافظ على دينه وهويته، وهذا الشخص حاله كحال أولئك المنحرفين ممن تخلوا عن قيمهم ومبادئهم تأثراً بالثقافة الغربية المنافية لقيم الإسلام".

ويقول أستاذ علم الاجتماع، محمود البكاري، لـ"العربي الجديد": "لا نستطيع أن نتحدث عن قوانين قبلية، فالقوانين تشريعات رسمية مكتوبة تنظم حياة المجتمع ومصالحه، بينما ما يتعلق بالقبيلة عبارة عن قواعد ضبط اجتماعية عرفية، ويطلق عليها الأعراف والتقاليد، ولكل قبيلة منظومة أعراف وتقاليد متوارثة، ويتم الالتزام بها من أفراد القبيلة، وهي ليست مطلقة، وإنما نسبية تختلف من قبيلة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر".

ويضيف البكاري أن "لجوء القبيلة إلى التبرؤ من بعض أفرادها يأتي في سياق ما يعرف بالضبط الاجتماعي، حتى لا يتمردوا على أعرافها، خشية أن تصبح القبيلة محل ازدراء أو تهكم من قبائل أخرى. لكن لا معنى للعزل القبلي الذي يمكن أن يتعرض له الشخص المنبوذ في ظل التطور الاجتماعي القائم، فالمواطن من حقه أن يحدد ما يناسب مصالحه، والقبيلة ليست بديلاً عن الدولة حتى تفرض عقوبات على مواطن لمجرد أنه اتخذ قراراً شخصياً، فالدستور والقانون يضمنان للمواطن حقوقه وحرياته بعيداً عن وصاية القبيلة".

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن "اتخاذ القبيلة موقفاً من أحد أفرادها لمجرد مخالفته عاداتها ليست أكثر من نعرة جاهلية متخلفة، فحقوق المواطنة لا تحددها القبيلة ولا العرف القبلي، وفي ظل الدولة المدنية يظل كل المواطنين سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، وللحد من سطوة أعراف القبيلة لصالح فرض القانون، هناك دور كبير لمؤسسات التنشئة الاجتماعية، ووسائل الإعلام، وخطباء المساجد في نشر الوعي الاجتماعي، والتنبيه بأهمية نبذ العصبيات والعنصرية المقيتة، وتعزيز ثقافة المواطنة المتساوية".

دوره، يؤكد الناشط السياسي خالد الماوري لـ"العربي الجديد" أن "نعرات التمييز الطبقي والعنصري وجدت بيئة خصبة في مناطق سيطرة الحوثيين، والذين تقوم سيطرتهم أصلاً على مبدأ التمييز الطبقي، وتقسيم المجتمع إلى طبقات متفاوتة الحقوق، وحصر الامتيازات في الأسر الهاشمية، أو من يطلق عليهم (السادة)، وهذا المبدأ كان قائماً خلال حكم الأئمة، حيث كان السادة والقضاة وزعماء القبائل يمثلون الطبقة العليا في سلم التمييز الطبقي، بينما هناك طبقات دونية تتمثل في أصحاب المهن البسيطة، مثل الحلاقين والجزارين، والمهمشين الذين يطلق عليهم الأخدام".

ويضيف الماوري: "ضعف مؤسسات الدولة، وغياب النظام والقانون يسهمان في علو صوت القبيلة، ويسهم كل هذا في عودة المجتمع للاحتكام إلى الأعراف القبلية، والتي تستند في الغالب على أفكار تتناقض مع مبدأ المساواة الاجتماعية، وسلطة القانون".

(العربي الجديد)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI