بداية الطريق
كان لحزب الأحرار في عدن أثرا كبيرا في الضغط على حكم الإمام يحيى ومطالبته بالإصلاح ونشر التعليم ورفع الظلم.
وكان من نتائج ذلك استدعاء بعثة تعليمية من مصر، وزعت على ثلاث مدن، صنعاء، تعز، والحديدة، واستطاعت أن تقنع الإمام يحيى بإرسال بعثه تعليمية للخارج، فشكلت البعثة التعليمية وكان الطالب عبدالله جزيلان واحدا منهم.
يقول جزيلان: إنهم حين وصلوا لبنان وزعوا بين كلية المقاصد الإسلامية في صيدا، وكلية المقاصد في طرابلس، ولكن الملاحظ أن جميع أعضاء البعثة حين شاهدوا العالم الخارجي أصبحوا يحملون الحقد والكراهية لنظام الحكم في اليمن.
ويضيف: أصبحنا خلية ثورة تنمو باستمرار كنا طاقة هائلة، الكل حريص على تحصيل العلم وكان كل فرد يعتقد أنه مسؤول عن إخراج اليمن من ظلمات القرون الوسطى والقفز بها إلى العصر الحديث. كانت الروح الوطنية تكبر وتنمو معنا وقد سررنا جداً بثورة 1948، ولكن سرورنا لم يتم فقد قضي عليها خلال 26 يوماً من قيامها.
الانتقال إلى القاهرة
بعد فشل ثورة 1948 طلب من البعثة الانتقال للدراسة في القاهرة والسبب في ذلك يعود إلى أن الفضيل الورتلاني، أحد أهم كبار ثورة الدستور، كان قد قبل كلاجئ سياسي في لبنان ورفضت حكومة لبنان تسليمه، فغضب الإمام أحمد وطلب نقل البعثة إلى القاهرة.
يقول جزيلان: بعد انتقالنا إلى القاهرة كبرت وكبرت معنا مسؤوليتنا الوطنية، وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر زاد الأمل في تخليص بلادنا من حكم الكهنوت العفن، وأننا الشباب أمل شعبنا وعلى أيدينا يأتي الخلاص، ففكرت مع بعض إخواني ووصلنا إلى اقتناع بأن الجيش هو القادر على التغيير باعتباره المؤسسة الوحيدة التي تمتلك القوة والنظام في عالمنا العربي فالتحقت بالكلية الحربية بمصر.
"وكانت الحياة صعبة بالنسبة لي فأنا أعرف أن كل هذه الأسلحة التي نتدرب عليها وندرسها لا وجود لها في اليمن، وإن السلطة في اليمن لا يمكن أن تسمح بقيام جيش حديث خصوصاً وأن ثورة مصر قادتها عسكريون".
العودة إلى اليمن
يشرح جزيلان كيف عودتهم الى اليمن، فأثناء دراستهم في مدرسة المدفعية بعد التخرج من الكلية الحربية، وصل ولي العهد، البدر من موسكو إلى القاهرة، وذهب مجموعة من الطلاب لمقابلته، وبعد هذه المقابلة منح البدر كل المجموعة رتب عسكرية، وطلب منهم الاستعداد للسفر لليمن لأمر هام
"وقبل سفرنا بأيام دعيت كل الجيوش العربية للمشاركة في احتفالات الثورة المصرية، شارك الجميع إلا اليمن لم ترسل قوة للاستعراض مما جعلنا نشعر بالخجل، وخصوصاً أن البدر موجود فأصبح في حيرة من أمره".
ولا أعرف من اقترح علينا أن نلبس ملابس الكلية الحربية ونقوم نحن بالمشاركة وكأننا جنود، وفعلا لبسنا وسرنا في طابور العرض قبل الكلية الحربية بأمتار مما جعل كثيراً من المتفرجين يعتقد أن هذه القوة العسكرية الرائعة يمنية، ولم يعلموا أننا مجموعة من الضباط الدارسين في مصر.
ويضيف جزيلان: بعد أيام دعينا للاجتماع في شقة بجانب قصر النيل، وكان الداعي لهذا الاجتماع النقيب المصري المرافق للبدر وأثناء الاجتماع طرح علينا سؤالاً هاماً، سأل كما أتذكر: أيهما أفضل للحكم في اليمن البدر أم الحسن؟
فرد بعض الزملاء برد عن الحسن بأسلوب لم يعجبني فقلت مندفعاً: البدر أفضل فالحسن عقلية متحجرة لا تناسب العصر بينما البدر شاب صغير السن قابل أن يساير العصر خصوصاً وقد بدأ الخروج إلى الخارج ويسير في ركب العروبة والتقدم.
"وكنت أتكلم بصدق مخدوع بزيارته لموسكو وبما أخبرني به مدير مدرسة بشأن استيراد الأسلحة الحديثة واقتراب البدر من القيادة".
الثورية في القاهرة
يقول جزيلان: بعد ذلك طلب منا البدر الاستعداد للسفر معه، وقامت بنا الطائرة وحين وصلنا الحديدة خرج الإمام أحمد لمقابلة ابنه البدر وتقدم الوفد ليسلم عليه وهو في العربة وكان البدر يقدمنا اليه واحداً واحداً وكانت الرهبة بادية على الجميع وكأنه وحش كاسر سينقض عليهم. وجاء دوري وتقدمت منه وما إن وقعت عيني في عينه وقدمت يدي لأسلم عليه فضغط عليها فضغطت بالمثل. وقلت في نفسي أهذا الرجل المشلول يحكم اليمن، وينشر الظلام والظلم في كل مكان والكل يرهبه ويخافه ونظر إلى ابنه البدر وقال: من هذا؟
قال البدر: هذا عبدالله جزيلان.
قال الإمام: ابن عمي قائد "
قال البدر: نعم
كل هذا وأنا ضاغط على يده بشدة وأتأمل فيه بعمق.. فنطر إلى وقال: فلت يدي"أي اترك يدي".