من الصعب التنبؤ بمستقبل الحريات الصحفية في بلد يعيش حالة حرب وانفلات وتدهور على كافة المستويات كما هو في اليمن، البلد المحفوف بالمخاطر بالنسبة للعاملين في حقل الإعلام بكل تخصصاته وتوجهاته واهتماماته، فالوضع جعل هذه المهنة الأصعب والأخطر مقارنة بباقي المهن.
هذا التنبؤ قد لا يعطي صورة واضحة للصحفيين اليمنيين في ظل آلة القمع الوحشية التي تطالهم في كل مناطق اليمن منذ عقود، ولكن الأمر تفاقم منذ نحو تسع سنوات، تجرّع فيها الصحفيون شتى أنواع الانتهاكات وصلت للقتل المتعمد بحق صحفيين كانوا يمارسون مهنتهم في الميدان.
في ظل الحديث عن الحريات الصحفية ينبغي أن نحدد الجهات الأكثر وحشية في التنكيل بالصحفيين خلال سنوات الحرب على أقل تقدير، وكما هو معروف فقد كان وما يزال الحوثيون هم الأكثر قمعا ووحشية والضرب بيد من حديد بحق الصحفيين سواء المعارضين لهم أو الصحفيين الذين يعلمون لدى وسائل إعلام بشكل محايد، يلي ذلك مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
الحقيقة المرة التي يؤمن بها من تبقى من الصحفيين في اليمن، أن العمل في ظل هذه البيئة الخطرة، يعني وضع أرواحهم على أيدهم، مستعدين للموت في أي زمان ومكان، في ظل غياب لسلطة القانون تراخي السلطات والأجهزة التنفيذية الحامية للحريات بشكل عام، وعلى جه الخصوص الحريات الصحفية.
لا يستطيع أي صحفي في اليمن تجنب أي احتكاكات مع السلطات الرسمية أو مع المليشيا والجماعات والسلاح المنفلت، هو في دائرة الاستهداف في كل الأحوال، وهذا الأمر يشكل خطرا حقيقيا على أي صحفي يعيش في اليمن خلال الوقت الراهن.
خمسون صحفيا في اليمن هو محصلة سنوات من العنف والقمع بحق وسائل الإعلام اليمنية، خمسون صحفيا قتلوا وفقا لتقارير نقابة الصحفيين اليمنيين التي تسعى جاهدة للدفاع عن الحريات الصحفية وسط بيئة يلفها الخطر، وحتى الآن لم ينصف هؤلاء الذين خطفتهم الحرب بلا اكتراث ودون مراعاة لطبيعة عملهم المدني.
يفكر الصحفيون اليمنيون كثيرا في مستقلهم المهني، كيف سيستمرون في مهنة جلبت لهم الكثير من المتاعب، الكثير من الخطر والعيش تحت رحمة الجماعات المسلحة والمليشيات، التي تعتبر الصحفيين أكثر خطرا من المقاتلين في جبهات القتال كما قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثيين في إحدى خطاباته قبل سنوات، وهو كان بمثابة ضوء أخضر لجماعته لاستهداف الصحفيين الذين يقفون ضده أو أقل شيء لا يعملون مع مشروع الجماعة.
الأمر نفسه للصحفيين الذين فروا من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، هم داخل دائرة الخطر المقابلة لدائرة الخطر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فقد رصدت منظمات محلية وتقارير عشرات الانتهاكات بحق الصحفيين، وتزايدت كثيرا بعكس مناطق الحوثيين، ويرجع السبب في ذلك إلى التشرد والفرار الجماعي للصحفيين من صنعاء وما جاورها بحثا عن الأمن والأمان، وهو ما جعلهم تحت رحمة الحكومة اليمنية، وبالتالي تراجعَ العمل الصحفي في مناطق الجماعة الحوثية باستثناء الذين يعملون في وسائل إعلامها، عدا ذلك فهم مستهدفون.
موجات التحريض التي تعرض ويتعرض لها الصحفيين اليمنيين في الداخل والخارج مخيفة للغاية، تسير على نحو منظم ومدروس بهدف إلحاق الأذى بالصحفي نفسه أو أسرته أو أقاربه، وهنا تضيق دائرة الخطر عليهم مع مرور الوقت وتزيد معها خطاب العنف والتحريض والكراهية ضد العاملين في هذا المجال.
حالة التضامن مع الوسط الصحفي اليمني تبدو ضعيفة على المستوى المحلي، وأضعف عل المستوى الدولي، فثمة بيانات روتينية تصدرها المنظمات الدولية لكنها لم تحدث أثرا وتوقف هذا السيل الجارف من الانتهاكات تجاه كل صحفي يعيش في اليمن وفي هكذا بيئة خطرة.
تساعد غياب آليات الحماية والمساءلة على تزايد الانتهاكات ضد الصحفيين، وهذه النقطة الجوهرية فيما يتعرض له الصحفي اليمني الذي وجد نفسه وحيدا لا دولة، لا حكومة، لا دستور، ولا قانون قادر على حمايته من هذا الكم الكبير من الانتهاكات المتتابعة التي لم تتوقف إلى وقتنا الراهن.
فكيف لصحفي أن يتبنى قضايا تلامس هموم البسطاء والكادحين الذين مزقتهم الحرب وحرمتهم العيش باستقرار، بلد كاليمن يحتاج للإعلام صوته مرتفع يسمعه الجميع في الداخل والخارج، ولكن للأسف فُقد هذا الصوت وتبقى صوت الرصاص، واختفى معها الرأي المتحرر من العصبويات والايديولوجيات بكل أشكالها.
من الأسئلة الأكثر بساطة مع هذه الصورة القاتمة لحرية الصحافة في اليمن هو ما الذي يحتاجه الصحفي اليمن كي يعيش ويمارس مهنته بحرية أمان؟ هذا السؤال سهل للغاية وإجابته أيضا، لكن الفعل يواجه تحديات ومخاطر مضاعفة، حرية الصحافة في اليمن بحاجة لآليات حماية حقيقية وأصوات مدنية قوية إلى جانب قوة القانون كي يضمن للصحفي العمل في بيئة آمنة ومستقرة بعيدا عن أية مخاطر.
ما يبحث عنه الصحفي اليمني في هكذا وضع صار أُمنية، بل أصبح شيئا صعب المنال، نظرا للبيئة التي عقدتها الحرب والجماعات المسلحة والميليشيات بكل مسمياتها، خاصة التي تعمل بشكل موازي لعمل مؤسسات الدولة الرسمية، وهذه هي النقطة التي يصل كل الصحفيين إليها.
يصادف اليوم الـ 3 من مايو من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، والوسط الصحفي اليمني في الشتات والضياع داخليا وخارجيا، انهارت المؤسسات الصحفية وتوقف الكثير منهم عن العمل، فيما تشرد جزءا كبيرا منهم بين مناطق كثيرة داخل البلاد، وآخرين خارج البلاد، فلا حكومة رسمية سلطت الضوء على معاناتهم ووفرت بيئة آمنة لهم للعمل، ولا جهات دولية معنية بالحقوق والحريات تبنت قضية الانتهاكات بحق الحريات الصحفية في اليمن.