يتصدر الملف الاقتصادي جدول أعمال المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية، بعد وصول وفد من الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض، عقب ماراثون شاق من البحث والنقاش الدائر منذ نحو عام بجهود وساطة عُمانية.
ويستحوذ القطاع النفطي وإدارة عائدات تصدير النفط الخام على أجندة زيارة معلنة للحوثيين، يوم الخميس الماضي، برفقة وفد الوساطة العمانية، إلى الرياض وهي أول زيارة لحوثيين منذ بدء الحرب في اليمن قبل نحو تسعة أعوام، إذ يتركز الصراع الدائر في اليمن منذ نحو عام في هذا الملف، لارتباطه بموضوع محور خلاف شديد بين الأطراف المتنازعة يتمثل في صرف رواتب الموظفين المدنيين المتوقفة منذ نهاية العام 2016.
ويصر الحوثيون على صرف رواتب الموظفين المدنيين من عائدات النفط، الذي تقوم الحكومة المعترف بها دولياً بتصديره، واتهامهم لها بنهب الثروات الطبيعية النفطية والقيام بتصدير تقدره سلطة صنعاء بأكثر من 11 مليون برميل من النفط الخام بقيمة تزيد على مليار دولار خلال العام 2022.
يصر الحوثيون على صرف رواتب الموظفين المدنيين من عائدات النفط، الذي تقوم الحكومة المعترف بها دولياً بتصديره
فيما تتهم الحكومة الحوثيين بنهب الإيرادات الجمركية والضريبية الخاصة باستيراد الوقود عبر ميناء الحديدة، والتنصل من أي التزام في توفير الخدمات العامة وصرف رواتب الموظفين المدنيين في مناطق نفوذها.
وعلم "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أن مفاوضات الرياض في هذا الملف تبحث عدة خيارات لإعادة تصدير النفط واستخدام عائداته في صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، والآليات المتاحة لإدارة هذه العائدات وإنفاقها في ظل انقسام المؤسسات النقدية والمالية بين طرفي الصراع وتشددهما في مسألة إعادة توحيد هذه المؤسسات، وهو ما سيجرى بحثه بجدية بالتوازي مع خيارات أخرى ستُعرض للنقاش لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف فيما يتعلق بتوريد العائدات وإدارة البنك المركزي اليمني.
في السياق، يتحدث الخبير والاستشاري في تنمية الموارد الطبيعية عبد الغني جغمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن تعقيدات واسعة تواجها جهود حلحلة أهم ملفات الصراع في الأزمة اليمنية المتمثل بقطاع النفط والغاز، مشيراً إلى أن هناك عدة إشكاليات تتطلب النظر والبت فيها ومعالجتها، منها ما يتعلق بعقود الشركات المستثمرة ووضعية الحقول المنتجة، وإجراءات وسياسات بيع وتصدير النفط الخام.
ويشرح جغمان أن هناك تجاوزات حدثت مؤخراً في بيع النفط الخام لجهة خليجية من دون اتباع الإجراءات المتعارف عليها في تسويق النفط الخام، كما أنه لأول مرة في تاريخ تسويق وبيع النفط الخام تتم مثل هذه الإجراءات لبيع نفط خام لم ينتج ولا يزال في باطن الأرض، لكميات تشمل فترة قد تصل إلى نحو عام، مقابل قيام الجهة المشترية بتوريد كميات من الوقود، مازوت وديزل وبترول، من الخارج بدلا من الدفع عن طريق الجهة النقدية الرسمية، البنك المركزي اليمني.
تعتبر عوائد إنتاج وتصدير النفط والغاز أهم مورد سيادي لليمن، لكنها تمثل أهم بؤر الصراع والقتال بين أطراف الحرب في البلاد
وينتقد خبراء اقتصاد عملية رهن الاقتصاد اليمني لمصدر إيرادي واحد لا يستطيع التأثير عليه، وهو ما ظهرت آثاره حاليا في الصراع الدائر منذ العام 2015، وبشكل خاص في الفترة الأخيرة مع استهداف الحوثيين موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة، ما أدى إلى فقدان الحكومة أهم مصادر تمويل نفقاتها.
ويرى الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الراهن في اليمن يتطلب سرعة إعادة تصدير النفط المتوقف منذ نهاية العام الماضي، ومن ثم العمل على إعداد استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادي، بشقيه المالي والنقدي، وخطة مزمنة لاستعادة الموارد العامة من الضرائب والرسوم الجبائية وايرادات مؤسسات الدولة الاقتصادية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.
ومراجعة دقيقة للظروف المحيطة بالاقتصاد اليمني بعيداً عن التنظير والتسطيح، وإصلاح القرار الاقتصادي لدى السلطة الشرعية المتمثلة بالحكومة المعترف بها دولياً، وتحييد السياسة الاقتصادية للحوثيين المعيقة للحكومة الشرعية وبنكها المركزي".
وفي الوقت الذي استبشر فيه مواطنون يمنيون بجهود الوساطة العمانية لإيجاد حل للأزمة في اليمن، وتقريب وجهات النظر بين الحوثيين والسعودية وتتويجها بزيارة السفير السعودي إلى اليمن محمد ال جابر مؤخراً إلى صنعاء، وزيارة الحوثيين إلى الرياض، في حين يرى آخرون أنها ستكون كسابقاتها من الجهود والوساطات التي انتهت بالفشل.
المواطن عبد الكريم الشرعبي، وهو موظف في إحدى المؤسسات العامة، يبدي في حديثه لـ"العربي الجديد" تفاؤله هذه المرة بجهود إنهاء الصراع في اليمن، مؤكداً أن إحلال السلام وإنها الحرب والصراع بالنسبة له وللكثير من المواطنين والموظفين يعني صرف رواتب الموظفين عن السنوات السابقة والانتظام في صرفها خلال الفترة القادمة.
بينما لا يعتقد المواطن فواز دحان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تذهب المفاوضات أبعد من الاتفاق على صرف رواتب الموظفين المدنيين، والتي يجب أن تصرف من دون خضوعها لهذا الابتزاز من قبل جميع الأطراف.
لكن بالمقابل فإن ما يجري لا يهم المواطن عبد الرزاق أمين، عامل بالأجر اليومي، لأن مواجهة مشقة الحياة وتوفير لقمة العيش هي كل ما يهمه ويركز عليه، إضافة إلى أن جميع الأطراف، بحسب حديث أمين لـ"العربي الجديد"، لا يعنيها أحد غير تحقيق مصالحها الخاصة.
(صحيفة العربي الجديد)