معبود الجمال والإبداع.. كان شعاراً لكوكبة من كُتّاب القصة والسرد اليمنيين، بعد أن تعرضهم للإقصاء والتهميش.
عزم الجميع على أن يكن لهم كيان خاص، يحتضنهم، ويحتوي إبداعاتهم، بعد أن كانت المقاهي وساحة كلية الآداب هي متنفسهم الوحيد لإثبات وجودهم، فجعلوا من القمر الإله "إل مقه" معبود الجمال والعطاء والإلهام لدى سكان جنوب شبه الجزيرة العربية- اسماً لناديهم.
وكانت سنة 1990 مولد هذا النادي الذي أصبح منارة أدبية عريقة باعتراف خطي محلياً وعربياً، ويقصده كل مبدع في مجال القصة والرواية.
ولم يتوقف هذا الصرح الأدبي عن إقامة فعاليته عصر كل أربعاء منذ تأسيسه، على الرغم من غياب الدعم المادي، عدا ما يجود به أعضاؤه ليحافظوا على بقاء كيانهم شامخاً، كونه يمثل مصدر فخر واعتزاز لهم.. ولعل هذا الاعتزاز كان المحرك الأساس لبقاء هذا الصرح صامداً أمام ظروف الحرب التي أجبرت العديد من المؤسسات الثقافية على وصد أبوابها، وظل يمارس حراكه الثقافي والأدبي حتى يومنا هذا رغم المعوقات والعقبات التي ذللها بفضل أسرته المتماسكة.
النواة الأولى
تحدث القاص والروائي محمد الغربي عمران عن اللقاء الذي جمع مجموعة من كتاب القصة وكانوا هم النواة الأولى في تأسيس النادي عام 1990، بعد أن أحسوا بالإقصاء والتهميش للقصة، مقارنة بالشعر وسطوته في وسائل الإعلام والمحافل الأدبية. فنشط الأعضاء كونهم كتاب في إثبات وجودهم، كصالح البيضاني، عبد الكريم المقالح سامي الشاطبي ، أروى عثمان، نادية الكوباني وجدي الأهدل، والغربي عمران، وهم كثر، لينظموا مهرجاناً للقصة في مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بصنعاء، ثم المهرجان الثاني في قاعة مؤسسة العفيف الثقافية، تلاه مهرجان ثالث برعاية وزارة الثقافة جمع كتاب كثر من محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى كتّاب من دول عربية، ثم أقيم المهرجان الرابع في المركز الثقافي بصنعاء، والذي أفتتحه رئيس الوزراء السابق علي محمد مجور، دعي إليه أكثر من مائتي قاص وقاصة من عموم الجمهورية، وأكثر من ثلاثين أديب غربي.
وذكر عمران بأن النادي مارس أنشطته بدعم من وزارة الثقافة حتى عام 2013 حيث قُطع كل دعم بعدها، ليمارس النادي ندواته الأسبوعية في ضيافة اتحاد البرلمانين اليمنيين السابقين في مقره بصنعاء.
وقال بأن هناك نشاط دائم للنادي عبارة عن مجلة إلكترونية تصدر بين وقت وآخر، بالإضافة إلى إصدار كتب للأعضاء، كما وأنه مهتم بالشباب من خلال إقامة ورش عمل تدريبية حول فن السرد، وطاولات نقاش لنصوص شبابية، وإقامة حفلات تكريم لرموز السرد والمبرزين فيه، ودائماً ما يركز النادي على مناقشة الإصدارات الجديدة.
أصل التسمية
وعن تسمية النادي قال الغربي عمران بإنها جاءت لشعار مدمج بين الهلال والقمرية والشراع.، وإلـ مقه كلمة من مفردتين "إلـ" إله.. "مقه" قمر، أي القمر الإله، وهو معبود الجمال والإبداع لدى سكان جنوب شبه الجزيرة العربية.
وأوضح بأن لا عوائق أمامنا طالما نلتقي ونتحاور، وبأنه لا يوجد مقر لنادي القصة لعدم وجود داعم.
وقال: يمكن أن نلتقي في مقهى، أو هامش مقبرة، الأهم نلتقي ونتحاور.. فما بالك ان أستضافنا اتحاد البرلمانيين وقالوا المقر مقركم! وبذلك ننشط كأفضل ما يكون.
وفي نهاية حديثه أمِل عمران أن تعاود وزارة الثقافة دعمها، وبالذات لإقامة مهرجان صنعاء للرواية في دورته الخامسة.. لكن -حسب قوله- لا وزارة تُعنى بالثقافة، ومع ذلك نعمل في ظروف المتاح.
ارتباط بالموروث
أما الكاتب الروائي والمسرحي منير طلال أشار إلى أن طبيعة الاسم "المقه" يرمز الى إله القمر في الحضارة السبئية والحميرية، وهو نوع من الارتباط بالموروث والتاريخ اليمني القديم، فأجدادنا، حد قوله، نسجوا مئات الحكايات والقصص التي مازلنا ننهل منها حتى اليوم، ونأمل أن يكون النادي منصة للجميع يقدمون فيها وعبرها إبداعاتهم الأدبية والفكرية.
البدايات
القاصة والأديبة المعروفة، نجات باحكيم، أكدت على ما قاله الغربي عمران عن بدايات تأسيس النادي مطلع التسعينات بصنعاء من قِبل عدد من كتاب وكاتبات القصة والرواية، وذلك نتيجة لسيطرة الاجناس الأدبية الاخرى وغياب السرد في المشهد الأدبي اليمني.
ونظراً لقلة اهتمام اتحاد أدباء وكتاب اليمن ووزارة الثقافة بالمجال القصصي والروائي، جاءت فكرة إنشاء ناي خاص بكتاب السرد في مجال القصة والرواية والنقد والكتابة المسرحية والقصة القصيرة جداً والنصوص المفتوحة والمقالة، وما شابه ذلك من السرد.
إنشاء فروع
وقالت باحكيم: "نشطت مؤسسة نادي القصة في جمع كتاب وكاتبات القصة والرواية، وجمعهم ضمن هذا الكيان من مختلف محافظات اليمن. وعملت على إنشاء الفروع في عدد من المحافظات، حيث ينفذ أنشطة ثقافية أسبوعية في مقره الرئيسي بصنعاء، وندوات احتفائية بالإصدارات الجديدة، وورش تدريبية في السرد للشباب، إضافة إلى تكريم الرواد في مجال القصة والرواية".
مهرجان موسع وانقطاع للدعم
وتطرقت باحكيم إلى المهرجانات التي أقامها النادي، حيث كان المهرجان الأول للقصة عام 1998 في صنعاء، دعي إليه جميع كتاب وكاتبات القصة من المحافظات، تبعه المهرجان الثاني والثالث، مشيرة إلى أن المهرجان الرابع للقصة والرواية كان موسعاً، بحيث دعي إليه كتاب من دول عربية مختلفة منها: المغرب وسوريا ومصر والسعودية وعمان وقطر والعراق، إذ كان المهرجان الرابع برعاية وزارة الثقافة.
وذكرت بأن نشاط النادي استمر في إصدار الأعمال الأدبية لأعضاء وعضوات النادي، واستضافة الأدباء من المحافظات، مع تكريس واستمرار انشطته مساء كل أربعاء بجهود أعضائه رغم انقطاع دعم وزارة الثقافة نتيجة لظروف الحرب.
أنشطة وفعاليات
وألمحت الروائية، نجاة باحكيم، إلى أن النادي أصدر مؤخراً كتاب بعنوان (الرواية في اليمن تجديد وتجريب) وذلك عن دار عناوين في القاهرة، ضم ما يزيد عن خمسين مشارك من داخل وخارج اليمن، حيث تكون الكتاب من جزأين: الجزء الأول خاص بالدراسات النقدية، والجزء الثاني خاص بشهادات الكتاب وتجاربهم الإبداعية.
وتحدثت عن الأنشطة التي يقوم بها النادي بشكل أسبوعي كل أربعاء، كالندوات والفعاليات والأمسيات الثقافية والأدبية المتنوعة منها:
1- الاحتفاء بالإصدارات الجديدة.
-2 تكريم المميزين من الكتاب.
-3مناقشة مسودات جديدة.
-4 إقامة ورش تدريبية في كتابة السرد والنقد.
-5تنظيم ندوات وربطها عبر الزووم لإتاحة المجال لمشاركة الكتاب من داخل المحافظات وخارج اليمن.
-6 إقامة أمسيات خاصة لقراءة نصوص الشباب ومناقشتهم.
-7 استضافة أدباء مكرسين لمناقشة أعمالهم وإصداراتهم الأدبية للاستفادة منها.
-8 استضافة بعض الفنانين التشكيليين والموسيقيين للربط بين السرد والأجناس الأدبية المختلفة.
-9 إقامة ندوات وأمسيات إحياء الموروث الشعبي.
-10 تنفيذ دورات تدريبية في فن كتابة القصة والرواية.
-11 تبني النادي إصدارات متنوعة خاصة بالقصة القصيرة منها: إصدار وميض متجدد، الإصدار الأول والإصدار الثاني، وقيد الجمع والإعداد وميض متجدد الجزء الثالث، يتناول فيه معاناة المجتمع من أثر الحرب، والإصدار الرابع للكتاب الجدد حول قصص إبداعية ومجتمعية مختلفة.
-12 برامج وأنشطة مختلفة ذات علاقة بالسرد القصصي والروائي.
إلى جانب عقد ورشات عمل حول أحد المضامين المهمة لكتابة القصة والرواية.
زووم
وأشارت باحكيم إلى أنه يتم عمل أمسيات واستضافات عبر الزووم لأدباء يمنيين وعرب، آخرها الأربعاء قبل الماضي؛ تم الاحتفاء براوية (غ واية روح) لأديبة سورية الأصل وتسكن في القاهرة عبير العطار، وهي إحدى عضوات النادي كغيرها من أدباء عرب.
لافتاً إلى أن عضوية النادي (إل مقه) واسعة الأفق، لتشمل جميع الأدباء اليمنيين والعرب، ولتصنع جسر من التواصل الأدبي وتبادل الثقافات.
المعوقات
وذكرت نجاة باحكيم أن المعوقات التي يواجهها نادي القصة هي عدم وجود دعم من أي جهة خاصة أو حكومية، عدا دعم خاص بإيجار المقر تم الحصول عليه من وزارة الثقافة بعد متابعة وعناء، وفي السنوات الأخيرة تم إيقاف الدعم لأسباب تعود إلى صندوق التراث والتنمية التابع لوزارة الثقافة.
متمنية أن تزدهر الحركة والمشهد الثقافي بكافة أشكاله وتجنيساته الأدبية في اليمن، لاسيما إن استقرت الاوضاع السياسية والاقتصادية، وتم رفع الحصار وانتهت الحرب.
تفاؤل
ونوهت إلى ازدياد عدد الأدباء.. وذلك مما تم ملاحظته من ازدياد الحضور لفاعليات النادي من الأعضاء ومحبي الادب، وطالبي الحصول على عضوية النادي من كتاب القصة والرواية والقصة القصيرة جداً، والنصوص المفتوحة، خاصة فئة الشباب من الجنسين، وهذا ما يجعلنا نتفاءل بأن القادم أفضل بإذن الله.
ونحمد الله الذي أعاننا ونحن في وضع جرائم حرب مكتملة الأركان، وجعلنا من الصامدين وأعطانا من فضله المزيد.
الأدب مترابط
وعن سؤاله في الربط بين المسمى الحراكي (إل مقه) والنشاط الأدبي، أو لماذا هذا الاسم بالذات؟
قال الشاعر والقاص نجيب التركي أن الأدب ككل، مترابط مع بعضه البعض، وكل جنسٍ أدبيّ يُعتبر مُكمّلًا للآخر، أو مشتق منه.
وأردف قائلاً: "أما عنما تفضلت به عن المسمى الحراكي (إل مقه) ونشاطه الأدبي، فالحديث عنه قد يطول بعض الشيء، موجزاً ذلك بأن مُسمى (إل مقه) لم يأتي من فراغ، والباحث عن الاسم سيجد أنه (إله القمر) بالنسبة لليمنيين القدامى، والربط بين الأصالة والمعاصرة واجب على الأدب بشكل عام والأديب بشكل خاص".
النشاط مستمر
وعن نشاط النادي أكد التركي بأنه مستمر حتى في خضم الحرب، على غرار أن هناك الكثير من المؤسسات الثقافية التي توقفت نتيجة للحرب الدائرة، أو ربما، لضعف رؤى القائمين عليها.
مرجحاً السبب الأول، كسبب رئيسي بأنه يحد حتى من رؤيتنا للعالم بعين مجردة.
وأرجع السبب الرئيسي لتسمية النادي بهذا الاسم بالذات، من وجهة نظره إلى أنه: يُعبر عن مدى فخرنا واعتزازنا كأدباء بماضينا الذي لا نحاول ولن نحاول الفكاك عنه، فمن لا ماضي له، ليس له من مستقبل يذكر.
نهوض بساق خشبية
ولفت نجيب التركي إلى بدايات النادي كما حدثوه مؤسسوه الأوائل، كانت فعالياته مرتبطة بوزارة الثقافة، من ثم استقل بذاته، ومن ذلك الوقت للآن، لم يجد النادي لنفسه صدىً في آذان المناط بهم تحريك العمل الثقافي كركيزة أساسية لنهضة الشعوب، وللتحرر من العبودية التي يختارها الفرد الجاهل بمحض إرادته.
مشيراً إلى أن النادي استمر برئاسة "الغربي عمران" على النهوض وإن بساق خشبية، لكن نجاحه وصل إلى أسماع الكثيرين في مختلف أنحاء العالم، وها هو الآن يقيم الورش بمختلف أنواعها في (القصة، الشعر، الرواية) وغيرها الكثير، إيماناً منه أن الورش هي الدافع أو المحفز الذي به يتجاوز معها المبدع خوفه.
وأضاف: "كذلك لا ننسى فعالياته التي تقام كل عصر أربعاء من كل أسبوع، وهي ليست حكرًا على الأدب وحده، فمنها ما هو عن الفن التشكيلي، الفلسفة، الموسيقى، وغيرها الكثير، مما له صِلةً بالحب والسلام".
اعتماد ذاتي
وأكد التركي بأن النادي يعتمد على ذاته بذاته، ليس له موارد نقدية، ولا اعتمادات مصرفية، يشارك الأعضاء فيه بكل ما يجودون به من أجل (وطنهم المصغّر)، وأية مشكلة تواجه النادي يكون الجميع فيه كأسرة واحدة، تتغلب على الصعاب، وتهزم المستحيل، بل، وتجاهد من أجل إيصال الرسالة التي ينبغي أن يحملها كل أديب، ألا وهي: السلام وليس غير السلام.
وفي معرض رده على ماهية العناوين التي يناقشونها أسبوعيًا، أوضح التركي بأن النادي عمل -ولم يزل أعضاءه- على خلق منسقيات مكونة من ثلاثة إلى أربعة أعضاء، يعملون دون كلل، وبكامل طاقاتهم، في كل شهرين على (ترتيب، تنسيق، إدارة فعاليات، اختيار مواضيع وعناوين متفرقة ومختلفة، استقطاب شخصيات لها دور محوري في تغيير المجتمع إلى الأفضل، تكريم شخصيات كان لها دور في بناء اليمن)، سواءً كان ذلك فيما يخص الأدب، أو فيما يخص الجوانب الحياتية الأخرى.
المأمول في المستقبل
وعبر التركي عن فحوى الحلم الذي كان يراودهم، وهو أن يتحول النادي من نادي مُهمّش، إلى مؤسسة ثقافية يُعتد بها ويشار إليها بالبنان.
حيث قال: "تحقق الحلم، وأصبح النادي معترف به خطّياً، وعربيًا، بل ودوليًا، وحيثما ولّيت وجهتك، ستجد أُناسٌ يتحدثون عنه، ويتمنون الانضمام إلى عضويته، التي لا يمنع منها أحد، بل على العكس من ذلك، فترحيب النادي بالأعضاء الجدد، هو مصدر فخر واعتزاز لكل منتسبي النادي القدامى والجُدد على حد سواء".
وأضاف: "وعن المستقبل، فآمال الأديب ليس لها سقف محدد، ليس أولها انتشار القراءة بين أفراد الشعب، وليس آخرها افتتاح المزيد من المنتديات الثقافية، التي ستعمل على إثراء المشهد الثقافي اليمني لتجعل منه متنفسًا على العالم".
قاسم مشترك
الكاتب الروائي والمسرحي منير طلال قال بأن نادي القصة "المقه" يعد من المنتديات التي حافظت على وجودها رغم ظروف الحرب التي أرغمت الكثير من المؤسسات الثقافية على ترك أعمالها، ومن ذلك اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي أقفل جميع مقاره في الجمهورية اليمنية.
وألمح طلال إلى أن ذلك النشاط والزخم تحقق بفضل توفر مكان متاح لإقامة تلك الفعاليات، مع العلم بأن هذا المقر ليس مقر نادي القصة ولكنه مقر البرلمانيين السابقين.
وأضاف قائلاً: "ولأن القاص والروائي الغربي عمران هو القاسم المشترك بين هذه المنظمتين، فقد أتاح لنادي القصة القيام بنشاط ثقافي متواصل منذ سنوات بدون انقطاع".