18 أكتوبر 2024
آخر الاخبار
18 سبتمبر 2022

 

قرأت ذات مرة في مكان ما، أن أحد مصادر احترام الذات تأتى من التصدي لمسئولياتك ومن تلك الأشياء التي تقوم بها دون رغبة لكنك مع ذلك تقوم بها بإخلاص وكأنها شيء تحبه من اعماقك.

تذكرت هذه المقولة، بينما أصبحت أفكر جديا في التحول إلى بائع قات، حتى أتمكن من تغطية مستلزمات المعيشة، ثم يتسنى لي كتابة ما أريد كتابته (مؤخرا لم أعد واثقا إن كان لا يزال لدي ما أريد كتابته بشكل أصيل). التحرر من ضغط مستلزمات المعيشة، سوف يوفر للمرء - كما هو اعتقادي - استرخاء يساعد على التفكير الحر ومن ثم الذهاب مع عملية التجريب في الكتابة حتى نهايتها.

سوف أكتب عندما أشعر بأن هناك ما يتوجب كتابته، وسأكتب بالطريقة التي أرغب بها، وليس بحسب توقعات جهات النشر. لن أكون مضطرا للكتابة حول مواضيع لا تهمني أو عن تلك التي لا تزال بالنسبة لي بمثابة أحراش مجهولة الكتابة حولها تتطلب طاقة هائلة لم تعد متوفرة لدي وعندما اتصدى لها مرغما بضغط من القلق الذي يثيره دين البقالة وحساب المقوت و"ابن المؤجر آخر الشهر والمؤجر في كل رشفة ماء"، لا أخرج من العملية إلا وقد أصبحت مستنزف الروح تماما.

ذكر محفوظ القاسمي مرة، أن التأهيل المجتمعي، قد تغلب حتى الآن بفارق كبير على التأهيل العلمي والمهني في الجامعات والمعاهد. كثيرون يكملون دراساتهم ثم يعودون لممارسة تلك الأعمال التي تزدهر في محيطهم. خاصة في تلك المناطق التي تشتهر بممارسة ابنائها لمهن بعينها يتوارثونها جيلا عن جيل. كان ذلك عقب خيبة الثورة التي استشعارها محفوظ قبلنا جميعا وبدأ يفكر في احتراف مهنة بيع الملابس التي يشتهر بها ابناء منطقته.

سأعرف لاحقا أن محفوظ قد نجح في الابتعاد عن السياسة وتصالح مع فكرة العمل مع المنظمات غير الحكومية، وألقى بنظرياته العلمية وذكائه الفريد في سلة مهملات الزمن البائس. بالنسبة لي يبدو العمل مع المنظمات هو الفرصة الذهبية لو أنني اريد الكثير من النقود لكني في الحقيقة أبحث عن قليل من الاستقرار النفسي وليس عن النقود بشكل مجرد. لم أكفر بكل معتقداتي بعد، ولا يزال الاخلاص للمعرفة يشغلني أكثر من أي شيء آخر.

كانت السياسة تشدني دائما لكن المآلات كما اتضحت الصورة في السنوات الأخيرة ألقت بي في اكتئاب حاد لا زلت أحاول التعافي منه، وجزء من عملية التعافي وضع تلك القطيعة مع اغراءات السياسة ووهم أنه بالوسع تغيير العالم. لكن أيضا دون التخلي عن المواقف المبدئية ودون الكفر بالقيم التي كانت تحثني على الاهتمام بالشأن العام.

فكرت أن أعمل في التسويق الالكتروني. لدي بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة. لكن العمل غير المادي، كما هو شأن الكتابة، لا يزال يثير الفزع. بعكس العمل المادي الملموس والمنتمي لنفس البيئة التي ولدت وترعرت فيها والأهم العمل الذي تكون متطلبات القيام به محدودة وتوفر لك بعض الوقت لنفسك ولما تحب القيام به (القراءة والكتابة الحرتان).

كان جدي لأبي يعمل كمشارع (محامي تقليدي) لكني فشلت في تعلم المهنة رغم أنني في الجامعة درست القانون وكان السياق الطبيعي هو أن أتخرج وأبدأ أمارس مهنة المحاماة. اهتمامي المبكر بالسياسة صنع حاجزا كبيرا بيني وبين أي عمل يتقاطع مع كل ما له علاقة بالسلطة أيا كان نوعها، أصبح لدي فوبيا من المؤسسات والأروقة التي تتواجد فيها الدولة.

حتى مهنة المحيط الذي عشت فيه، وهي النجارة وصناعة الاثاث المنزلية فقد جربتها بعد الثانوية وفشلت في التقدم لمستوى يؤهلني لاتخاذها كمهنة. فشلت لأنني تطلعت للقيام بأعمال كنت أعتقد أنها أهم بكثير. ثم أدركت متأخرا وبعد فوات الأوان أن أي عمل يجعلك قادرا على تأمين مستلزمات المعيشة لك ولأسرتك لابد أن يكون هو العمل الأهم على الإطلاق.

 

" من صفحة الكاتب في فيس بوك"

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI