بدا الشارع الحضرمي مترقباً على أمل أن تفضي هذه الإجراءات إلى عودة الهدوء لمحافظتهم الاستراتيجية وتمكينهم من إدارتها، خصوصاً أن رد فعل الحكومة الشرعية مستنداً إلى موقف سعودي لا يحتمل المواربة أكد دعم استقرارها ومعها محافظة المهرة المحاذية.
على مدى أيام الشهر الماضي، عانى أهالي محافظة حضرموت حالاً من القلق والخوف والترقب من أن تقود التطورات العسكرية الجارية إلى احتراب دامٍ يدخل المحافظة المعروفة بنزوعها الدائم للسلم والهدوء في أتون صراع لا تحمد عقباه، حتى جاءت قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي اليوم الثلاثاء مسبوقة بعملية عسكرية محدودة نفذتها مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية استهدفت شحنات أسلحة وصلت إلى الانتقالي في ميناء المكلا، لتعيد بوصلة الأوضاع نحو اتجاهها المأمول في وقف التصعيد وفرض حال من التهدئة ومنع "الإجراءات الأحادية التي يمارسها الانتقالي لفرض أمر واقع"، بانتظار استجابة قواته لنداء الشرعية والرياض بالانسحاب من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها و"تغليب صوت العقل" انطلاقاً من موقف يمني- سعودي مفاده بأن هذا "تمرد مرفوض".
وبدا الشارع الحضرمي مترقباً على أمل أن تفضي هذه الإجراءات إلى عودة الهدوء لمحافظتهم الاستراتيجية وتمكينهم من إدارتها، خصوصاً أن رد فعل الحكومة الشرعية مستنداً إلى موقف سعودي لا يحتمل المواربة أكد دعم استقرارها ومعها محافظة المهرة المحاذية.
ترقب وتطلع محلي إلى وقف التصعيد
وشملت قرارات العليمي إلغاء اتفاق الدفاع المشترك مع دولة الإمارات وخروج القوات التابعة لها ومنسوبيها من اليمن خلال 24 ساعة وأمر "قوات درع الوطن" الموالية للحكومة الشرعية بالتحرك وتسلم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق اليمن) وإعلان حال الطوارئ "لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد" وفرض "حظر جوي وبحري وبري على الموانئ والمنافذ كافة لمدة 72 ساعة".
وعوداً على حال الرفض المجتمعي التي قوبلت بها تحركات الانتقالي مطلع الشهر الجاري، يستبشر المجتمع الحضرمي أن تفرض هذه الإجراءات وقفاً للتصعيد المسلح وإعادة حال الهدوء وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم وفق صيغ توافقية مع الحكومة الشرعية برعاية سعودية، مما ظل كثير من المكونات الأهلية والجماهيرية يطالب به على مدى الأعوام الماضية.
ويقول المتحدث باسم حلف قبائل حضرموت، المناوئ للمجلس الانتقالي، صبري بن مخاشن في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن أبناء حضرموت استبشروا خيراً بالقرارات التي اتخذها رئيس مجلس القيادة الرئاسي لأنها ترفع الضرر البالغ عن أبناء هذه المحافظة المسالمة منذ سيطرتهم عليها قبل شهر.
وعدّ الإجراءات التي اتخذتها الشرعية والسعودية "انتصاراً للسلم الأهلي وجهود تعزيز الأمن والتنمية في الإقليم الشرقي واليمن بصورة عامة".
دعم شعبي ورسمي
ولم يقتصر الترحيب بقرارات الشرعية على الجانب الشعبي الذي يترقب خفض التصعيد وتسوية الخلاف استجابة لطلب الشرعية والسعودية، وأتبع بتأييد رسمي معزز بموقف سعودي قوي إدراكاً للأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها حضرموت لليمن وجيرانها، إذ رحبت السلطة المحلية في محافظة حضرموت، "بمكوناتها الإدارية والسياسية والعسكرية والأمنية والقبلية والاجتماعية كافة" اليوم بالقرارات الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، "المنبثقة من مسؤولياته الدستورية والوطنية في الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها".
واستناداً إلى ذلك تؤكد السلطة المحلية في حضرموت "التأييد الكامل" لقرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي القائد الأعلى للقوات المسلحة القاضي "بإلغاء اتفاق الدفاع المشترك مع دولة الإمارات وإخلاء القوات التابعة لها كافة من الأراضي اليمنية"، وشددت على "وقوفها خلف القيادة السياسية في هذا القرار الذي يعزز السيادة الوطنية ويسهم في الحفاظ على أمن واستقرار الوطن".
وفي شأن الحلول العسكرية المنتظرة ضمن الحل المقترح، الذي جرى التوافق عليه في بداية الأزمة بوساطة سعودية، جددت السلطة المحلية في حضرموت برئاسة المحافظ سالم الخنبشي "استعدادها التام للتنسيق والتعاون مع قوات درع الوطن لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية كافة في المحافظة وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية بما يخدم مصلحة المواطنين ويحقن الدماء".
والحل المقترح يزيل الذرائع التي ظل "الانتقالي" يرددها عن نشر قوات جنوبية في محافظة حضرموت باعتبار "قوات درع الوطن" التي أُنشئت أخيراً مكوناً عسكرياً موالياً للحكومة الشرعية وتضم غالبية منتسبيه من المحافظات الجنوبية.
ولضمان حقن الدماء ودرء نزعات الاقتتال، دعا المحافظ "كافة أبناء حضرموت الشرفاء وقواتنا المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية والعمل بروح الفريق الواحد لتنفيذ هذه القرارات السيادية، حفاظاً على أمن حضرموت والوطن"، معبراً عن الشكر "لقيادة تحالف دعم الشرعية، ممثلة بالسعودية، على مواقفها الأخوية الصادقة وجهودها المستمرة في دعم أمن واستقرار اليمن، ورعايتها الكريمة لمسار استعادة الدولة ومواجهة كافة التحديات".
واستمراراً لنهج تغليب صوت الحوار وتجنب الصدام الخشن وتوسع حد الشقاق داخل كيان الحكومة الشرعية، فضلاً عن تهديده شكل الدولة بالتشظي والانقسام القائم على التوسع والنفوذ، جددت الحكومة اليمنية دعوتها للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط من محافظتي حضرموت والمهرة وتسليم المواقع والمعسكرات إلى "قوات درع الوطن" والسلطات المحلية في المحافظات والالتزام بمرجعيات المرحلة الانتقالية والكف عن أية أعمال عسكرية أو تصعيدية تهدد أمن المواطنين وتقوض جهود التهدئة، خصوصاً أن "تفجير الجبهة الداخلية وتشتيت الجهد الوطني في هذه المرحلة الحساسة يخدمان بصورة مباشرة ميليشيات الحوثي الإرهابية، ويمنحانها فرصة لإطالة أمد الانقلاب، مما يجعل وحدة الصف الوطني اليوم ضرورة عسكرية وسياسية لا تحتمل التأجيل".
وشددت الحكومة التي يترأسها سالم بن بريك المنتمي لمحافظة حضرموت، على أن "التحركات العسكرية الأحادية التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، وإدخال أسلحة وقوات خارج الأطر الرسمية تمثل خرقاً أمنياً خطراً وانتهاكاً صارخاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وجهود التهدئة وتهديداً مباشراً لأمن المواطنين ووحدة الدولة وتعطل بصورة جسيمة عجلة الإصلاحات الاقتصادية".
وأعلن مجلس النواب "دعمه الكامل" للإجراءات والقرارات الصادرة عن مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه، بما في ذلك إعلان حال الطوارئ، وما اتخذه مجلس الدفاع الوطني من تدابير باعتبارها "إجراءات قانونية تهدف إلى حماية الدولة والحفاظ على الأمن والاستقرار".
وسيطرت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على مديريات وادي حضرموت ومحافظة المهرة، تلاها قيام المجلس بدفع وزراء في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى إعلان تأييد خطواته، مما لقي رفضاً محلياً وإقليمياً ودولياً واسعاً.
تأكيد سعودي
وللأهمية التي تكتسبها هذه التطورات على الصعيدين المحلي والإقليمي نظراً إلى المكانة التاريخية والاقتصادية التي تحظى بها محافظة حضرموت وموقعها الحساس بمحاذاة الحدود السعودية التي أوفدت فريقاً أمنياً وعسكرياً مطلع الأزمة، وهي زيارة عكست أهمية تحرك الرياض الفوري لاحتواء التصعيد داخل البلد الجار، جدد مجلس الوزراء السعودي خلال جلسته التي ترأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز اليوم "التأكيد على أن السعودية لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني". ونظراً إلى ارتباط مصير البلدين أكدت أيضاً "التزامها أمن اليمن واستقراره وسيادته ودعمها الكامل لفخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني وحكومته".
وفي تصريح يؤكد بوضوح تغليب لغة الحوار وتجنب اللجوء إلى النهج العسكري، عبر الموقف السعودي عن "أمل المملكة في أن تسود الحكمة وتغليب مبادئ الأخوة وحسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تجمع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصلحة اليمن وأن تستجيب دولة الإمارات لطلب الجمهورية اليمنية خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي للمجلس الانتقالي الجنوبي وأي طرف آخر داخل اليمن، وأن تتخذ الإمارات الخطوات المأمولة للمحافظة على العلاقات الثنائية بين البلدين التي تحرص السعودية على تعزيزها والعمل المشترك نحو كل ما من شأنه تعزيز رخاء دول المنطقة وازدهارها واستقرارها".
وفي ضوء حال الاحتدام مع الشرعية ومن خلفها الرياض، يبرر المجلس الانتقالي الجنوبي عملياته بأنها جاءت "استجابة لنداءات شعبية"، تهدف وفقاً لبيان مقتضب صدر الجمعة الماضي إلى مكافحة الإرهاب وقطع خطوط الإمداد الحوثية وضمان عائدات الموارد للمواطنين الجنوبيين.
وأكد انفتاحه على التنسيق مع الرياض، لكنه شدد على أن "إرادة الشعب الجنوبي لا تقبل المساومة"، وأمام بوادر التعامل معه بالمنطق العسكري ذاته، حذر من أن أي استهداف لقواته "لا يخدم الشراكة".
والمجلس الانتقالي الجنوبي هو كيان سياسي يمني يتبنى مشروع "استعادة الدولة" الجنوبية بدعم من دولة الإمارات.
تشكلت هيئته الرئاسية في الـ11 من مايو/ أيار عام 2017 إثر خلافات حادة بين قادته والرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، وتضم هيئته عدداً من الشخصيات المنتمية لجنوب البلاد تمثل جغرافياً ما كان يعرف بـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ويترأسه عيدروس الزبيدي الذي عين لاحقاً عضواً في مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الائتلاف المناهض للحوثيين.
(اندبندنت عربية)