2 يونيو 2025
20 ديسمبر 2022

 

منذ بدء الحرب في اليمن وسقوط مؤسسات الدولة على يد مليشيا الحوثي، ودخول البلد في موجة عنف خلفت كلفة باهظة على كافة المستويات، ظهر للسطح سياسة تحمل رائحة الموت والدم، جل ضحاياها هم من المدنيين العزل الذين لم يتورطوا بأي أعمال مسلحة، وهم في حقيقة الأمر الحلقة الأضعف في هذه الحرب.

 

من يجيد هذه السياسة هم الحوثيون الذين اتبعوا كثيرا من الطرق لإيقاع أكبر عدد من المعارضين لهم من المدنيين خاصة في مناطق سيطرتهم، وكان جهاز القضاء الخاضع للجماعة الأداة الأكبر في تمرير سياسة الموت تحت مسمى الخيانات والتجسس والتعامل مع من يصفوه (العدوان) أو من يختلف معهم على مستوى الداخل، خاصة الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

 

المئات من المدنيين يقبعون في سجون الحوثيين منذ بداية الحرب تحت تهم التعاون مع التحالف العربي، ومنه من جرى محاكمتهم في ظروف قهرية واجبارية وعبر سلطة قضائية غير شرعية ولا معترف بها، وجميعها دوافع انتقامية ضد الخصوم والمعارضين للجماعة ومشروعها الدموي القائم على اخضاع الناس ومصادرة حقوقهم وحرياتهم بل واستعبادهم.

 

لم تعد أحكام الإعدام في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تقتصر على شخص بل أصبحت تشمل مجاميع من الأبرياء، ويصدر بحقهم أحكام ويساقون إلى المشانق في مشاهد تلخص مدى الوحشية والإجرام الذي تُرتكب بحق المدنيين العزل، كما جرى مع الـ 9 الذين حكمت عليهم الجماعة بالإعدام في أغسطس 2021 وتم إعدامهم بميدان التحرير في سبتمبر 2021، بتهمة التورط في قضية اغتيال صالح الصماد، وكان مشهدا صادما محليا وإقليما ودوليا.

 

إلا أن هذه الجرائم تمر دون عقاب ودون موقف جاد وصارم على المستوى المحلي والدولي، وتحديدا المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، والتي تكتفي في العادة ببيانات الإدانة والتنديد بالجريمة، وهذا الأمر شجّع الحوثيون على مواصلة مشهد الاعدامات الجماعية بحق المدنيين، ولعل هذا يبعث رسالة لكل من يقبع تحت سطوة هذه المليشيا أن رقاب الجميع أصبحت على مقصلة الموت إن أراد الحوثي فعل ذلك وسيفعلها في الحقيقة.

 

الأمر لم يتوقف عند هذه الجريمة، بل هناك عشرات الأحكام بالإعدام، وتخرج للعلن كما حدث السبت الماضي الموافق 17 ديسمبر 2022، حين أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء التي تخضع للحوثيين بإعدام 16 شخصا متهمين بذات التهمة التي من خلال يتم التخلص من الخصوم والمعارضين وكل من لم يرق للجماعة.

 

هذه جرائم حرب مكتملة الأركان، إلا أنها تختلف في طريقة القتل ويضفى عليها القضاء الغير شرعي، وربما يحدث ذلك تحت الإكراه لتقديم هؤلاء قربان لمليشيا الحوثي وخدمة لمشروع سيء يتخذ من المظالم والأرواح والدماء وقود له، بل يتعدى ذلك في تسخير كل مقومات الحياة التي أصبحت صعبة وشاقة بالنسبة للمواطن العادي لصالحه.

 

وليس الغريب في ارتكاب الحوثيون هذه الجرائم الجماعية، فمنذ خروج هذا المشروع التخريبي فهو يمارس القتل والإرهاب والتشريد والاعتقال والاخفاء بكل الأشكال، لكن الغريب في تعامل المنظمات الدولية والحكومات التي لها تأثير على المشهد اليمني مع هذه الجرائم بكل برود، واقصى ما تفعله الرفض وبلغة موحدة لا تختلف عن منظمة أخرى أو دولة أخرى.

 

هذا التعامل يُبقي الكثير من الشكوك في استراتيجية الدول بالتعامل مع ملف أحكام الإعدام الجماعي الذي تمارسه مليشيا الحوثي في وضح النهار بل وتنشره عبر وسائل إعلامها دون مبالاة ولا اكتراث لمشاعر الناس وأهالي الضحايا وأقاربهم، وهذه الحقيقة المُرة التي يتجرعها اليمنيون على مستوى الداخل والخارج.

 

المجتمع الدولي يعتبر ملف حقوق الإنسان واحد من أدواته للنيل من الدول والأنظمة السياسية، وتعتبره وسيلة ضغط من أجل مصالح دونما اعتبار ما إذا كان هذا الملف يستحق النقاش وتحريكه في الأروقة الدولية أم لا، فهذا لا يهم، والملف اليمني واحد من الملفات التي لم تلق أي تجاوب، خاصة مع ما نشاهده من جرائم قتل جماعية ترتكبها مليشيا الحوثي بدم بارد ولنفس الأسباب والتهم.

 

 ما الذي نحتاجه كي تقتنع المنظمات الدولية والحكومات ذات التأثير السياسي الكبير أن ما يقوم به الحوثي من إبادة جماعية تعد جرائم تتعارض مع القوانين والأعراف الدولية المعنية بحقوق الانسان وحرياته؟ هذا السؤال الذي ربما لا يمكن أن نجد له إجابة واضحة من اللاعبين الدوليين في الملف اليمني، وفي الحقيقة لن يتحدثوا أو يثيروا هذا الملف الذي ينال من حق الإنسان وحرياته وحياته.

 

في السجون وحدها ينتظر المئات من المعتقلين مصيرهم بعد صدور أحكام إعدام بحقهم بذريعة التواطؤ والعمالة والخيانة وتحت مسميات مطاطة تكشف عنجهية هذه الجماعة وهي تحوّل العزل إلى مجرد مجرمين وخونة أسماء وأرقام تكتب في سجلات المحاكم، سنخسر الكثير منهم في ظل هذا الصمت المخيف والضعيف، والجبان أيضا، نحن مجرد شهود على هذه الجرائم فقط، لأننا لم نقم بشيء لمنع المجازر الجماعية التي أصبحت المحاكم في مناطق الحوثي شاهدة على ذلك.

 

وحتى المنظمات المحلية التي صدعت رؤوسنا والعالم بحقوق الإنسان، فهي الآن تصمت عن هكذا جرائم تُرتكب في أروقة المحاكم الغير شرعية، والتي يديرها الحوثيون كما يريدون، لا يمكن لسلطة رسمية أن ترتكب مثل هذه الجرائم، عدا في الدول الديكتاتورية القمعية، لكن في اليمن يعيش المدنيين بين سلطين أحدها بتركيبة مليشياوية دموية، وأخرى عاجزة فاشلة عن فعل شيء لحماية المدنيين وفق ما حدده الدستور والقانون.

 

بالمحصلة لا توجد تهم لكل من صدر بحقهم أحكام إعدام، بل هي الطريقة الأقصر التي يلجأ اليها الحوثيون لتصفيتهم عبر قضاة منزوعي الضمير والأخلاق والمبادئ والأمانة، وهم يدركون تماما أنها محاكمات ظالمة وغير عادلة وغير شرعية، ويذهب بسببها أرواح بريئة.

 

نحن مسؤولون أمام كل ما تفعله هذه الجماعة بحق الناس، مسؤولون تجاه كل هذه الاعدامات الجماعية التي بسببها نخسر أبرياء عُزّل لا علاقة لهم بالحرب ولم يكونوا يوما أمراء فيها.

 

ثمة مسؤولية أخلاقية كبيرة تقع على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية التي لها اليد الطولية في اليمن، مسؤولية يجب التنبه لها وتحملها أملا في وقف ما يمارسه الحوثيون عبر المحاكم للانتقام من الخصوص والمعارضين.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI