بالتزامن مع ما تشهده المحافظات الجنوبية والشرقية في اليمن من تحولات عسكرية وسياسية في ظلّ تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي خلال الأيام الماضية، تتردد أنباء عن تنفيذ الرياض أوسع خطة لإعادة انتشار القوات السعودية منذ بدء تدخلها في اليمن ضمن التحالف العربي في مارس/آذار 2015.
وفي حين لم يصدر أي إعلان رسمي سعودي حول ذلك، لا يمكن فصل إعادة التموضع العسكري هذا، بالتزامن مع محاولات الرياض تحجيم تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي، سواء عبر تمدّده عسكرياً إلى حضرموت والمهرة أو إعادة تفعيل خططه للانفصال، عن إعادة تعريف الدور السعودي العسكري في اليمن وطبيعة حضوره على الأرض بعد أكثر من عقد على بدء التدخل العسكري في اليمن عقب الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثيين.
وتعكس خريطة الانتشار العسكري السعودي المباشر من عدن وسقطرى والمهرة إلى ميون وشبوة ومأرب والحدود الشمالية، إلى جانب تشكيل السعودية أو دعمها تشكيلات عسكرية مرتبطة بها، مثل قوات "درع الوطن" و"قوات حماية حضرموت" و"ألوية اليمن السعيد"، حجم الوجود السعودي المباشر في اليمن والذي كان من بين أولى أهدافه حماية ما تعتبره الرياض مصالحها الحيوية، في حين يأتي ضبط ميزان النفوذ بين الأطراف اليمنية داخل معسكر الشرعية في مرتبة ثانية ضمن أولوياتها، وإن كانت المؤشرات خلال الأيام الأخيرة الماضية تفيد بأن السعودية لا تريد أن يتمادى المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم بشكل رئيسي من الإمارات، أكثر، وأنها لن تتردد في استخدام كل ما تملكه من أوراق ضغط لتحجيم مغامراته، بما في ذلك ما تردد أمس الاثنين، عن إغلاق الأجواء ووقف كافة الرحلات الجوية من مطار عدن الدولي وإليه، بسبب عدم صدور تصاريح الهبوط والإقلاع من قبل قيادة التحالف الذي تقوده السعودية، في إطار ما حُكي أمس عن أنه "تعليق مؤقت".
وذكرت وكالة أسوشييتد برس أمس، نقلاً عن مصدر ملاحي يمني، أن حركة الملاحة الجوية توقفت بشكل جزئي، أمس، في مطار عدن، عقب إلغاء عدد من الرحلات منه وإليه. كما أنها مع بدء الانفصاليين التصعيد في حضرموت والمهرة أوفدت رئيس اللجنة الخاصة السعودية اللواء محمد عبيد القحطاني لخفص التوتر والتوصل إلى تفاهمات للتهدئة سرعان ما التف عليها "المجلس الانتقالي الجنوبي".
وفيما كان المسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، عمرو البيض، يقول لوكالة رويترز أمس إن المجلس موجود في جميع محافظات جنوب البلاد، بما في ذلك مدينة عدن، لافتاً إلى أن أعضاء الحكومة المعترف بها دولياً غادروا عدن، وأن المجلس لم يطلب منهم المغادرة، كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي غادر العاصمة المؤقتة قبل أيام، يجتمع أمس بسفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (السعودية، الإمارات، بريطانيا، أمريكا وفرنسا)، وذلك بحضور رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك ووزير الخارجية شائع الزنداني.
وأعاد العليمي التأكيد على أن الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي، تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضاً لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديداً خطيراً للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية برمتها.
ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف موحد برفض منازعة الحكومة لسلطاتها الحصرية، وممارسة ضغط علني لعودة القوات الوافدة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة، ودعم جهود الدولة، والسلطات المحلية للقيام بواجباتها الدستورية في حماية المنشآت السيادية، وتعزيز جهود التهدئة، ومنع تكرار التصعيد.
حضور السعودية في اليمن.. قوات وتشكيلات
وتحضر السعودية في اليمن عسكرياً عبر آليتين هما: وجود قوات عسكرية سعودية رمزية، أو عبر تشكيلات عسكرية يمنية تمّ إنشاؤها عبر دعم سعودي يشمل التمويل والتسليح والتدريب. وبحسب معلومات جمعتها "العربي الجديد" من مصادر عسكرية متعددة، فإن القوات السعودية تتركز في عدد من المحافظات اليمنية، مع حدوث تغييرات نسبية بين الحين والآخر، وهي:
في العاصمة المؤقتة عدن، توجد القوات السعودية في قصر المعاشيق الرئاسي، والذي يضم مقر رئاسة المجلس الرئاسي واجتماعات حكومية، وتُستخدم المنشآت القريبة لتأمين قيادات الحكومة والاحتياجات البروتوكولية. وقد ترددت أنباء خلال الأيام الماضية عن مغادرتها القصر وحتى مطار عدن دون إعلان رسمي.
كما توجد قوات سعودية في المعسكر الرئيسي لقيادة التحالف بمديرية البريقة غربي عدن، وهذا المعسكر هو عبارة عن قاعدة عمليات/لوجستية وتحويل للقوات ضمن إطار قيادة التحالف في عدن، تُستخدم لتأمين الموانئ والمرافق الحيوية ودعم حراسة بعض الشخصيات، كما أن تحرّكات التحالف أعادت تموضع القوات فيها في مرات سابقة.
وتوجد قوات سعودية أيضاً في حراسة بعض أعضاء المجلس الرئاسي، وهناك تقاطعات بين دور السعودية راعياً سياسياً ودور قوات التحالف في تأمين مقرات الحكومة والقيادات في عدن، كما أن هناك دوراً سعودياً/تحالفياً في حماية رموز الشرعية (مستوى الحماية قد يكون مباشراً أو عبر قوات محلية مدعومة وتحالفية).
ويسجّل وجود للقوات السعودية في جزيرة ميون، شرقي مضيق باب المندب، والتي تمثل موقعاً استراتيجياً لمراقبة الملاحة والسيطرة على مضيق باب المندب، وحيوياً أمنياً لخطوط الملاحة الدولية، وذُكِر وجود تجهيزات وتحركات للتحالف/وحلفائه في الجزيرة.
كما هناك وجود لقوات سعودية في جزيرة سقطرى في المحيط الهندي منذ العام 2018 تحت مسمى قوات الواجب السعودية (808) في مدينة حديبو، وتتولى عدداً من المهام أبرزها إدارة مطار سقطرى. مع العلم أن الجزيرة مسيطر عليها من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي ويسجل فيها وجود كبير للإمارات.
وتعد محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عُمان، شرقي اليمن، من أبرز المحافظات اليمنية التي تشهد وجوداً للقوات السعودية، حيث هناك وجود كبير نسبياً لهذه القوات التي تملك قاعدة عسكرية في المحافظة، تتولى تأمين مدّ خطوط أنابيب النفط من البحر الأحمر وإليه، كما توجد قوات سعودية في مطار مدينة الغيضة عاصمة المحافظة، بالإضافة إلى وجود في المنافذ البرّية مع سلطنة عمان، عبر منفذي شحن وصرفيت.
وفي أغسطس/ آب 2019 وصلت قوات سعودية إلى مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة الغنية بالغاز جنوبي اليمن، وتمركزت في مطار المدينة بالتزامن مع حالة التوترات العسكرية بين قوات الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية. وفي مدينة مأرب شمال شرقي البلاد، هناك وجود رمزي للقوات السعودية بمهمة محدودة، حيث تعد هذه القوة مسؤولة عن الطيران المسير والمدفعية الطويلة.
وتوجد القوات السعودية في عدد من النقاط الحدودية الاستراتيجية، أبرزها منفذ الوديعة في محافظة حضرموت، والذي يعدّ بوابة برّية حيوية بين السعودية واليمن، ومهمتها مراقبة الحركة والبضائع والنازحين، وتُعتبر هدفاً أمنياً وسياسياً لإدارة الحدود، والإشراف على المنفذ والقوات المكلفة بحمايته.
وهناك وجود لقوات سعودية في سيئون بمحافظة حضرموت تقوم بعملية الإشراف على انتشار لقوات محلية مدعومة سعودياً (درع الوطن) بهدف تأمين الحدود، والحقول النفطية، وتأمين الشريط الصحراوي الشرقي. ويشار إلى أن التوترات في المحافظة شهدت سياسات تمركز ونفوذ بين فاعلين محليين وإقليميين.
وهناك وجود للقوات السعودية في جبهات الحدود المختلفة (صعدة، مأرب، ميدي، الشريط الحدودي مع السعودية) من خلال عمليات انتشار وقوافل دورية على طول الحدود لمنع التسلل، ولحماية المعابر، وردع هجمات أو اختراقات عبر الحدود، والإشراف على القوات المنتشرة في جبهات الحدود.
أما الآلية الثانية للوجود السعودي، فهي عبر تشكيلات عسكرية تخضع لقيادة القوات المشتركة لقوات التحالف العربي، والقوات السعودية التي تتولى إدارة هذا التشكيل وخططها القتالية ومناطق تمركزها وانتشارها، بالتنسيق مع الرئاسة اليمنية، وأبرز هذه القوات:
1-قوات درع الوطن: بدأت الرياض بتأسيس هذه القوات في العام 2022 من قوى سلفية لتكون موازية لقوات العمالقة الجنوبية المدعومة إماراتياً، وهذه القوات لا ترفع علم الجمهورية اليمنية ولا علم الانفصال، على الرغم من إيمانها بالوحدة اليمنية. وتمّ تجميع أفراد هذه القوات في منطقة الوديعة الحدودية بين اليمن والسعودية، والتي تمّ اختيارها لتكون مركزاً لتدريب هذه القوات.
وتتولى الرياض تمويل هذه قوات "درع الوطن" حيث يتم صرف رواتب الجنود بالريال السعودي، وهو ما يعد مغرياً للالتحاق بها من قبل الشباب اليمني، كما تتولى الرياض عملية التدريب والتسليح. وهذه القوات صدر قرار جمهوري قضى بتشكيلها، إلا أنها لا تنضوي تحت إطار وزارة الدفاع.
وقد أنشئت بقرار جمهوري في 2023، ونصّ قرار إنشائها على أن تكون هذه القوات "احتياطي القائد الأعلى للقوات المسلحة"، وتم تعيين العميد بشير الصبيحي قائداً لها. لا توجد إحصائية محددة لعدد أفراد هذه القوات نتيجة الاستمرار بالتجنيد، غير أن تقديرات تشير إلى أن عددهم يبلغ حوالي 50 ألف مقاتل، وتضمّ "درع الوطن" حوالي 20 لواء عسكري، وتنتشر بعض وحداتها في عدد من المحافظات، مثل عدن ومأرب والجوف وشبوة.
2- قوات حماية حضرموت، وهي تشكيل عسكري تابع لحلف قبائل حضرموت الذي يقوده وكيل أول محافظة حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش، الذي يتبنى الدعوة لحكم ذاتي في حضرموت وأُعلن عن تشكيله في عام 2013.
وقد جرى الإعلان عن تأسيس هذه القوات العام الماضي، وفي يونيو/ حزيران 2025، أصدر بن حبريش قراراً بصفته "القائد الأعلى لقوات حماية حضرموت"، قضى بتشكيل اللواء الأول من قوات حماية حضرموت وتعيين العميد الركن الجويد سالمين علي بارشيد، قائداً للواء، والعميد أمان خميس أمان الحبشي قائد أركان، والعميد صالح حيمد عمرو العليي مسؤولاً عن العمليات، وتنتشر في مديريات حضرموت الوادي، وتتخذ من منطقة الهضبة مقراً لها. وتقول قيادات قوات حماية حضرموت إن قواتها تضم 6 ألوية، وإن سجلات حلف قبائل حضرموت تضم 35 ألف مقاتل.
3- ألوية اليمن السعيد، وهي قوات عسكرية حديثة تضم 7 ألوية بـ14 ألف مقاتل، مجهزين بكل الأسلحة الحديثة، ثلاثة منها باتت جاهزة بينما الأخرى ما تزال في طور التدريب والتشكيل.
وفيما يلتزم مسؤولو الشرعية ممن تواصلت معهم "العربي الجديد" الصمت، مكتفين بالإشارة إلى المواقف التي أطلقها رئيس مجلس الرئاسة اليمني رشاد العليمي في الأيام الأخيرة لا سيما أول من أمس لجهة "رفض أي إجراءات أحادية من شأنها تقويض المركز القانوني للدولة، أو الإضرار بالمصلحة العامة، وخلق واقع مواز خارج إطار المرجعيات الوطنية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض"، يؤكد أكثر من باحث يمني تواصلت معهم "العربي الجديد" غياب أي معلومة بشأن التطورات الأخيرة وأسبابها بما في ذلك توقيت تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي والموقف السعودي وحتى إعادة التموضع العسكري.
حديقة خلفية
المحلل السياسي عمار شيباني، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السعودية تعتبر أن اليمن حديقة خلفية لها من خلال فرض نفوذها في هذا البلد أيام السلم والحرب، ووفق سياسية متبعة منذ قيام النظام الجمهوري في اليمن تقريباً، والحرب التي قامت بعد ذلك بين الجمهوريين والملكيين المدعومين من السعودية، فعملت السعودية على إنشاء اللجنة الخاصة والتي مهمتها شراء ولاءات قيادات الدولة والمشايخ والقيادات العسكرية والقيادات الحزبية وحتى الصحافيين، عبر صرف رواتب منتظمة، ومن ثم جاء تدخل التحالف العربي لاستعادة الشرعية بقيادة السعودية ليتم التدخل عسكرياً عبر قوات سعودية موجودة في معظم المحافظات اليمنية، واحتضان قيادات الشرعية وإنشاء تشكيلات عسكرية موالية، بما يضمن النفوذ السعودي على المدى الطويل.
وأشار المحلل السياسي إلى أن اليمن أصبح ساحة لتسابق النفوذ بين السعودية والإمارات من خلال التشكيلات العسكرية الموالية للدولتين، وهو ما يتم على حساب الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية، ووصل الحد إلى أن مناطق عسكرية تابعة لوزارة الدفاع اليمنية أصبحت مرتهنة في يد قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي والتي تقوم بدفع رواتب جنود هذه القوات الموجودة في الحدود السعودية اليمنية، وكأن مهمتها الأولى هي الدفاع عن السعودية.
بدوره، أوضح المحلل العسكري العقيد محمد عسكر، لـ"العربي الجديد"، أن هناك أهدافاً متباينة للوجود العسكري للقوات السعودية، أهمها تأمين الحدود السعودية اليمنية، وتأمين الموانئ والمطارات والمراكز الحسّاسة في مناطق الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى هدف الحدّ من النفوذ الإماراتي داخل المناطق المحرّرة كما هو الحال في جزيرة سقطرى التي أرسلت الإمارات قوات كبيرة إليها على الرغم من عدم تعرض الجزيرة لأي تهديد أمني من قبل الحوثيين، فبادرت الرياض إلى إرسال حوالي كتيبتين إلى الجزيرة وسيطرت على المطار، في سياق سباق النفوذ.
وأضاف عسكر أن الرياض لا تريد أن تدفع فاتورة الزجّ بجنودها إلى المناطق والجبهات المشتعلة في اليمن، لذا كانت استراتيجيتها هي الدفع بالتشكيلات العسكرية الموالية والتي تشرف على تشكيلها وتمويلها وتسليحها بشكل مباشر، وبالتالي تضمن تبعيتها لها، وتستخدمها ورقةً لتعزيز نفوذها العسكري في المحافظات اليمنية المختلفة، مع حجم الإغراءات التي تقدمها للالتحاق بهذه التشكيلات من خلال الرواتب المجزية والمنتظمة بالريال السعودي والتي تصل إلى ألفي ريال سعودي (حوالي 500 دولار أمريكي)، بينما راتب الجندي التابع لوزارة الدفاع اليمنية لا يصل إلى 150 ريالاً سعودياً، ومع ذلك يظل الجندي لأشهر طويلة دون استلام راتبه، وفق قوله.
وأكد المحلل العسكري أن سياسات تشكيل الوحدات العسكرية الموالية لدول إقليمية تضاعف من تعقيدات توحيد التشكيلات المسلحة تحت إطار واحد، هو قيادة الدفاع في الحكومة المعترف بها دولياً، وهذا يُساهم في تأخير المعركة العسكرية ضد الانقلابيين الحوثيين، ويساهم في تفتيت البلاد وتجزئتها إلى كانتونات متباينة في المصالح، ويساهم في تعقيد الأزمة اليمنية أكثر، وفق رأيه.
(العربي الجديد)