7 يوليو 2024
3 سبتمبر 2022
يمن فريدم-خاص- آية خالد

 

"نفسي بس أروح مدرسة زي كل الأطفال" هكذا خاطبتنا الطفلة لين (7 سنوات) التي تقطن مع أسرتها في العاصمة المصرية القاهرة منذ 3 سنوات، لين لم تتمكن من الذهاب للمدرسة بسبب التكاليف الدراسية الباهضة في المدارس اليمنية.

 

فلين ليست الطفلة الوحيدة المتعثرة عن التعليم في مصر، بل غيرها قرابة 750 طفل يمني محرومون من الدراسة حسب إحصائية سابقة عام 2020لمبادرة "خذ بيدي من حقي أن أتعلم".

 

هذا العدد يضاعف من نسبة الجهل في اليمن، ويضيف عبئاً جديداً على أطفال اليمن، فبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونسيف" 2021، فإن مليوني طفل يمني خارج المدراس و (3,7) مليون طفل آخر معرضون لخطر التسرب.

 

البرد والخوف والحرب

الحرب التي شهدها اليمن مطلع العام 2015 خلفت كثيرا من الأضرار، أُجبر البعض على النزوح وآخرون على اللجوء للبحث عن وطن آمن بعيد عن ويلات الحرب، طلبًا لبيئة آمنة لهم ولأطفالهم؛ تمكنهم من بناء مستقبلهم بطرق سلمية.

 

هُنا في مصر الدولة التي تضم أكبر تجمع للجالية اليمنية في العالم، يتواجد فيها عدد كبير من اليمنيين، منهم من جاء للدراسة ومنهم للعلاج ومنهم للاستقرار، وآخرين بانتظار معاملات السفر إلى أوروبا، حيث بلغ عددهم وفقا لتقرير منظمة الهجرة الدولية مليون يمني بينهم 55000 طفل، جزء منهم بسن المدارس، والملتحقين بالمدارس منهم لا يتجاوز 5000 آلاف طفل حسب إحصائية سابقة لمبادرة خذ بيدي من حقي أن أتعلم.

 

مدرسة منزلية ولا شهادة

 

شرحتْ والدة لين لموقع " يمن فريدم" الوضع التعليمي لأطفالها مسترسلة:" أنا أم لطفلين طفلي الأكبر من المفترض أن يكون اليوم في الصف الخامس، ولكنني لم أستطع إلحاقه بالمدارس اليمنية بسبب الرسوم العالية، وعندما بحثنا في المدارس المصرية فالإقامة شرط من شروط القبول ومشوارها طويل ويكلف أيضًا، فلجأت لتدريسه في المنزل إلى أن يفرجها ربي".

 

وتضيف:" لين تقف كل يوم بحسرة على شباك المنزل وهي ترى الطلاب أمثالها يذهبون للمدرسة، وتظل تبكي باستمرار تريد الذهاب للمدرسة ولكن ما باليد حيلة، ألحقناها في حضانة قريبة من المنزل لمدة عام فقط وبعدها رفضوا كون عمرها فوق الست سنوات، وعُدتُ أُدرسها في البيت كأخيها".

 

وضع إقتصادي لا يرحم

 

الهموم لا تأتي فُرادى فهُنا الأهالي تتلاكم عليهم المسؤوليات في الغربة منها توفير لقمة العيش في بلد فرص العمل فيه شحيحة ودخلها قليل لا يُغطي المصاريف الرئيسية حتى، وما زاد الطين بلة هو أسعار المقاعد الدراسية للمدارس اليمنية التي تبدأ من 500$ علىى الأقل وهذا مبلغ يصعب توفيره لدى أغلب الأسر مما يضطرهم لإبقاء أطفالهم في البيوت دون دراسة.

 

مبادرات متعثرة

 

مبادرات مجتمعية كثيرة نشأت في القاهرة تحاول تسهيل المعيشة لليمنيين وخدمتهم وتبحث عن طرق شتى لمساعدتهم، من ضمن هذه المبادرات مبادرة "خذ بيدي من حقي أن أتعلم" وهي مبادرة خدمية طوعية أنشأها عدد من أبناء الجالية اليمنية في مصر؛ لمعالجة أوضاع الطلاب المتعثرين والمتسربين من المدارس ومحاولة إيجاد حلول مناسبة تمكنهم من الإندماج في مجتمعات المهجر وعودتهم للمدارس سواء كانت يمنية أم مصرية.

 

بديل الدروس الخصوصية

 

من جانبه يرى محمد سبأ، طالب دراسات عليا في مصر، أن المدارس اليمنية تقدم خدمة كبيرة للمواطن اليمني في الخارج، من حيث التعاون وكذلك جودة التعليم والكوادر المؤهلة، مؤكدًا في حديثه لـ " يمن فريدم" : " بالنسبة لي أب لثلاثة أطفال في سن المدارس وجميعهم ألحقتهم بمدارس يمنية، وتنقل أولادي بين مدرستين، وحقيقة ألتمس تجاوبهم المستمر مع ما يتلقونه في المدارس، إلى جانب أن المدارس اليمنية تغنيك عن الدروس الخصوصية؛ لأن المدرسين يقومون بواجبهم على أكمل وجه، وبكل الأحوال المتابعة من الأسرة مطلوبة إلى جانب المدرسة".

 

ويُضيف: " الرسوم تُعد مناسبة، ومؤخرًا بدأت بعض المدارس بعمل تخفيض لأبناء الأكاديميين والدارسين، ومن ظروفهم صعبة".

 

ذوي الدخل محدود

 

أما مشُيرة وهي أم لطفلين وهذه هي سنتهم الدراسية الأولى في مصر فتشعر بالعجز، لا سيما أنها وحيدة معهم ولا عائل لهم فشكت لنا وضعها: " الرسوم تتجاوز الـ 5000جنيه مصري قرابة (460$) وأنا أعمل في مطعم وراتبي لا يتجاوز الـ 3000 جنيه مصري (قرابة 200$) وهذا عبئ كبير عليّ وأفكر مرارًا بسحبهم من المدرسة وأشعر بالعجز فأبسط حق أحاول أكلفله لأولادي من بعد إنفصالي عن والدهم الذي لا يسأل عليهم هو التعليم، ولكن الوضع والظروف تقف عائق بيننا، والمعيشة في مصر غالية تحتاج لدخل كبير لتكفل العيش الكريم لك ولأطفالك".

 

دور المدارس

 

ومن جهته يُشير، عبده هبه مدير مدارس العروبة اليمنية الدولية، في القاهرة إلى أن الإقبال على المدارس اليمنية في مصر هذا العام أكثر من الأعوام السابقة ووضح السبب قائلًا: " يرجع نسبة الاقبال الكبير لسببين أساسيين الأول: زيادة الجالية اليمنية في مصر، والسبب الثاني: التنافس فيما بين المدارس والعروض التي قُدمت من إدارات المدارس، وبالنسبة للخدمات المجتمعية أو التعاونية التي قدمت منح دراسية في مدارس العروبة". 

 

وعن مدى تجاوبهم لهذه المنح كإدارة واحدة من المدارس يردف:" الحمد لله نحن كنا السباقين في تقديم العروض، والتي شملت الأيتام ووصلت إلى منح دراسية شاملة مجانية، وتخفيض وصل لـ 50% لوذوي الدخل المحدود ومرضى السرطان وأبناء الأكاديميين والدارسين في مصر".

 

ويُشيد هبه بدور السفارة التي تتحمل عنهم كثير من الأعباء؛ لتسهيل العملية التعليمية للطلاب، ويُشير إلى المشاكل التي تواجه الأهالي وتُعيقهم أيضًا قائلًا "العقبة التي يعاني منها معظم أولياء الأمور عدم قبول مذكرات المدارس أثناء تجديد الإقامة لسنة لطلاب المدارس اليمنية".

 

المساواة في الظلم عدالة

 

سلك سالم الصالحي نهج جديد ليتمكن من إعالة أطفاله وعدم حرمانهم من فرصة التعليم ويوضح لنا ذلك" لدي ثلاثة أطفال ومن الصعب أن يدرسوا ثلاثتهم فكل سنة أسجل واحد والسنة التي بعدها يجلس في البيت ويدرس أخوه وعلى هذا الحال ثلاث سنوات وربي المسهل".

 

ويُشير إلى المتطلبات التي لا تنتهي من المدارس مؤكدًا: " المدارس كأنهم لم يعرفوا في حياتهم سوى فعل ادفع، طوال العام يمكنونا ادفع رسوم ادفع قسط ادفع حق الزي المدرسي حق الكتب حق الباص والأنشطة، المهم أهرمونا زادوا حرب أخرى على حربنا فحفاظًا على كرامتنا ولنتمكن من العيش مستورين نبقي أطفالنا في المنزل".

 

التعليم ليس للجميع

 

" المدارس اليمنية وِجدت للمستثمرين وأولاد المسؤولين فقط، أما أبناء المواطن الغلبان فلا يحق لهم حتى الحصول على حقهم في التعليم الأمر الذي فاقم عدد الطلاب المتعثرين عن المدارس وهذه مصيبة جديدة بحق الطفولة اليمنية" هكذا لخصت الوضع إحدى التربويات العاملات في واحدة من المدارس اليمنية.

 

"من حقهم أن يتعلموا"

 

ويؤيد محمد عاطف رئيس مبادرة " خذ بيدي من حقي أن أتعلم" كلام المُدرسة بقوله: " عدد المدراس 4 فقط ولا تستوعب كل طبقات المجتمع، تستوعب فقط الطبقة المتوسطة والكبيرة فقط أما الطبقة الفقيرة لاتستطيع الالتحاق في المدراس".

 

مُضيفًا أن المبادرة تسعى لضرورة إيجاد مدرسة مجتمعية تكافلية تحتوي أبناء الدخل المحدود والأيتام المنقطعين عن التعليم، وتوصيل رسالة الطلاب لرجال الأعمال ليبنوا مدرسة مجتمعية تستوعب الجميع.

 

ألتقينا بالطفل حسام (11 سنة) باغتني بجملة موجعة وما زالت تجول في ذاكرتي حين قال: " أحس إنه ربي مش كاتب لي أدرس" بالبداية نزحنا من تعز للحديدة وضاع ملفي بتعز وبعد سنتين لقوه بالأرشيف، وجيت بسجل بالحديدة ضربوا المدرسة اللي كنت بدرس فيها وقالوا أجل الدراسة سنة كمان، ورجعنا نزحنا لصنعاء وهناك كنت مستمع لمدة شهرين ورفضوا يقبلوني كطالب رسمي لأنه سني أكبر من الصف اللي أنا فيه".

 

ويواصل قصته: " قررنا نجي مصر علشان أدرس جينا تفاجئنا بالأسعار درست سنة وبعدين خرجوني مدرسة ثانية، وأبي قال الرسوم غالية بيشوفوا لي مدرسة حكومي، ولما لقينا المدرسة صدمتني سيارة وأنا رايح وجلست بالبيت سنة للعلاج ولليوم ماعاد رحت مدرسة أجلس أذاكر بالبيت من نفسي".

 

ويختم حديثه: " أجلس أصلي بالليل وأدعي يارب إن كان بالدراسة خير لي قربه لي وإن كان فيها شر لي أميتني وخارجنا بدل الفرغة هذه".

 

الموت أصبح قريب جدًا من أطفال اليمن فسبع سنوات من الحرب والقتل والنزوح واللجوء كانت كفيلة بتثقيفهم حربيًا بكل أنواع الأسلحة وأصواتها وطرق الموت، حتى أصبحوا يتمنونه بحجة " من مات أرتاح".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI