يمثل انقطاع رواتب العاملين في الإعلام الرسمي سواء الذين في الداخل أو الخارج مشكلة كبيرة تؤرق المنتسبين لهذا القطاع، وتفاقم من معاناتهم بشكل يشير إلى حالة ارتباك كبيرة على مستوى حياتهم ومعيشتهم، والتي أصبحت إلى حد كبير مختلة بفعل عدم انتظام استلام مرتباتهم، وهو ما يحدث مع العاملين في القطاع الرسمي التابع للحكومة اليمنية الذين يعملون من خارج اليمن، ويضاف إلى ذلك معاناة من هم في الداخل الذين توقفت رواتبهم منذ بدء الحرب، وهي حالة تضاف للوضع العام المزري لمنتسبي الإعلام الرسمي برمته.
برزت مشكلة العاملين في القطاع الرسمي المتواجدين في السعودية إلى السطح كقضية حقوقية تذّكر الحكومة اليمنية بالوفاء بالتزاماتها تجاههم وتجاه كل العاملين داخل اليمن، وخاصة الذين يقعون في نطاق سيطرة الحوثيين.
سلطنا الضوء في "يمن فريدم" على المشكلة والجهة المتسببة فيها وتباعاتها على منتسبي الإعلام الرسمي في محاولة لتذكير الجهات الحكومية بما يعيشه هؤلاء.
تقاعس حكومي
تُواجه المطالبات من قبل العاملين في الإعلام الرسمي بحجج وذرائع يراها الموظفون "غير منطقية" في ظل المعاناة وتراكم الالتزامات عليهم خاصة أنهم يعيشون خارج اليمن، وفي هذا السياق تقول الصحفية في قناة اليمن الرسمية التي تبث من السعودية، بشرى العامري، لـ " يمن فريدم": نحن في وسائل الإعلام الرسمية نعاني منذ سنوات من عدم انتظام صرف رواتبنا من قبل الجهات الحكومية المعنية وهي وزارة المالية ورئاسة الوزراء ووزارة الإعلام.
وذكرت بشرى في حديثها عن حجج الجهات الحكومية في تسليم الرواتب المتوقفة حيث قالت: " وزارة الاعلام يقولون إن المسألة بيد رئاسة الوزراء، وانهم يخاطبوها دوما دون جدوى ورئاسة الوزراء يخبرونا بأنهم وجهوا وزارة المالية بصرف الرواتب وانتظامها ووزارة المالية تعلل بأنه لا يوجد سيولة مالية كافية هذا ما نسمعه من مدراءنا ومن نستطيع الوصول لهم من إدارات مكاتب الوزارتين ورئاسة الوزراء".
عشوائية في التوظيف
يشكو الكثير من منتسبي الإعلام الحكومي من عشوائية في التوظيف وعدم الالتزام في الدوام كباقي الملتزمين في أداء عملهم في الجهات التي توظفوا فيها، إلا أن هناك أسماء كثيرة لا يُعرف عنها شيء سوى في كشوفات المرتبات، وجرى توظيفهم في ظروف غير واضحة، وهو ما خلق فجوة بين العاملين الملتزمين في دوامهم والمنقطعين من حيث الرواتب والمستحقات والعلاوات، وهو ما تؤكده الصحفية بشرى العامري في حديثها لـ " يمن فريدم": "نحن أقل من 100 إعلامي متواجدين في أعمالنا نداوم ونعمل وننتج مواد إعلامية بانتظام، ومع ذلك محرومون من رواتبنا وهناك مئات الموظفين في اصقاع الأرض فقط مسميات تصلهم رواتب وهبات بالدولار من الحكومة دون أن يكون لهم أي عمل معروف.".
وتضيف بشرى عما يواجهونه في السعودية حيث مقر عملهم: " أغلبنا يعيش وضعا صعبا للغاية، ونحن في عاصمة من أغلى العواصم معيشة، نعاني من عدم الاستقرار واقاماتنا أو زياراتنا مكتوب عليها لا يسمح له بالعمل لا نستطيع العمل في أشغال أخرى غير مكان عملنا وإلا سنطرد من البلاد، لدينا أولاد ومسؤوليات وديون تتراكم وحكومة لا تلق بالا للحال الذي وصلنا إليه".
وبحسب المعلومات التي حصل عليها " يمن فريدم" فإن عدد موظفي الإعلامي الرسمي الذين يداومون بانتظام (40 موظفا في قناة اليمن)، (30 موظفا في قناة عدن)، (15 موظفا في وكالة سبأ)، (و15 موظفا في إذاعة صنعاء).
أشهر بدون مرتبات
عيسى المرشدي مذيع في قناة عدن الفضائية الرسمية يشكو من تأخر الرواتب التي راكمت من التزاماته الحياتية وضاعفت الأعباء عليه لعدم وجود دخل آخر يغطي نفقاته ويخفف من تلك الأعباء، وقال في حديثه لـ " يمن فريدم" : نحن موظفو الإعلام الرسمي مغلوب على أمرنا وزاد وضعنا عن حده، إذ لا يعقل أن آخر راتب استلمناه كان راتب شهر أكتوبر 2022 (قبل أكثر من شهر) في ظل التزامات الغربة والتجديد والتأمين والغذاء والدواء وكل مرة نتحدث ولكن لا فائدة إعلام الشرعية وصوت الدولة والذي مازال يقارع الحوثي وفي بلاد الغربة بلا مرتبات".
من جهتها تحدثت المذيعة في قناة اليمن، عفاف ثابت، عن جزء من معاناتها بفعل توقف راتبها، وهي حالة لا تختلف عن العشرات من العاملين في القنوات الرسمية، وتشير في تصريحها لـ " يمن فريدم" أن توقف الرواتب لم تكن المرة الأولى بل سبق ذلك مرات وتصف ذلك بالشكل " غير المعقول".
وتحدثت عفاف: " كإعلاميين خرجنا من أوطاننا لأجل العودة إليه مرفوعي الرأس بعد القضاء على المليشيات، ساندنا الجمهورية والشرعية بالقلم والصوت والصورة ولم نالُ جهدا في الحديث عن قضايا الوطن وهموم الشعب وهذا واجبنا قبل أي شيء، ونريد أن نواصل رسالتنا لكننا لم نعد نستطيع فعل ذلك فنحن بدون رواتب من أشهر عديدة وهذه ليست المرة الأولى التي تتأخر فيها رواتبنا بشكل غير معقول".
وعن الالتزامات التي أغرقت "عفاف" كحال باقي زملائها تشكو من كثرة تراكم الديون نتيجة توقف تسليم الرواتب بشكل منتظم وتضيف في حديثها: " تراكمت ديوننا ونعيش أوضاعا صعبة، ولا نريد من حكومتنا سوى تسوية أوضاعنا وتسليم رواتبنا ورفع الرواتب المتدنية التي لاتسمن ولا تغني من جوع في بلاد البعد، وجهنا رسائلنا للمعنيين وكلنا أمل أن تتم تسوية أوضاعنا وخاصة في شهر رمضان الذي دخل علينا ونحن لا نملك ما نعين به أسرنا".
نقابة الصحفيين على خط المشكلة
دخلت نقابة الصحفيين اليمنيين على خط مشكلة توقف الرواتب للعاملين في الإعلامي الرسمي سواء من هم في الداخل أو الخارج وطالبت في بيانها الأخير الصادر يوم (الأربعاء 5 أبريل) بتسليم رواتب الصحفيين اليمنين الذين انقطعت رواتبهم من سبع سنوات، حيث وجهت الخطاب للحوثيين وللحكومة الشرعية.
النقابة في البيان رفضت ما أسمته "التعامل غير المسؤول" مع العاملين في المؤسسات الإعلامية، وتستنكر تجاهل معاناتهم من قبل الحكومة الشرعية، وجددت مطالبتها بصرف كافة مستحقات ورواتب الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الحكومية.
وطالب بإعادة ترتيب أوضاع من تم فصلهم من وظائفهم في كافة المؤسسات الإعلامية على خلفية الصراع.
صحفيون في الداخل يعانون
الأمر لم يقتصر على توقف رواتب العاملين في الإعلام الرسمي خارج اليمن، بل طال الذين هم في الداخل ويواجهون أوضاعا معيشية في غاية السوء.
تواصلنا في " يمن فريدم" مع الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، للحديث عن معاناة الإعلاميين الذين توقفت رواتبهم في الداخل اليمني وقال إن الصحفيين يعيشون معاناة منذ أن تم ايقاف مرتباتهم في المؤسسات الحكومية.
وألقى الأمين العام لنقابة الصحفيين باللوم على الحكومة الشرعية والحوثيين في عدم الالتزام بتسليم مرتبات الصحفيين كل في مناطق سيطرته وقال: " الحكومة الشرعية تقوم بصرف رواتب الزملاء الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية التي تقع تحت سيطرتها، إلا أنها تخلت عن الزملاء المنتسبين للمؤسسات التي تقع تحت سلطة الحوثيين، فيما السلطة الحوثية تتعامل مع الأمر وكأن وضع الصحفيين أو الموظفين العاملين في المؤسسات التي تحت سيطرتها لا يعنيها أبدا، وترى أن ذلك ليس من مسؤوليتها، وهي فقط تقوم بصرف نصف راتب خلال 3 أشهر من العام الواحد فقط".
وتابع بالقول:" عندما نتحدث عن معاناة الصحفيين اليمنيين المتعلقة بانقطاع رواتبهم فهذا لا يعني أننا نتجاوز حقيقة أن موظفي الدول عموماً يعانون هذا الوضع، ولكن نحن نتحدث في إطار دائرة اختصاصنا كنقابة".
الأمين العام شبيطة أكد على الدور الذي تقوم به النقابة في الدفاع عن حقوق الصحفيين عبر المخاطبات والدعوات للجهات ذات العلاقة، وقال:" وعلى الرغم من تصدر النقابة للدفاع عن الصحفيين من خلال الدعوات والمطالبات المستمرة للحكومة الشرعية بوصفها صاحبة المسؤولية الدستورية والقانونية من خلال الرسائل إليها وكذلك عبر البيانات المتكررة التي تصدرها النقابة لتذكير هذه السلطات في عدن وصنعاء وتذكيرها بالأزمات والمصاعب التي شكلت معاناة إنسانية صعبة والتي يعيش فيها الصحفيين".
ويكرر أمين عام النقابة اللوم على السلطات بالتعاطي مع تلك المناشدات وذكر في تصريحه: " هذه السلطات حتى اللحظة غير آبهة بمناشداتنا وغير مكترثة للقانون أو الدستور اليمني الذي جعل ذلك من مسؤولياتها ولم تحركهم حتى المسؤولية الأخلاقية، سبعة أعوام ومع ذلك سنظل نتابع ونطالب ونحن الآن وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية".
جهود رسمية
وبالعودة لمشكلة انقطاع مرتبات العاملين في الإعلام الرسمي الذين يعملون من خارج اليمن، يقع على عاتق الجهات الرسمية مسؤولية في إيجاد حلول جذرية للمشكلة حتى لا تتفاقم معاناتهم، ويزداد الوضع سوءا، وتواصلنا مع رئيس قطاع التلفزيون في الحكومة اليمنية، المعترف بها، جميل عزالدين، وسألنها عن جهودهم لمتابعة رواتب الموظفين المنتسبين للقطاع الرسمي، ورد علنا بتصريح مقتضب وضح من خلال أن هناك جهودا تبذل لمعالجة هذا الوضع، وقال: " نحن نتابع الحكومة بشكل مستمر ومتواصل وفي مقدمتنا وزير الإعلام لحل إشكالية رواتب العاملين في الإعلام وهناك توجيهات رئاسية بسرعة معالجة هذا الوضع".
وسبق هذا التوضيح من رئيس القطاع رسالة وجهها الإعلاميون إلى وزير الإعلام معمر الإرياني، رئيس المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون إسكندر الأصبحي، ورئيس قطاع قناة اليمن الفضائية جميل عزالدين، ورئيس قطاع قناة عدن الفضائية فارس عبدالعزيز، ورئيس وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عبدالله حزام، ورئيس قطاع إذاعة "صنعاء" صلاح القادري، فحوى هذه الرسالة هو "المطالبة بصرف متأخرات الرواتب وانتظامها شهريا وإصلاح أوضاع الإعلاميين كلا في الإطار المخول له، والعلاقات التي يمتلكها مع المعنيين في المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة ووزارة المالية، كون ذلك أحد الواجبات أمام معاناتهم وما يمرون به" حسب ما جاء في الرسالة.
ولمّح العاملون في القطاع الرسمي بالتصعيد والتمهيد لإضراب جزئي يتبعه إضراب شامل، بهدف انتزاع حقوقهم كما يقولون.
ويبقى الحال على ما هو عليه حتى تتخذ الحكومة اليمنية إجراءات عاجلة وتضع حلا لكل العاملين الذين توقفت رواتبهم سواء من يعملون من خارج اليمن او من هم في الداخل وتنظم رواتبهم دون أي عوائق والتي ستساعد على تجاوز محنتهم والتخفيف من الأعباء التي لحقت بهم جراء انقطاع المرتبات.