21 نوفمبر 2024
26 يوليو 2023
يمن فريدم-إبراهيم محمد
Getty

 

رغم نمو الاقتصاد المصري بمعدلات عالية يستمر التضخم بشكل قياسي أيضا، إنها حالة غير مألوفة، ما هي خلفياتها وكيف تؤثر على الطبقة الوسطى التي ينبغي أن تكون القلب النابض لأي اقتصاد ينشد التنمية والازدهار؟

 

في الحالات التي لا يقتل فيها التضخم فرص النمو، فإنه يؤدي إلى إضعافها أو توجيه ضربة قوية لها كما هو عليه الحال في مصر. فمعدلات التضخم المستمرة التي زادت على 30% خلال أشهر الربيع الفائت 2023، تلقي بظلالها السلبية على نمو الاقتصاد المصري.

 

وحسب وحدة الخبرة الاقتصادية (EIU) المتخصصة بالتوقعات فإن معدل نموه هذه السنة سيبقى بحدود 3% مقابل نحو 7 %خلال العام الماضي 2022. ولولا استمرار الإنفاق الكبير للحكومة وضخها استثمارات ضخمة بمقاييس الدول النامية في مشاريع البنية التحتية والطاقة وبناء المدن الجديدة بتكاليف تصل إلى عشرات مليارات الدولارات لكان النمو المتوقع أضعف بكثير أو أقل من نصف النسبة المتوقعة.

 

تضخم قياسي رغم النمو!

 

يعود الفضل في نسبة النمو العالية التي تحققت خلال العام الماضي لأسباب من أبرزها استمرار ضخ الاستثمارات في مشاريع قومية كبيرة يتم تمويلها عن طريق قروض محلية وخارجية. ثم تأتي زيادة دور الغاز في الصادرات بعد ضخ استثمارات كبيرة للكشف عن حقوله واستغلالها.

 

ومع أن الارتفاع في معدلات النمو كان ينبغي أن يساعد على كبح جماح التضخم القياسي، إلا أن العكس قد حصل، فقد وصل في المدن المصرية إلى معدلات قاربت نسبة 36% في شهر يونيو/ حزيران الماضي. أما معدل تضخم أسعار المستهلكين الذي تشمل بالدرجة الأولى أسعار المواد الغذائية فتجاوز نسبة 60%.

 

وعلى ضوء ذلك يبدو أن النمو حصل في قطاعات لا ترتبط مباشرة بإنتاج السلع الاستهلاكية التي تمس الحياة اليومية للناس. وبما أن الجزء الأكبر من هذه السلع أو من مكوناتها يتم استيراده، فإن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية بمعدلات غير مسبوقة طغى على ثمار النمو وقلص من مفعوله في السوق المصرية. وجاء هذا الارتفاع بفعل تبعات كورونا والحرب الأوكرانية.

 

تضخم مستورد يفاقم العجز

 

وفاقم من مشكلة التضخم عدم استقرار الجنيه المصري وتسجيله تراجعا في السوق السوداء وصل إلى نحو 38 جنيها للدولار مقابل 32 جنيها حسب السعر الرسمي. وهذا الأمر حفّز وما يزال يحفز على المضاربة بسعره وعلى مزيد من التراجع في قيمته وفي الثقة به كعملة للادخار. وما يزيد الطين بلة هو استمرار ارتفاع الأسعار العالمية.

 

ومن تبعات ذلك الحاجة إلى مزيد من الدولارات للوفاء بمتطلبات الاستيراد. كما زاد الطلب والإقبال على العملة الأمريكية نتيجة رفع سعر الفائدة عليها وبسبب الهروب من الادخار بالعملات الوطنية التي تراجعت قيمتها أمامه بشكل كبير في معظم البلدان النامية. ويُخص بالذكر منها البلدان التي تعاني العجز المزمن في ميزان مدفوعاتها وتعتمد على استيراد القسم الأكبر من سلعها الغذائية والاستهلاكية مثل مصر.

 

سياسة الحكومة تؤجج النيران

 

ومع أهمية العامل الخارجي الناتج عن تبعات كورونا والحرب في أوكرانيا على صعيد التسبب بارتفاع معدلات التضخم، فإن السياسات المالية التي اتبعتها الحكومة المصرية على مدى السنوات الثلاث الماضية صبت الزيت على نيران هذا الارتفاع وفاقمته.

 

وتمثلت هذه السياسة في زيادة المعروض النقدي أيضا من خلال طبع المزيد من الجنيهات واستخدامها لسد العجز المتزايد في الموازنة عن طريق التمويل بالعجز بدلا من سده عن طريق تشجيع زيادة الانتاج.

 

ووفقا لمصادر البنك المركزي المصري فإن هذا المعروض قفز إلى نسبة حوالي 32% في شهر مايو/ أيار مقابل نحو 16% في السنة المالية 2020/ 2021.

 

وعلى الرغم من هذه السياسة يتوقع أن يصل عجز الميزانية في السنة المالية الحالية 2023/2024 إلى نحو 27 مليار دولار، أي ما يزيد بنسبة تصل إلى نحو 9% عن السنة المالية السابقة. أما خدمة الديون المترتبة على المالية العامة للدولة فتقدر بنحو 20 مليار دولار للسنة المالية التي بدأت في يوليو/ تموز الجاري.

 

حتى الطبقة الوسطى تحت العجلة

 

على الصعيد الاجتماعي أدى التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوقين إلى تراجع وتدهور في مستوى معيشة المصريين إلى خطوط فقر جديدة. وتكمن المشكلة الجديدة في أن التدهور يطال فئات أوسع من الطبقة الوسطى التي ينبغي أن تشكل القلب النابض لأي اقتصاد واعد ومزدهر أو مقبل على الازدهار.

 

ومن المؤشرات على ذلك أن أعدادا متزايدة من العائلات المنتمية إلى هذه الطبقة لم تعد قادرة على تحمل دفع أقساط المدارس الخاصة لابنائها. ومن المؤكد أن مثل هذا التراجع ينعكس سلبيا على حزينة الدولة، لأن الضرائب المتحصلة من الفئات الوسطى والمحدودة الدخل تشكل ثلث إيرادات الخزينة أو أكثر في البلدان النامية.

 

أما في البلدان الصناعية فإن الطبقة الوسطى تساهم بأكثر من ذلك وفي تشغيل أكثر من ثلثي قوة العمل. وعليه فإن وصفها بالعمود الفقري لأي اقتصاد صناعي مزدهر يأتي في محله.

 

وفي خلفية التدهور يقول المحلل السياسي عمار علي في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزة الألمانية (ARD) أن "الطبقة الوسطى تنهار وأن الفقر آخذ بالازدياد وأن من يعيشون تحت خط الفقر يقارب ثلثي سكان مصر".

 

ويرى الخبير أنّ خلفية الأزمة الحالية تكمن في أن الكثير من الأموال المقترضة من المنظمات الدولية والدول العربية لا يتم إنفاقها منذ سنوات في مشاريع إنتاجية محلية تخفف من الاعتماد على الاستيراد، بل على مشاريع بنية تحتية ينطوي تنفيذها على كثير من التباهي". كما أن إنجازها يتطلب المزيد من المليارات التي لم تكن في الحسبان بفعل زيادة الأسعار العالمية وتكاليف الاقتراض.

 

تدهور وصل إلى نقطة حرجة

 

يبدو أن تدهور مستوى المعيشة حتى في صفوف الطبقة الوسطى وصل إلى نقطة لا يمكن للحكومة المصرية المخاطرة بصب المزيد من الزيت على وقودها. ويدل على ذلك ترددها في تخفيض رابع لسعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي خوفا من تدهور جديد في القوى الشرائية للغالبية.

 

ويبرز الخوف بشكل خاص خاصة على صعيد السلع الأساسية التي ما تزال تحظى بالدعم الحكومي أو ببعضه. لكن السؤال هنا، إلى متى يمكنها أن تصمد على هذا الصعيد أمام الضغوط المتزايدة من صندوق النقد الدولي وضغط السوق المالي المحلي بسبب الفرق بين سعر الجنيه في السوق الرسمية وسعره في السوق السوداء؟

 

وإضافة إلى ترددها في القيام بتخفيض جديد في سعر الجنيه تراها تلجأ إلى مزيد من التروي في خصخصة أكثر من 30 شركة تابعة لقطاع الدولة أو القطاع العام. وهو أمر لا يسر صندوق النقد الدولي الذي ينتظر تجاوز هذا التردد لتقديم قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار.

 

ومما تخشاه الحكومة في هذا الإطار تسريح الآلاف من وظائفهم وارتفاع أسعار السلع والخدمات العامة التي تقدمها الشركات المذكورة لعامة الناس في حال تمت الخصخصة بالشروط التي تنشدها المؤسسات الدولية والدول الخليجية المانحة.

 

هل تنجح مراهنات الحكومة؟

 

وبدلا من الإسراع في الإصلاحات على النمط التي تطالب به هذه الجهات يبدو أن صناع القرار المعنيون في الحكومة المصرية يراهنون في الوقت الحالي أكثر على تحسن سعر الجنيه المصري بعد رفع سعر الفائدة الرئيسية عليه إلى مستوى قياسي بلغ نحو 19%.

 

وقفز سعر الفائدة على أذون الخزانة لأجل عام واحد إلى أكثر من 24 بالمائة. وتتم المراهنة أيضا على التخفيف من العجز في سوق العملات الصعبة من خلال مصادر بديلة عن القروض. ويأتي على رأسها توقع إيرادات إضافية بفضل انتعاش السياحة مجددا وعودتها التدريجية إلى سابق عهدها.

 

في هذا الإطار تحاول الحكومة المصرية زيادة الاستثمارات الأجنبية الخاصة بفعل تراجع قيمة الجنيه المصري الذي يتيح للمستثمرين شراء أصول مصرية بأسعار مناسبة أكثر من قبل. ومن بين هذه الأصول الشركات الحكومية المطروحة أمام القطاع الخاص للدخول في ملكيتها أو تولي إدارتها بطريقة ولو مختلفة عن تلك التي تطالب بها الجهات الخارجية المانحة.

 

بيد أن الوصول إلى الهدف المنشود لا يتم في أشهر، بل يتطلب سنوات عديدة يتم خلالها أيضا تحقيق نجاح فعلي وملموس في تنويع مصادر الدخل وتحقيق معدلات أمن غذائي عالية بإنتاج مصري محلي.

 

وحتى ذلك الحين قد لا تجد الفئات المتضررة نفسها مجبرة على الاستمرار في تحمل الفقر وتردي مستوى المعيشة، بل إن ذلك قد يطال المزيد من الفئات المنتمية إلى الطبقة الوسطى ليصبح المجتمع المصري أكثر استقطابا بين الفقر المدقع والغنى الفاحش.

 

(DW عربية)

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI