21 نوفمبر 2024
3 سبتمبر 2022
يمن فريدم-خاص-سلمى عباس

 

منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في العام 2014 تهاوت مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة التعليم الأهم في البلاد، بدأ التعليم يسلك طرقا ملغمة بمفاهيم تجعل أجيال بأكملها مشوهة تحمل فكر التطرف والعدوانية.

 

ومع حالة التهاوي لمؤسسة التعليم، سعى الحوثيون بكل الأساليب والطرق إلى تسخيرها لخدمة مشروعهم عبر زرع نهج يعزز الدعوة إلى الاقتتال واشعال الحرب أكثر مما كانت عليه.

 

وبرزت خلال سنوات الحرب تغييرات على مناهج التعليم، تضمنت شعارات ومصطلحات تستهدف الطلاب وتفخخ عقولهم بالدورات والفعاليات المدرسية الداعية إلى العنف والميول لمشاريع الموت والطائفية التي يتبناها الحوثيون في شعاراتهم، والتي تصب في تمجيد نشر المد الفكري للجماعة.

 

مؤخرا بدت التغييرات واضحة على مناهج التعليم في صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وزادت معها أنشطة اجبارية تقام في كل المدارس، هذه الأنشطة أصبحت تشكل قلقا وخطرا على الأطفال وأسرهم، وكان بمثابة صدمة لأولياء الأمور، وأصبحت المناهج بشكلها ومضمونها تعبر عن مذهب وطائفة، ومصبوغة بمشاريع وايديولوجيات تتعارض مع قيم ومبادئ ومعتقدات المجتمع.

 

خطوات متسارعة

 

بدأت جماعة الحوثي أواخر العام 2016 بإعداد خطط مرحلية مختلفة تسعى لتغيير نظام التعليم ومناهجه بطرق تتسق مع فكرها وأهدافها التي تتعارض مع كل أنظمة التعليم المتعاقبة في البلاد منذ عقود، ومن خلال هذه الخطط تمكن الحوثيون من إحداث تغيير جذري خاصة في مناهج التربية الإسلامية والتاريخ، والمناهج الأخرى التي يمكن من خلالها خدمة مشروعها الذي بات يوصف بمشروع الموت.

 

ويمثل هذا التغيير منعطفا خطيرا في العملية التعليمية يهدد عقول الأجيال الحاضرة والقادمة لما يمثله من تغيير وانحراف في مسار التعليم برمته في البلاد، وبلا شك ستكون نتائجه وخيمة على كافة المستويات، إلى جانب أنها أبرزت شخصيات تاريخية تمثل نهج وفكر الحوثيين. 

 

ومنذ إقرار خطة الحوثيين بتغيير المناهج الدراسية باشرت فعليا بتشكيل لجنة مهمتها إعادة صياغة المناهج التعليمية لتصبح بؤرة خطر داخل المدارس، وتتحول إلى مشاريع لانتاج الطائفية والمذهبية لتكون طريقها سهلة للوصول إلى عقول عشرات الآلاف من الطلاب الذين هم في سن الطفولة في المناطق الخاضعة لهم، دون وجود أية جهة قادرة على الاعتراض.

 

أختارت الجماعة توقيت الحرب فرصة مناسبة لفرض أفكارها وانشطتها في كافة المتشأت التعليمية إضافة إلى التعديلات المستمرة لمناهج التعليم، وافتتاح المراكز الصيفية التي أصبحت ما يشبه مصانع انتاج الأفكار الداعية للموت، وبدى ذلك من خلال نشر ملصقات وشعارات على أغلفة المقررات الدراسية تعبر عن الحوثي وما يتبناه، وهو ما يعطي نتائج عكسية تهدد هوية المجتمع اليمني وثقافته وبُعده الحضاري والتاريخي.

 

غسيل أفكار وليس تعليم

 

الشعور بالخوف والقلق هما عنوان للمرحلة التي يمر بها التعليم في عهد الحوثيين، لخطورته الحقيقية على مستقبل الأطفال في اليمن.

 

تقول "م. ع " ولية أمر طالب " العام المنصرم عندما كان إبني في الصف الثاني سمعته يردد بحماس بعض الشعارات (لبيك يا رسول الله ...لبيك يا شهيد) عندما سألته لماذا تردد هذا الشعار؟ قال إنه يطمح أن يصبح شهيدا، وتفاجأ ان الشهادة تعني" الموت "، وقال لي إن هناك رجلا يأتي في الطابور يجعلهم يرددون تلك الكلمات والشهادة تعني الحياة الأبدية.

 

لا يستطيع أولياء الأمور تقنين المعلومات التي توصل لأبناءهم وقد توصلت سيطرتهم على التعليم العام والخاص، هي سلطة الأمر الواقع وتستطيع ان تفرض ما تريده، حتى مُعلمي المدارس وإدارتها تخضع لسيطرة تامة من قبلهم، وتؤثر على قراراتهم في مواعيد الاختبارات الشهرية، وكذلك الطابور وتكلف فريق من قبلها للنزول في المناسبات الخاصة كعاشوراء ويوم الغدير والشهيد وغيره.

 

تفرض كذلك على المعلمين وإدارات المدارس لحضور دورات ثقافية خاصة، والمدرسة التي لا تمتثل يتم عرقلة اذوناتها وترخيصها من قبل الوزارة.

 

أضعف الحلول

 

تغيب الحلول والوسائل لتجنب هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الطلاب في كافة المدارس، وتفتقر الأسر للبدائل الناجعة لابعاد اطفالها من دائرة المخاطر التي تستهدف العقول عبر تفخيخ كل مناهج التعليم وتلقينهم الفعاليات ذات البُعد والنَفَس الطائفي، وبنكهة الموت الذي أصبح يراود الأطفال مع كل يوم يذهبون لمدارسهم.

 

وتقول (أ.أ) أم لثلاثة طلاب " نحن بالتأكيد كأولياء أمور لانستطيع أن نمنع أولادنا من التعليم، وكذلك لا نقدر أن نتحكم بما يتم تعبئتهم بالمدارس ، لكن علينا كأولياء أمور أن نوعي أبناءنا بأن الواقع ليست تلك الأفكار التي يحشوها بعقولهم. الجيل الجديد جيل واعي ويستطيع أن يتعامل مع الأفكار والمعتقدات التي تصله وينقحها".

 

اليونيسيف والتعليم

 

في ظل سلطة الحوثيين، فلا تستطيع أي منظمة أو جمعية التدخل بالشأن الخاص، حيث أنه عقد أتفاق بين الطرفين في مطلع أبريل خطة لإنهاء تجنيد الأطفال وتسريح الأطفال المنخرطين في القوات الأمنية.

 

وفي أخر أحصائية قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إن 17 طفلا قتلوا في اليمن منذ بداية يناير/ كانون الثاني الجاري، داعية أطراف النزاع إلى حماية المدنيين بمن فيهم الأطفال، وفقا لبيان أصدره تيد شيبان، المدير الإقليمي لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

وذكر البيان أن هذا الرقم يقارب ضعف العدد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بأكمله. وأضاف: "لا يزال الأطفال في اليمن هم أول من يدفع الثمن خلال ما يقرب من سبع سنوات في واحدة من أكثر النزاعات المسلحة وحشية في التاريخ الحديث" على حد وصفه.

 

وتلعب منظمة " اليونيسيف " دورا في دعم عملية طبع المناهج الدراسية، وقد واجهت انتقادات كثيرة منذ أن أعلنت تقديم دعم لمطابع الكتاب المدرسي في صنعاء بالتزامن مع الحديث عن التغييرات التي طرأت على مناهج التعليم وتصاعد الخطابات المذهبية والدينية بين أوساط طلاب المدارس، ورفضت حينها الحكومة الشرعية ما قامت به المنظمة، إلى جانب الاتهام الذي وجهه مكتب التربية العربي لدول مجلس التعاون الخليجي للمنظمة بتمويل طباعة كتب دراسية تم تحريفها وتحمل أفكارا طائفية تحرّض على استمرار العنف في اليمن. وفق ما نشرته وسائل الإعلام.

 

جريمة منسية

 

تحت هذا العنوان أعد المركز الأمريكي للعدالة، الذي يتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مقرا له" تقريرا العام الماضي عن وضع التعليم في اليمن بشكل عام، والذي حذر فيه من عواقب التعبئة الطائفية التي تقوم بها جماعة الحوثي في مدارس شمال اليمن، وأعتبر أن ذلك سيكون كفيلا على المدى القريب بإنتاج جيا يحمل أفكار معادية للآخر، وهذا الأمر سينعكس سلبا على المجتمع اليمني والإقليمي.

 

وقال التقرير إن تلك العواقب ستجعل الجميع يدق ناقوس الخطر لتبعات ذلك، داعيا الجميع إلى تجنيب العملية التعليمية الأفكار الدخيلة على المجتمع اليمني، والمحافظة على نقاء وسلامة الأجيال من الأفكار الدخيلة للجماعات المتطرفة، وبث روح التسامح وقيم السلام.

 

التقرير ركز على دور الإذاعة الصباحية في طابور الصباح والتي كانت بحسب وصفه، منبرا لتزويد الطلاب بالمعلومات المفيدة ونشــر قيــم المحبة والسلام فى المجتمع، إلا أن جماعة الحوثي، كما وضح التقرير، استخدمتها منبرا لتسويق أفكارها وعقائدها وترويج شعاراتها لا سيما في مناسبات عدة استحدثتها منذ سيطرتها على التعليم (كمقتل الحسين، والإمام زيد، الميلاد النبوي، ميلاد الزهـراء، واسـبوع الشهيد، وعيد الغدير، ويوم الولاية).

 

 يقوم مشرفو الجماعة بزيارات ميدانية للمدارس بشكل شبه أسبوعي، ويوقفون العملية التعليمية واستبدالها بمحاضرات وكلمات تهدف لدفع الطلاب للقتال، وتغيـير أفكار ومعتقدات ألفها الأجيال لقرون من الزمن، وذلك بما ينساق مع الفكر والعقيدة التي تحملها جماعة الحوثي.

 

وأشار التقرير وفقا للوقائع التي رصدها إلى ارغام الطلاب على ترديد شعار الجماعة عقب الانتهاء من النشيد الوطني في كل يوم، وفي مناسبة ما يطلق عليه " عيد الولايه" يتم اكراه الطلاب على ترديد ما يسمى بقسم الولاية.

 

يقول الأستاذ(ع.أ ) مدير مدرسة خاصة ان الجماعات تكثف طوال العام الإذاعات خاصة بالعدوان والوقفات الأحتجاجية والفعاليات الدينية والخطابية. كما أنها تهتم الجماعات بالطابور واستبدلت الأناشيد بالزوامل هناك دورات ثقافية للمعلمين والمدراء قد لاتكون أجبارية لكن نحن نحضرها خوفاً منا ان نفقد وظائفنا وان نستبعد من العمل. اما في حال تملصت إدارة المدرسة بالأمتثال للأوامر تأتي لجنة من قبل مكتب الوزارة تبحث عن حجج لإغلاق المدرسة، كأنه ليس هناك نظام محاسبي، أو انه لا توجد وسائل تعليمية، أو انه ليس لديهم ترخيص، أو عدد الطلاب كثير بينما الفصول صغيرة، أو سلّم المدرسة مرتفع وغير مناسبة للأطفال، لهذا نضطر مجبرين على مسايرة سلطة الأمر الواقع.

 

شواهد تغيير المناهج

 

ووفق التقارير الحقوقية فإن الحوثيين عمدوا إلى تغييرات في التاريخ الإسلامي الذي كانت مناهجه الدراسية السابقة معروفة وتمثلت بـ " حذف الرموز والأعلام الإسلامية منذ زمن الرسول، كالخلفاء والصحابة والشخصيات التاريخية والإسلامية التي عاصرت زمن ما بعد الصحابة".

 

ويكشف الرصد إضافات طرأت على المناهج، ومنها تمجيد القيادات والشخصيات التي يعبر عنها فكر الحوثيين منذ قرون، وفرض أمثلة واستشهادات تبرز أسماء وأوصاف تتبنى الطائفية والمذهبية.

 

وهذا ما برز من خلال المنهج المعدل الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسلطة الحوثيين وشملت (التربية الإسلامية، القرآن الكريم، والعلوم الاجتماعية للمرحلة الابتدائية). وأدخلت هذه المناهج الجديدة دروسا بديلة للدروس السابقة المقررة والتي معدة لطريقة تتلائم مع المجتمع اليمني وثقافته المعتدلة التي تعزز ثقافة التعايش والسلام.

 

ويضاف إلى ذلك فرض فعاليات تدعو طلاب المداس من هم في سن الطفولة إلى المشاركة في القتال، وجعلهم مشاريع جهادية تسعى لغسل أدمغتهم وتحويلهم إلى مخزون بشرى قابل للموت.

 

تحذيرات دولية

 

ومنذ وقت بدء التعديلات على مناهج التعليم سارع منظمات محلية ودولية بالتحذير من تكريس مخاطر الطائفية والمذهبية، ما يقدم عليه الحوثيين، ولعل منظمة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" ووصفت قيام الحوثيين بإجراء تغييرات واسعة في المناهج التعليمية، بالإجراء التخريبي.

 

ودعت الإيسيسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" إلى التنديد بما أقدمت عليه جماعة الحوثي لكونه يمثل خرقا سافرا لميثاقهما.

 

مستقبل مجهول

 

ومع هذا السعي نحو تحويل المناهج إلى مقررات تخدم جماعة دون اكتراث بمستقبل الطلاب تتعاظم المخاطر وتزيد مع كل مرحلة تتغير فيها المناهج، وتحل محلها أفكار تتحول إلى قنبلة موقوتة مزروعة بين جيل من الأطفال يعيشون في مرحلة حرب سرقت منهم كل مقومات الحياة الآمنة والمستقرة، ومع غياب الحلول وانعدام وسائل الاعتراض فلن تتوقف سلطة الحوثيين في خلق واقع تعليمي يشكل مصدر خوف وقلق على مستقبل جيل بأكمله.

 

كما أن دور المجتمع الدولي لم يكن قويا وكافيا، وهذا الدور الذي وصُف بالهزيل لا يمكن أن يوقف هذا السقوط بمستنقع التعليم المشبع بالأفكار والايديولوجيات تكرس فكر أن الموت يصنع الحياة، وهو لم يكن ذلك كما تحاول المناهج المعدلة زراعته في عقول الطلاب كي يجعلهم جيلا مشوها.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI