الحوثيون والسير عكس التيار بآفاق مغلقة
21 سبتمبر.. انتكاسة الدولة اليمنية وعودة عهد الترهيب والتجهيل
يوم أسود عاشه اليمنيون، ولا سيما القاطنين في العاصمة صنعاء، وهم يرون تقويض دعائم الدولة والجمهورية، وعمليات السلب الواسعة لمؤسسات الدولة ومعسكراتها، ونقل المنهوبات باتجاه صعدة والمكتب السياسي لجماعة الحوثي في منطقة الجراف غرب أمانة العاصمة.
ملامح الانتكاسة كانت واضحة على وجوه الناس، وارتسمت عليها الحيرة والقلق مما هو قادم، وما ستحمله الأيام من مآسي على يد الجماعة التي استولت على الحكم بقوة السلاح، لتمحو حسنات ما يزيد عن 5 عقود من عمر ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة.
توقيت الانقلاب
بينما يستعد اليمنيون للاحتفال بعيد الثورة اليمنية المباركة بالمحافظات المحررة، ومواقع التواصل الاجتماعي، يسعى الحوثيون إلى حذفها من المناسبات الوطنية، والاجتهاد في طمس ملامحها والثأر منها، عن طريق التحشيد للاحتفال بانقلابهم، في الشهر ذاته وإظهاره كثورة شعبية.
ولم يكن اختيار شهر سبتمبر موعدا عشوائيا للانقلاب، حيث لا يوجد مجال في السياسة للصدفة، والحنين إلى الماضي، وما يتوارثه السلاليين من حقد جيلا بعد جيل، على ثورة 26 سبتمبر، التي أنهت طموحات الهاشمية السياسية جعلهم يختارون سبتمبر للانقلاب على الثورة، وليس على الرئيس هادي والمشترك، كما يؤكد الدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات.
يقول علي لـ"يمن فريدم": " الوصول إلى السلطة عن طريق العنف والإرهاب والسلاح مسألة سهلة، خاصة في وضع مثل وضع اليمن، حيث السلطة والأحزاب منقسمة، وهناك فجوة بين الجميع، وجد من خلالها الانقلابيين فرصة في الفوضى الحاصلة، واستفادوا من تحالفهم مع صالح والحرس الجمهوري والخاص وقوات الأمن المركزي، ومع القبائل الزيدية.
ويضيف: "الوصول للسلطة والسيطرة شيء، والحكم شيئا آخر، والحوثيون حاليا يسيطرون لكنهم لا يحكمون، فالحكم ليس مجرد سيطرة بالقوة، وعملهم كله قائم على استعراض القوة على الناس، وهذا الوضع لن يدوم، لأنه يجافي الواقع ومتطلباته، ومن يريد أن يحكم يتنازل للجماهير ويضحي لأجل الناس ويقترب منهم".
انجازات وهمية
تسع سنوات مرت على الانقلاب الذي يعتبره الحوثي "ثورة" جاءت بثلاثة أهداف تتمثل في إسقاط جرعة المشتقات النفطية، مكافحة الفساد، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، إلا أن معيشة الناس التي لعبت على أوتارها تدهورت إلى مستويات قياسية وتضاعفت الجرعات مرارًا.
وعلى الرغم من الواقع المرير الذي يعيشه المواطن اليمني، إلا أن الحوثيين ما يزالون يتغنون بانجازات "ثورتهم المزعومة" ويناقضون الحقائق والإحصائيات التي يعكسها الواقع، وتؤكدها تقارير المنظمات الدولية والمحلية، التي تشير إلى أن 80% من المواطنين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وتسرب أكثر من مليوني طفل من التعليم، ونزوح ما يقرب من 4.2 مليون شخص، يحتاج كثيرون منهم إلى خدمات رعاية صحية عاجلة ومنتظمة، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي.
وتشير التقارير إلى أن القمع والاعتقالات والتعذيب عناوين بارزة لانجازات" 21 سبتمبر" حيث اخفى الحوثيون 2406 مواطناً قسريا، بينهم 133 امرأة و117 طفلا في 17 محافظة منذ 1 يناير2017، وحتى منتصف العام الجاري 2023.
وكشفت "الشبكة اليمنية للحقوق والحريات" في تقرير، أن 1937مخفيًا قسرا تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل الحوثيين، منهم 32 مخفيًا تعرضوا للتصفية في السجون، كما حدثت 110حالات وفاة للمختطفين في السجون بسبب التعذيب الإهمال خلال عامين ونصف، وأصيب 218 معتقلًا بالشلل.
يقول الصحفي المهتم بالشأن السياسي "محمد" -اسم مستعار- :"الحوثيون اعتادوا ترديد الكذب، والحديث عن منجزات وهمية، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر بعيدا عن معاناة الناس، ويتغنون بالحفاظ على السيادة والكرامة والأمن في مناطق سيطرتهم إلا أن تكميم الأفواه والمعتقلات السرية وأساليب التعذيب التي تحدث فيها، وإفقار الناس والجبايات المفروضة، واستثمار المواطن بشتى الطرق يكشف زيف الادعاءات الباطلة".
ويتسأل في حديثه لـ"يمن فريدوم" عن أي سيادة يتحدثون، وهم لا يستطيعون الإقلاع بطائرة، أو الإبحار بسفينة دون أخذ الإذن المسبق من دول التحالف.
اتساع دائرة الرفض
في الذكرى الـ 9 للانقلاب يجد الحوثيون أنفسهم أمام واقع مختلف، وضغط شعبي لم يعهدوه من قبل، تمثل في تصاعد الأصوات المناهضة لمشروعهم الطائفي، ومطالب بتحسين المعيشة وصرف مرتبات الموظفين المنقطعة منذ العام 2016، ووصول أغلب الناس إلى قناعة أن بقائهم في الحكم لن يزيد البلد إلا دمارا.
وفي السنوات السابقة تذرعت جماعة الحوثي، بأن الحرب والحصار تسببا في تدهور المعيشة، وانقطاع المرتبات، إلا أنه بعد ثلاث سنوات من الهدن سقطت الحجة، ووجدت نفسها أمام مواجهة مع الناس قد ترتفع وتيرتها في أي لحظة، وتصل إلى مرحلة الانفجار.
وعلى الرغم من تعالي الأصوات المطالبة بالحياة الكريمة، إلا أن جماعة الحوثي تحاول أن تصم أذانها، وتحمل المسئولية دول التحالف، ولا تحاول إيجاد إي حلول، وبحسب رئيس "مركز يمنيون" فإن الحوثيين يعولون بموقفهم المستخف بالمطالب الشعبية على الفراغ الذي تركه غياب الدولة، والمشروع الوطني الجامع، وغياب قيادات عسكرية وسياسية تنهي الفوضى، علاوة على الشرعية المتهالكة والأحزاب السياسية التي خيبت أمل الشعب.
ويرى علي، أن طريقتهم في إدارة الأزمة تؤكد أنهم لا يفقهون في السياسة، وتم اختيارهم لمهمة محدودة ومؤقتة، وما يقومون به من التسلط، وعيش وهم السيطرة والقوة، يضمن بقاء مؤقت، ولا يمكن أن يستمر، فحقد الناس عليهم يكبر، وتتسع دائرة الوعي بين اليمنيين ضدهم.
ويتفق معه الصحفي "محمد" أن الحوثيين يعيشوا على وهم السلطة المطلقة التي منحت لهم من قبل المعتقدات الدينية المغلوطة، وعلى خرافة الولاية، ويعتقدون أنهم محصنين من المسألة، وأن الناس سخريا لهم، ويجب أن يطيعوهم ويقدسونهم لأنهم خلفاء الأرض.
سيناريوهات محتملة
ما تزال الحيرة والغموض يكتنفان الأحداث السياسية في اليمن، وغالبا ما يعبر الناس عن الإحباط الذي يعيشوه نتيجة للأفق المسدود، وغياب القيادات والرؤى المستقبلية، والتخبط والهشاشة الذي تعاني منها الحكومة الشرعية التي لا تمتلك القرار، وتنقاد بشكل كامل لتوجيهات دولتي السعودية والأمارات.
ووسط هذه الصورة القاتمة، يعرف الناس من خبرتهم بثقافة جماعة الحوثي وسلوكهم، بأنهم لن يقبلوا بالحلول السياسية ولا بالشراكة، بعد أن ذاقوا حلاوة التفرد بالسلطة، وأحكموا سيطرتهم على منابع الثروة والإيرادءات العامة.
ويتوقع الدكتور علي، ثلاثة سيناريوهات للتخلص من سلطة الحوثي، الأول المواجهة بين كل القوى السياسية من جهة وبين جماعة الحوثي من جهة أخرى، إلا أنه يستبعد هذه الاحتمالية لتابعية كل القوى السياسية وحضورها العسكري على الأرض للسعودية والإمارات، والسيناريو الثاني، قيام حراك عقلاني داخل جماعة الحوثي يغير قيادة الجماعة، ويرضخ لمطالب الشعب بالتنازل لأجل اليمن، وهو ما اعتباره احتمال ضعيف، إذ أن الحوثية جماعة عقائدية ومن الصعب تغييرها من الداخل، لأنها مثل كل المنظمات الإرهابية قائمة على الولاء، ولا مجال للعقل ولا للتفكير عند أفرادها وقياداتها الوسطى.
ويرى أن السيناريو الثالث، ظهور قيادة عسكرية وطنية تنهي حالة الصراع، وتسيطر على زمام الأمور في اليمن، وتنهي دور ميليشيات الحوثي وبقية الميليشيات التي ظهرت معها، وهو الاحتمال الذي سيجد تجاوبا من كل أبناء اليمن الذين يشعرون بأهمية وجود دولة تنهي حالة الفوضى الحاصلة في البلاد.
وعلى الرغم من السيناريوهات السابقة إلا أن "محمد" يؤكد أن التخلص من الحوثيين لن يتم إلا بثورة شعبية واسعة من داخل المحافظات التي يسيطرون عليها والتي بدأت ملامحها تتشكل بخروج الناس من دائرة الصمت وارتفاع أصواتهم بعد سنوات من الخوف والخضوع.
ويوضح أن الإرهاصات الحالية والحراك يحتاج إلى قيادة جديدة يثق بها الناس، ولا تكون قد لوثت بالفساد، والى شرارة تتحول إلى انفجار تعجز الجماعة على احتوائه مهما أمنعت بأساليب الإرهاب.