ربما منح الهدوء العسكري في جبهات القتال منذ أشهر، محافظة مأرب، فرصة أخرى لإقامة معرض الكتاب الثاني، اذ شهدت في شهر فبراير 2021 أول معرض في المدينة المكتظة بقرابة مليون نازح من مختلف الجغرافيا السكانية للبلاد منذ اندلاع الحرب.
وعنون المعرض الثاني للكتاب شعاره بالديوان الثاني (مأرب يتكلم) في مسيرة الشاعر والأديب الراحل عبدالعزيز المقالح.
وبرزت أيقونة المعرض للشاعر المقالح تكريماً في دورته الثانية، يستضيف خلالها عدد من دور النشر والمكتبات العربية، بقرابة 30 ألف عنوان في مختلف المجالات.
ويشكل هذا المعرض محطة أولى في حضور وشاعر اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح رغم رحيله، إلا أنها تعد تذكير لمسيرته الأدبية والثقافية في المناسبات الثقافية، حيث يعتبر معرض الكتاب الثاني في مأرب البادرة الأولى لإحياء المقالح بين أوساط اليمنيين وكل محبيه حتى خارج الحدود اليمنية.
دلالة التسمية
يسعى معرض الكتاب الثاني في مأرب لإخراج الناس من أجواء الحرب والظروف المتردية التي لم تترك للناس متسعا من الراحة والاستقرار والأمان، وهو ما أكده الدكتور فاروق ثابت في حديثه لـ " يمن فريدم" بالقول: " تنظيم معرض الكتاب في مأرب يعد بادرة جيدة من حيث إخراج الناس من أجواء وهواجس الحرب، إلى الأوضاع الطبيعية التي من المفترض أن يعيشها الشعب اليمني ككل، في الوقت الذي يجب الاشارة فيه أن الكتاب ورمزيته تكمن في التنوير الثقافي والعلمي الذي يتصادم مع الفكر الكهنوتي القائم على الجهل والتخلف.
وأشار الدكتور فاروق إلى ابعاد تسمية معرض الكتاب على اسم ديوان للراحل الشاعر الكبير المقالح وذكر لـ "يمن فريدم": "إن تسمية المعرض باسم احدى مؤلفات عملاق الأدب العربي الدكتور عبدالعزيز المقالح له بعدين، الاول كتكريم لهذا الرمز الأدبي الذي يعد احدد رموز مدرسة الحداثة الشعرية في الأدب العربي، والثاني تقديرا ولو بسيطا لنضالات ووطنية الرجل والذي شكل جبهة ضارية ضد الكهنوت الأمامي سواء في اجتهاده التنويري الثوري عبر اجهزة الإعلام أو من خلال مؤلفاته الأدبية وقصائده الثورية ضد إمامة الجهل والتخلف والحقد والفقر والمرض".
انتاج أدبي وتحديات
ويعد معرض الكتاب بما يحمله من أسماء وحراك ثقافي في محافظة تقع على خطوط النار بارقة أمل كبيرة، ويرتقي معه الكم الأدبي اليمني الذي حضر في هذا النشاط الثقافي الأبرز الذي تعيشه مأرب هذه الأيام، ويرافق هذا الحدث نقطة ضوء للإنتاج الأدبي والفكري الذي يمثل الجناح اليمني بين العشرات من دوور النشر، وهذا الإنتاج لم قد يكون ليس بمستوى الحدث نظرا لظروف البلاد والتحديات التي تواجه الكاتب والأديب اليمني، وفي هذه النقطة ترى الروائية اليمنية فكرية شحرة في حديثها لـ "يمن فريدم"، أن التظاهرات الثقافية في مأرب وتعز وإن كنت نادرة في ظل الحرب تمثل نافذة أمل ومقاومة من نوع آخر لتطبيع الحياة الآمنة".
وتشير الروائية فكرية في حديثها إلى الإنتاج الأدبي اليمني في الوقت الراهن ومشاركته في معرض الكتاب الذي تحتضنه محافظة مأرب، وتقول: " إن البلاد لا تحظى بهذا الجانب، نظرا لرداءة الورق أو انعدامه وغلاء الطباعة مع ذلك هنالك دور نشر تحاول جاهدة تغطية احتياج الكتاب للطباعة ولو في الحد الأدنى".
وتسرد الروائية "شحرة" معاناة الكاتب والأديب اليمني خلال مرحلة الإنتاج: " يعاني الكاتب والأديب اليمني بالذات من غياب دور النشر المتخصصة في المراجعة والتنسيق والطباعة داخل بلده، هو يعاني من تكلفة النشر والشحن من خارج البلاد والقلة من يصلون إلى نشر كتبهم في الخارج رغم كثافة الإصدار اليمني مؤخرا من خلصة أدب الحرب ومعاناة هذا الشعب".
وتتابع في الحديث: " يوجد كثافة في الإنتاج الادبي يقابلها قيودا كثيرا في النشر على راسها التكاليف المادية والوضع الامني وغياب دور النشر".
انطباعات
أخذنا آراء وانطباعات عن معرض مأرب للكتاب الذي حمل عنوان ايقونة أدبية وثقافية معاصرة (المقالح) وما يشكله من رمزية لهذا المعرض في ظل هذه الظروف والتراجع في الجانب الأدبي الذي له أسباب وأولها الحرب التي تدخل عامها الثامن يرافق ذلك قيود كثيرة على مستوى البلاد.
وكانت البداية في الاستطلاع مع محمد الروافي (طالب جامعي) الذي أبدى انطباعه وسط المعرض الثاني للكتاب في مأرب، بالتفاؤل وابراز جانب واهتمام آخر للسلطة المحلية،على حد قوله.
ويرى الروافي أن استمرار كمثل هذا المظاهر الثقافية يعطي ولو شزر أمل بالتغيير للأفضل حتى وإن ما تزال الحرب تمزق المجتمع اليمني اقتصادياً واجتماعياً.
فيما تقارن مها الجوفي بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة الشرعية، لافتة إلى أن في مناطق الاخيرة شاسع من الحرية والنقد لدورها والأوضاع القائمة، وهي تحاول اضفاء طابع ثقافي وصورة أخرى، لكن أي حراك ثقافي لا يكتمل الا في ظل استقرار اقتصادي وأمني فليس كل الناس لديها الاستعداد أو تنتظر حدث كهذه للتنفيس ولديها همومها، حد تعبيرها.
وشهد المعرض حضور وإقبال كبيرين، ويشهد مساحات للندوات والأمسيات والفعاليات الفنية والعاب للأطفال ومعرض صور ورسوم تشكيلية، وأجنحة لوسائل الاعلام والشركات الراعية والمشاركة بالمعرض، ويحتفي يوماً بصورة لأيقونة من الأدباء والشعراء اليمنيين.
من جهته يقول أحمد الحزمي في جناح مكتبة الوليد بالمعرض، إن هناك تفاعل واقبال جيد يدل على تعطش المجتمع اليمني للمظاهر الثقافية والقراءة علها تسافر بهم إلى عالم آخر بمنأى عن الحرب وتباعتها.
وتقول الهيئة العامة للكتاب إن إقامة المعرض في محافظة مأرب له أهمية في نطاق عمل السلطة بالمدينة بما يتعلق بالمعرفة والعلم في تنوير العقول، ازاء ممارسات جماعة الحوثي في مناطق من تغيير في الهوية والمناهج التعليمية وفرض نمط مجتمع طائفي بالخرافة والجهل.
ويأمل الكثير أن تستمر هذا الحراك الثقافي في المحافظات النائية والمتأثرة بالحرب كمحافظة مأرب التي أصبحت تمثل أهمية وطنية وثقافية للغالبية من الناس، الذين أدركوا الأمر وما له من أثر على المدى البعيد من الناحية الثقافية أولا وباقي النواحي ثانيا.
صور من معرض الكتاب الثاني في مأرب (المصدر: حساب المعرض على فيس بوك)