تنقلات محمد علي الحوثي في محافظات مناطق سيطرة الجماعة الحوثي هي رسائل خارجية وداخلية في لحظة تعاني الجماعة من قلق الانتفاضة عليها بعد ان تعرت قدرتها على الحكم والظهور بمظهر الدولة لا الضبط والسيطرة.
يستفيد محمد الحوثي من غياب ابن عمه عبد الملك ليجسّد الكيان الحوثي ويجعل من عبد الملك زعيماً روحياً غائباً عاجزاً عن الحكم وبلا خبرة ميدانية ولا قدرة اتصال ولا علاقات، وهذه حقيقة أزمة الحوثية العاجزة عن غرس دولتها كبديل ايديولوجي وكيان مؤسسي بشخصيات رمزية.
تقتات الحوثية مؤسسياً من كيان الدولة اليمنية، ولا تستطيع تجاوزه رغم ما تفعل من جهود لطمس معالم دولة اليمن لصالح تصور ايديولوجي هوياتي ضيق مع تسفيه تاريخ الجمهورية اليمنية منذ 26 سبتمبر 1962 وإحياء صورة الإمامة في أذهان اليمنيين بتجميلها وتجميل حتى ما هو قبيح فيها.
فإذا استمرت الحوثية في العمل بكيان الجمهورية اليمنية عليها العودة إلى المؤسسات السابقة، وهذا يعني أن يكون عبد الملك الحوثي هو أعلى سلطة تنفيذية، لكنه لا يستطيع.
وهذه الجماعة عاجزة أيضا عن خلق هرمية سلطوية متمثلة بعبد الملك الذي يعيش تحت وصاية المغامرين المحليين أبناء عمه والوصاية الإيرانية الخارجية التي تمسح عليه شكلياً قداسة عابرة لليمن (سماحة السيد).
فما هو منصب محمد الحوثي واين موقعه من الحوثية كأيديولوجيا وكيان مؤسسي؟
ما هي حدود سلطته وشرعيته؟
كيف له أن يعظم من سلطاته وحضوره الرمزي بين أعناق مشرئبة للسلطة؟
محمد الحوثي أقدر على المناورة الإعلامية ويريد يكون كياناً داخل الكيان الحوثي كما هي الحوثية كيان داخل شبه أو نصف الدولة التي ورثوها.
وبقاؤه ونجاح مسلكه الإعلامي في الظهور لا يكونان إلا أولا بإزاحة خصومه الأقربين لعبد الملك (تصفيات، قتل، استشهاد، غياب…) أو من خلال أزمات اجتماعية يتحرك لمعالجتها بطريقته ويرفع رصيده محلياً حتى يصبح هو الدولة الحوثية.
من موقعه الحالي يبني صلات محلية كبيرة تجعله الحل لكل مأزق ويضطر المنافسون الآخرون الامتثال لرغبته ويبني صلات خارجية ليكون حلقة الوصل والمرشح المقبول في حال عملية سلام.
لكن السلام يعني بقاء منافسيه والحرب تقلصهم، ثم أن الجماعة الحوثية منذ ما قبل الهدنة تعيش انتكاسة سلطة. توقفت قدرتها على اقناع الناس بأنها قادرة على الحكم وإقامة الأمن وتوزيع الثروة ومواجهة الأزمات، وتعمل على ترحيل عجزها إلى عدو خارجي هو الحصار والعدوان والحرب، وربما كانت تعول على الانقضاض على ثروات مأرب كوسيلة لجلب ثروة واعادة توزيعها.
فشلت حملة مأرب وكانت باهظة الثمن في العتاد والأرواح، ايضا تقلص نشاط التحالف عسكريا منذ ثلاث سنوات، ثم جاءت الهدنة. تعرت الحوثية. واصبحت على مواجهة مباشرة مع استحقاقات المواطنين.
مقابل هذا، تراكم بطش الجماعة الحوثية وسلبها لأموال الناس وسياساتها في انتقاص ثرواتهم والاستيلاء على أراضيهم.
وافرطت في ابداء عدوانيتها اثناء الهدنة المنتظرة طويلاً بل وذهبت إلى تدمير منشآت وطنية في شبوة وحضرموت وهذا أزال عنها صفة المدافع عن السيادة الوطنية، وفي أول لحظة هدوء انفجرت المطالب.
منذ شهور تعددت الاضطرابات في أكثر من مكان، غاب البعد الرمزي للحوثية لأن عبد الملك يظهر في خطبه المصورة بعيداً عن واقع الناس ومجرد عابد بلا حنكة ولا كاريزما.
كان لا بد من منقذ وهذه فرصة محمد الحوثي، لكن حضوره المفرط الذي يكلل باحترافية في تعظيم شعبيته على حساب مرجعية عبد الملك الروحية يضعه في قلب الصراع الداخلي الخطر.
يسعى منافسو محمد الحوثي التلطي بشخصية عبد الملك والمبالغة العلنية في إبراز حبهم له وتعظيمه وتأليهه ليحظوا بموافقته ويظهرون أقرب إليه في عيون الناس وهكذا يستمدون شرعية منافستهم مع محمد علي الحوثي، إلا أنهم مقيدون بمواقع إدارية على عكس محمد الحوثي الذي يعتبر الحاكم الفعلي في دولة الحوثة.
لن يتأخر هذا الصراع في الظهور بشكل دموي خصوصاً مع غياب مؤطِرة إيراني قادر على جمع خيوط اللعبة وكبح جماح المغامرين بعد مقتل ايرلو.
ثم أن عبد الملك نفسه سيضطر إلى مزاولة الحكم ليلجم المنافسة ويجسد حضوره، ولهذا إما يصبح شخصا إداريا أو يلغي الجمهورية ويعلن نفسه زعيما دينيا (إمامة) وهذه خيارات غير ممكنة على حد اللحظة.
"من صفحة الكاتب في فيس بوك"