مع سنوات الحرب أصبحت ظاهرة تدخين "الشيشة "لدى النساء اليمنيات متفشية بشكل كبير بعد أن كانت حكراً على الرجال، فقد تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى النساء في التجمعات واللقاءات خاصة في جلسات مضغ القات.
وأصبحت هذه الظاهرة عنوان للتجمعات النسائية في المناسبات وتخصيص أوقات طويلة للتدخين وتناول القات، وبات الأمر ظاهرة ما يشبه الإدمان لدى الكثير من النساء اليمنيات لقضاء أوقات الفراغ نظراً لعدم وجود انشغالات أو عمل أو أشياء أخرى أو هروباً من الوضع الذي يعيشه البلد جراء الحرب.
ولم تقتصر ظاهرة تدخين الشيشة وتناول القات بين النساء على المنازل فقط بل امتدت إلى حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى، فالكثير من النساء يعتبرن ذلك فرصة للتجمعات والاستمتاع بالوقت مع صديقاتهن حد تعبير الكثير.
وقت مهدور واهتمام معدوم
مع هذه الظاهرة تقضي الكثير من النساء أوقات يقال عنها أوقات فراغ يقابله اهمال لجوانب أخرى مهمة في حياتهن كالاهتمام بالأكل والشراب، والالتزامات الأسرية، إلا أن ما يحدث العكس تماما، فتقول سميرة (اسم مستعار) 27عاما لـ "يمن فريدم" إنها لا تهتم بالطعام أو الشراب بقدر اهتمامها بجلسات الصديقات اللاتي يخففن عنها الوضع المعيشي والاقتصادي، وتعتبر ذلك محاولة لتنسى به كدر الحياة الذي تعاني منه مع زوجها، وبصوت خالي من المسؤولية تتحدث عن طفليها اللذين لا تراهما إلا وقت النوم لأنهما بين أحضان أجدادهم الذين يقومون بالاهتمام بهما طيلة اليوم.
وعلى ضوء ذلك يوضح أخصائي أمراض نفسية واجتماعية عبده محسن الشليلي لـ "يمن فريدم" أن ضغوطات الحياة تجعل الإنسان غير متوازن نفسياً وجسدياً فبذلك يسعى لاستعادة توازنه و يعوض نفسيته ويبحث عن راحته وبهذا يستخدم أو يتناول أي مواد تعيد توازنه ومنها القات المتواجد في اليمن الذي يعتبر أغلب المجتمع اليمني مدمناً عليه مما يسبب أضرار نفسية وجسدية واقتصادية واجتماعية بغض النظر عن بعض فوائده ، حيث أن الفترة الأخيرة لوحظ تعاطي النساء للقات بشكل مفرط ومتزايد خصوصاً عند الشابات وعدم اكتفائهن بالقات بل تطور الأمر بوجود الشيشة التي لها أثار نفسية كبيرة على النساء خصوصاً الشابات والحوامل والمرضعات حيث يوثر عليهن نفسياً وجسدياً ومن الأضرار النفسية القلق والاكتئاب وهذا يؤثر على النساء أكثر من الرجال لخصوصية المرأة من الانزيمات التحسسية لديها لمادة الكافين الموجودة بالقات، وكذلك الدورة الشهرية التي تستنزف طاقة المرأة".
مخاطر وأضرار صحية
تشكل هذه الظاهرة مخاطر كثيرة لدى النساء تحديدا مقارنة بالرجال من الناحية الصحية بالدرجة الأولى ومن الناحية الاقتصادية والاجتماعية بالدرجة الثانية، ومع غياب الوعي والتوعية المجتمعية تستمر الظاهرة على نحو متزايد وتتراكم معها التداعيات على النساء خاصة الشابات.
وتعليقا على هذا الموضوع تقول اختصاصية النساء والولادة هناء حسن السقاف لـ "يمن فريدم" إن "تناول القات مشكلة كبيرة لأن أضراره أكثر من نفعه، ومنها أضرار اجتماعية كالتفكك الأسري بين الأبناء والأمهات، وأما من الجانب المادي فهو المشكلة الأساسية حيث أن المرأة تسعى لشراء القات بأي طريقة، بدلاً من شراء الأشياء المفيدة لنفسها أو لأبنائها مما يسبب ادمان القات إلى بعض الأمراض التي تصيب الأسنان وأمراض تصيب الجهاز الهضمي مثل الإمساك وجفاف الجسم مما يؤدي إلى أمراض الكلى، وتضيف: " لو قمنا بدراسات لوجدنا أن القات له علاقة بالإسقاطات والولادة المبكرة أما عن الشيشة فهو يسبب تشوهات خلقية مثل الشفه الارنبية وغيرها من أمراض القلب وارتفاع الضغط وفقر الدم الانيميا لأنها تمنع مدمن القات أو الشيشة من الأكل الصحي".
المجوهرات مقابل نبتة قات
مع تفشي هذه الظاهرة لم تسلم النساء من التداعيات الاقتصادية المكلفة بسبب تناول القات وتدخين الشيشة خلال أوقات الفراغ، وهو ما لجات اليه أسرار علي (اسم مستعار) والتي تحدثت عن هذه الجزئية، وذكرت انها لجأت لبيع مقتنياتها كالمجوهرات بفعل الإدمان على هذه الظاهرة حتى لا تتخلف عن جلسات المقيل في إشارة لتمكسها بقضاء اوقاتها مع صديقاتها، وتقول بصوت غير مبالي " المال والذهب يتعوض ولكن الوقت مع الصديقات في ضل القات والشيشة لا يتعوض".
وتؤكد الصلوي أن إدمان النساء على تعاطي الشيشة والقات في المجتمع اليمني أصبح يؤثر على الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة بشكل عام وبالنسبة لمصطلح إدمان في تخصص علم الاجتماع هو عدم قدرة الشخص على الاستغناء عن الشيء المدمن عليه حيث صار شي مسلم به وركيزة أساسية في حياته.
وضع معيشي واقتصادي كارثي
مع استمرار هذه الظاهرة تتفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتزداد تدهورا خاصة لدى لسرة التي تخصص جزءا كبيرا من ميزانيتها لشراء القات والشيشة، وهو ما ينعكس سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، خاصة لدى الأطفال الأكثر تأثيرا من تدهور الحالة المادية لأسرهم والذي ينتج عنها قصور في تلبية المتطلبات.
وتفيد دكتورة علم الاجتماع انتصار الصلوي في هذا الجانب بالقول "إن الوضع الاقتصادي الصحيح للأسرة هو تفكير الأم في كيفية تلبية متطلبات والاحتياجات الأساسية للأبناء في الملبس والغذاء الصحي المتوازن والذهاب للحدائق ومنتزهات، فالأم في للوقت الحالي تعمل عكس ذلك عندما تقلل من المصروف الخاص وتدخره لشراء القات، فيعاني الأولاد من هذا الوضع بسبب تدني المستوى المعيشي، وأيضاً رؤية أنفسهم دون الآخر ويشعرون بدونية بسبب أصدقائهم الذين يمتلكون مستوى عالي من وجبات الإفطار والملابس والمصروف اليومي".
وتشير الصلوي في حديثها إلى التداعيات التي تنتج عن استمرار تناول القات وتدخين الشيشة إلى أوقات متأخرة من الليل، وتوضح "أن قضاء الوقت الطويل في مقايل القات بين النساء التي تستمر من العصر الى منتصف الليل تشكل مشاكل وجوانب لها تأثيرات سلبية في صحتها ونفسيتها وأسرتها ففي البداية كنا نري أن الرجال هم من يتعاطون القات بشكل كبير جداً والنساء بشكل طفيف أما الآن أصبح مشكلة لأن المرأة لها ميزانية خاصة من مصروف البيت و كمية متوازية مع الزوج أو أقل بقليل وهكذا الوضع الاقتصادي أصبح لا يسمح بسبب مطالبة الزوج باستمرار بمصروفها اليومي بجانب مصروفها من القات الذي له أسعار مرتفعة وخياليه في بعض الأحيان ومن أين سيأتي الزوج بمبالغ مالية إذا كان دخله ضعيف.
التوعية لتخفيف من العادات والتقاليد
أصبح الوضع أكثر صعوبة للحد من إدمان القات والشيشة، البيئة الاجتماعية اليمنية والعادات والتقاليد وهي المسيطرة على الجلسات والمقيل بين النساء، ولكن قد توجد بعض من الحلول لتخفيف تعاطي القات والشيشة من خلال إيجاد بدائل كافية لشغل المرأة بدل من اهدار الوقت في هذه العادة الاجتماعية.
وفي ذات السياق يقدم الدكتور الشليلي بعض النصائح لنساء لتخفيف منها انشغالهن بالعمل أو قضاء الوقت بالاطلاع أو مشاهدة البرامج المفيدة.
وتضيف الصلوي على كلام الشليلي انه يمكن التخفيف من تعاطي القات من خلال الذهاب إلى المنتزهات والجمعيات التوعوية والندوات واللقاءات والانشغال بأشياء أخرى مفيدة كتشغيل المسارح ومراكز ترفيهية.
وتؤرق هذه الظاهرة كاهل الأسر في ظل الأوضاع المتدهورة التي تسبب بها الحرب منذ نحو ثمان سنوات، الأمر الذي يفاقم من الوضع المعيشي برمته ويجعله على المحك، خاصة مع غياب الانفراجة للوضع الذي يمر به اليمن، والأسر التي تكابد من أجل توفير لقمة العيش، وهو ما يبقي الأسر على هذا الحال، خصوصا تلك التي غرقت في ظواهر اجتماعية كثيرة مع الحرب وظاهرة التدخين والشيشة أكبر مثال على ذلك.