في صبيحة سبت مشرق من أيام مايو توجهت ناحية مدينة عدن في زيارة عمل، والحصول على جواز سفر بدل فاقد.
كنت متحفز -تحفز من ذلك النوع الذي تحاول فيه تبديد صعوبة ما - وعلى وقع اغنية "زور محبك إذا نام الغيور " لحسين محب أمسكت بمقبض السيارة الواقع أعلى النافذة على يمين الراكب، وحلقت وحيدًا أعانق عنان السماء الشاهقة، قد لا تدركني إلا أبصار النسور المحلقة.
سرعان ما بدد النغم الأصيل ومناضر الجبال الخضراء في ضواحي صنعاء كآبة التفكير في الطرق الوعرة والمسافة الطويلة التي ينبغي أن أقطعها.
لسنوات من الزمان، كانت مدينة عدن الواقعة على ساحل خليج عدن وبحر العرب مقصداً سياحياً للكثير من اليمنيين، لكن منذ إغلاق مطار صنعاء في أعقاب حرب أهلية طاحنة عام 2014 تحول جزءًا كبيرًا من تلك الزيارة السياحية إلى زيارة سفر شاقة وغير مرغوبة.
بالنسبة لمدينة ساحلية جميلة مثل عدن فقد كانت السياحة تنمو بالفعل قبل اندلاع الحرب.
في الوقت الحالي الطريق من صنعاء إلى عدن أقل توتراً من قبل، وليس هناك ما يعكر صفو المسافر سوى الطرقات البديلة الطويلة والوعرة التي خلقتها الحرب.
لم يعد التنقل صعباً كما كان، لقد تقلص توتر الجنود والمسافرين خلال العامين الماضيين لأسباب تتعلق بارتخاء قبضة الصراع المسلح في اليمن بشكل عام.
فبدلا من الوصول الى عدن في سبع ساعات او اقل يمكن ان يطول الوقت ليصبح الوقت 15 ساعة أو أكثر.
عشرات النقاط الأمنية ما بين صنعاء وعدن يقف بالقرب منها جنود سئموا سؤال الناس من أين أتيتم وإلى أين سوف تذهبون؟ الكثير منهم يكتفي بأي مبلغ مالي ولو كان زهيداً، حتى يكفيك عناء الرد على أسئلته المكررة.
يتوسط هذه النقاط العديد من المتسولين الجدد ضحايا الحرب الذين فقدوا مصدر رزقهم بعضهم يتسول وآخرون يصلحون الحفر وينتظرون ما تجود به أيادي السائقين.
بعد قرابة تسع ساعات وصلنا أخيراً الى مدخل عدن، أوقفنا أحد الجنود في نقطة العلم طلب منا هوايتنا، ثم ترجلنا من السيارة لتفتيشها ثم مضينا بدون مشاكل تذكر.
حين تصل إلى عدن تتبدد أي صورة سلبية لك عن المدينة وأبنائها. إنهم أولئك الطيبين والمحترمين والمتعاونين.
لا تكاد تسأل عن شيء حتى يبادروا في ارشادك بل والسير معك حتى تجد وجهتك إن كانت قريبة.
ليس لديهم ضغينة تجاه صنعاء أو القادمين منها، لكن الجرح الذي خلفه حلفاء الماضي "صالح وجماعة أنصار الله الحوثيون" لا يمكن اخفاؤه.
إن آثار الدمار الهائل على المدينة بارز مثل وشوم المحاربين القدامى.
عدن مدينة جميلة وجاذبة غير أنها بحاجه إلى الإنصاف الآن أكثر من أي وقت مضى.
يرسل ساحل أبين أمواجه الهادئة بسخاء ناحية المباني المهدمة التي لم يعد يطل من شرفاتها أحد.
ثم ينسحب ليلا وكأنه يحتج على هذا الصمت.
في الصباح يتهادى الزوار وأولئك الذين أدمنوا اشراقة الشمس على الساحل ليكون ذلك عزاء كافيا.
الحريات في عدن
هناك تراجع على مستوى الحريات المدنية والشخصية التي تميزت بها عدن.
فمنذ طرد قوات جماعة أنصار الله الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح من المدينة في يوليو 2015، أخذت سمة الانفتاح التي ميزت عدن تتقلص تدريجياً لصالح التشدد.
الزائر لعدن سيلاحظ طغيان اللون الأسود على النساء والفتيات بشكل عام.
في الجامعة أو الأسواق أو المنتزهات تمشي المرأة مرتدية عباءة وبرقع، والبعض يرتدين القفازات القماشة، رغم حرارة الطقس الخانقة.
الأمر الجيد أن ظاهرة التحرش اللفظي أو المضايقات للنساء في عدن محدودة للغاية عكس بقية المحافظات لاسيما صنعاء.
تمشي العدنية بثقة الملكات دون أن تسرق بضع نظرات في وجوه المارة، بالنسبة للفتاة العدنية هناك شموخ يتجاوز الحشمة!
في مساء أحد الأيام قررنا أن نخرج للتسوق كنت أرتدي برمودا، وبينما كنت أشق طريقي ناحية مول كبير في مدينة المنصورة منعني شخصين يقفا على بوابة المول، بحجة أن ما أرتديه، لا يجب أن أتجول به في الشارع أمام الناس. بحسب الحارسان.
وبالنسبة لشخص قادم من المحافظات الجبلية الباردة سوف يكون من الصعوبة التأقلم في هذا الجو الخانق وكانت الملابس القصيرة ملاذ للتحايل على هذا الطقس المتطرف.
حاولت الوصول إلى الصراف الآلي في بداية المول على الأقل لكنهم منعوني بحزم قائلين: هناك بالداخل العديد من العوائل ولا ينبغي التجول بهذه الملابس.
سألني أحدهم شاب في منتصف العشرينات من عمره من أين أتيتم؟
قلت لهم: من صنعاء فقال باندهاش: هل تستطيع ارتداء مثل هذا في صنعاء تحت سلطة الحوثيين؟
فقلت له: -حتى هذه الأيام - نعم أنا بالفعل أرتديه، لم يصدقني وقال: ربما لو لبسته سيقطع الحوثيين قدماك!
ثمة تصور وحشي يعوزه الدقة حول ممارسات الحوثيين ضد الحريات المدنية في الشمال.
في كريتر التي يطلق عليها السكان عدن ذهبت للبحث عن غرفة في أحد الفنادق على الشارع الرئيسي، دخلت إلى الباحة وكان هناك جدارية عليها شهادات من عدة جهات تقر بجودة الفندق وخدمته.
حدقت قليلاً ثم قلت لمالك الفندق وهو رجل بشوش في منتصف الخمسينات: بما أن هذه الشهادات هنا فالأكيد أن لديكم غرف رائعة!
رد بابتسامة: هذه كانت في عهد المرحوم علي صالح "أما الآن لا يوجد شيء حتى خدمتنا فقدت الكثير من قيمتها" لقد كان صدقاً معي لدرجة أنه نصحني بود في اسم فندق آخر وسط كريتر، وللأسف كان ذلك الفندق ممتلئ بالكامل.
إدارة الجوازات في المعلا
في صبيحة يوم الاثنين توجهت إلى إدارة الجوازات في كريتر بغرض قطع جواز بدل فاقد.
ارتديت بنطلون أنيق وشميز أبيض تحسبا لعمل صورة جديدة للجواز.
بطبيعة الحال فإن التعويل على جمال صور الوثائق الشخصية أمر ميؤوس منه.
الأمر أشبه باختيارك لإحدى القصات الموجودة في صوالين الحلاقة، وفي نهاية المطاف يمنحك الحلاق قصة شعر تشبه تلك التي حصلت عليها في أول يوم لك بالمدرسة.
كانت مصلحة الجوازات مزدحمة بشكل لا معقول وكان اليمن برمتها توجهت إلى هناك.
لا تعتمد المطارات العربية وربما الأجنبية الجوازات الصادرة من مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين، وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وبالتالي لكم أن تتخيلوا حجم الازدحام في جوازات عدن.
شقيت طريقي وسط الزحام، وتذكرت الفيلم المصري الإرهاب والكباب حين وجد الفنان عادل إمام نفسه وقد تحول إلى إرهابي عندما عجز عن اكمال معاملة ما في مصلحة حكومية.
تتشابه المقار الحكومية في عموم اليمن لا شيء أقدم منها، مكاتب متهالكة وأرضية محفرة بسبب وقع أقدام أولئك الذين بات حصولهم على جواز بلدهم أمنية.
لكن بخلاف الازدحام والتقادم على المبنى فإنه ما يزال من الأماكن القليلة التي يرفرف فيها النسر الجمهوري على أكتاف ورؤوس الموظفين.
قابلت رجلًا بعد الاستعانة بموظف آخر دفعت له خمسة آلاف ريال ومن المفترض أن هذا الموظف هو من سوف يعمل على استخراج جواز جديد لي.
كان شخص ضجر ويتعرق، ينظر للجميع بحنق وكأنهم السبب في زعزعة سكينته.
كان الموظف يدير ظهره للناس ويتوجه للحديث الضاحك مع اثنين من زملائه لقرابة نصف ساعة، وحين أعتقد الجميع أنه قد أصبح جاهزا لإنجاز المعاملات أقبل أحدهم يحمل سندوتشات بيض وعصير ليمون ووضعها أمامه ثم شرع الرجل رحلة أخرى من تبديد الوقت.
طالبته بأدب أن يستعجل، لكنه نظر الي وكأنني خصم قديم، أدخل اسمي في الجهاز وبعد مرور وقت طويل أخبرني أنهم لا يمنحون جوازات بدل فاقد.
هناك سماسرة قالوا لي إن دفع مبلغ 800 ريال سعودي سوف يمنحني جواز بدل فاقد خلال يومين.
رفضت الفكرة وقلت له سأعود إلى عدن حين تقوم الدولة بتوفير جوازات بدل فاقد، وإلى اليوم لم أستطع الحصول على الجواز.
الطريق إلى شبوة
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا حين قررنا أن نتوجه إلى محافظة شبوة، السماء صافية والشمس ترسل أشعتها الذهبية لمعانقة البحر فيعكسان جمالاً آسراً.
كنا قد تناولنا لتونا خمير وشاهي بالحليب وهذه الوجبة الصباحية أحد الأشياء التي يمتاز بها المطبخ العدني.
وبينما كنت أدلق في فمي الرشفة الأخيرة من الشاي كان جنود يتبعون قوات الحزام الأمني قد أوقفونا في نقطة خليج عدن.
قال لنا جندي بعد أن أخذ هواتفنا ووثائقنا الشخصية، أنتم في ورطة كبيرة، لا أحد يستطيع إنقاذكم.
سرحت بخيالي وتذكرت القصص المروعة التي قرأتها عن معتقلين في سجون عدن، كنت وقتها أنظر من نافذة السيارة إلى وجوه الجنود حولنا وتذكرت طفلتاي.
لا أدرى لماذا تبادر إلى ذهني شكلهما اللطيف عند استيقاظهما كل صباح لمعانقتي، وما إذا كنت سارهما ثانية أم لا.
تساءلت في نفسي ما الذي يمكن فعله في مثل هذا الموقف الذي قرر فيه جندي إدانتك بدون تهمة سوى أنك قادم من صنعاء.
أخذوا هواتفنا واحتجزونا على الخط، ومما زاد الموقف صعوبة أن لا أحد يعرف بأمرنا لم نتمكن من التواصل مع أحد وقلت في نفسي" يبدو أن طريق النهايات السيئة يتشابه".
بقي صوت المسجلة خافتاً على وقع أغنية "رجع أيلول وأنت بعيد، بغيمة حزينة قمرها وحيد" للفنانة فيروز. حيث كنا محتجزين بالقرب من كثيب رملي قد سد الأفق أمامنا، وبقينا نحدق فيه مراهنين على مهارة زميلنا الذي ترجل من السيارة لمحاولة إقناع الجنود أننا مجرد أشخاص مدنيين لا نشكل أي خطر، ولم نقم بما يمكن أن يجعلهم يهددونا بالسجن الذي لن نرى فيه الضوء.
حين فتش السيارة عثر فيها على كيس به سندوتشات بيض، فتحها ثم قال بحنق أنا كنت اشتي سندوتش جبن وحلاوى، ليش ما فيش معاكم؟
قلت له أنا لا يعجبني الجبن والحلاوى، ولم أتخيل أنني سأقابل أحد الجنود يحتجز المارة ويفضل سندوتشات الجبن، وصرخ قائلاً اسكت ولا كلمة.
بعد مرور ساعة تقريبا من الإهانة، والتهديد والابتزاز النفسي وتفتيش الصور في هواتفنا أخبرنا الجندي انهم يريدون المال..
كان زميلي يحمل شنطة من ذلك النوع الذي يربط على الخصر، وبها مبلغ كافي للذهاب إلى شبوة والإقامة في منتجع قنا ليومين، وأثناء ما كان يقوم بعد بعض المال ليعطيها للجندي، قال له بسخرية "إيش تعمل، حتى هذه الفلوس اللي بالمحفظة لن تكون كافية لمنحكم الحرية"! وبعد شد وجذب حصل على مبلغ كبير كان كفيلاً بتعطيل التوجه إلى شبوة.
عدنا أدراجنا إلى عدن وكادت الرحلة أن تتعطل لعدم توفر المال لولا نجدة أحد الأصدقاء الذي منحنا سلفة موازية لما تم أخذه منا.
قررنا التوجه مرة أخرى إلى شبوة، مررنا بساحل أبين حتى وصلنا إلى النقطة التي تم احتجازنا فيها قبل ساعتين، ووجدنا الجندي الذي احتجزنا يلوح لنا بحفاوة واعطانا رقم هاتفه للاتصال به إن واجهتنا مصاعب في الطريق. ابتسمنا لكوميدية الموقف وقررنا ألا تعكر هذه الحادثة على صفو الرحلة.
على الطريق الساحلي الممتد ما بين عدن وأبين وصولاً إلى شبوة ثمة نقاط عسكرية كثيرة، يقف عليها مجندون بائسون، أكثرهم كبار في السن.
معظم النقاط التي مررنا بها لم يطلب منا الجنود أكثر من قنينة ماء باردة، ماء لا أكثر.
وانت تستشعر حرارة الجو المرتفعة حين تفتح زجاج السيارة في نقاط التفتيش تحس بهلع الجنود الذين يخشون الموت عطشاً وحيدين في طريق ساحلي قافر.
في بعض النقاط كان الجنود يطلبون سجائر.
على طول الطريق الساحلي الممتد بمساحة تقدر بـ 360 كيلو متر تقريباً تجذبك بعض القوارب المتوقفة على الساحل الأزرق، كأنها لوحة فنان، بينما يتكثف حضور اللوحات الإعلانية للزبادي والصابون على جانبي الطريق وهي ضمن منتجات شركة هايل سعيد أنعم.
بالنسبة لمسافر على الخط الطويل يريد الوصول لوجهته بواسطة سيارة دفع رباعي فإن آخر ما سيفكر فيه هو الزبادي والصابون.
تعزز المتحدة للتامين حضورها بشكل مبالغ فيه عبر زرع أطنان من الحديد للتحذير من خطورة الكثبان الرملية، لكن تلك اللوحات الحديدية لا تخبرك مثلاً عن المسافة المتبقية بين منطقة وأخرى، ولا ترشدك لشيء عدى تحذيراتها.
فقط أحذر أمامك كثبان رملية، أو إحذر أمامك منعطفات خطيرة، وينتابك شعور أن هذه اللوحات وضعت للمشتركين في خدمة التأمين الصحي الخاص بالمتحدة للتامين، وكأنها لا تريد تحمل كلفة أن يصاب أحد مشتركيها.
منتجع قنا
في الواحدة ظهراً تقريباً وصلنا الى متنجع قنا السياحي الواقع ضمن نطاق جغرافي لمنطقة "عين بامعبد".
إن كنت ستنفق مالك لقضاء إجازة رائعة رفقة اسرتك فيجب عليك الذهاب الى منتجع قنا بالنسبة لسكان المحافظات الشمالية يُفضل أن تكون الزيارة في الشتاء.
منتجع راقي ونظيف، سلسلة من الفلل الحديثة تحتضن شاطئ ساحر بمياه فيروزية ورمال بيضاء ناعمة.
تطل فيلات المنتجع على المياه، وتوفر فرصة لممارسة رياضة السباحة دون الخوف من الغرق بالنسبة للمبتدئين. بالإضافة الى حديقة أطفال ومطعم ومغسلة.
الصباح الثاني، توجهنا ناحية مدينة عتق في الطريق الى عتق مررنا بمنازل طينية في مناطق حبان والحوطة وجردان، تستحق هذه التحف الهندسية ان يتحدث عنها العالم لفرط جمالها. إنها ليست بيوت إنها لوحات فنية لو كان هناك من يسوقها لأصبحت مزاراً سياحياً عالمياً.
وصلنا لعتق والحق ان عاصمة المحافظة ليست كما تبدوا في البومات المصورين، فهي صغيرة، ويعوزها معظم الخدمات. كما ان الفنادق التي تقدم خدمة جيدة محدودة للغاية.
ثمة إنفاق باذخ على الديكورات الخاصة بمحلات البنشر ومستلزمات السيارات، حتى أنك قد تتفاجآ انها أكثر سعة وكلفة وابهار من ديكورات البنوك الاهلية.
هناك المئات من العمال الشماليين حيث لا أحد يضايقهم وحيث الشعور يتنامى أن العديد من الروابط والمشتركات تجمع الشماليين وأبناء شبوة على نحو خاص.
في المجمل ربما لن يعجب المتعصبين للانفصال القول إن الشارع الجنوبي آخر ما يهمه الآن هو قضية الانفصال.
يجب على القادة الجنوبيون المتحمسين للانفصال أن يشعروا بالقلق ذلك أن الشارع ليس معهم بشكل كلي، لكن وعلى الرغم من تراجع تلك الأصوات المطالبة بالانفصال إلا أن فكرة تشطي اليمن قائمة وتشكل مخاوف من احتمالين: دعم الامارات القوي للتشطير، وقبول حوثي بالتقاسم شريطة سيطرته على مناطق الشمال.
نزلنا في فندق يدعى الصفوة، وقد لاحظت أن هناك هوس بهذا الاسم في محافظتي شبوة وعدن.
هناك أكثر من فندق بهذا الاسم وعدد من المحلات التجارية وقد تعثر حتى على بقالة صغيرة بنفس الاسم.
معظم أبناء شبوة لا يتعاطون القات، وحين أستفسرنا عن السوق أخبرنا أحد الأشخاص انه قد تم نقله بعيداً عن المدينة بأمر من نائف البكري المحافظ السابق لشبوه.
انطلقنا ناحية السوق وعلى الطريق رأينا معسكر القوات الخاصة وعلى جدرانه صور لعسكريين قتلوا وآثار معركة كانت شرسة بما فيه الكفاية.
ثم لاحظت في طريق العودة مقر اللجنة العليا للانتخابات بالمدينة، والشيء الغريب أن اللجنة التي توقفت أعمالها منذ 13 عاماً تقريباً كانت قد استبدلت لتوها لوحة قديمة بلوحة جديدة.
في الصباح التالي قررنا العودة إلى عدن أكلنا السندوتشات في بوفية قريبة من الفندق، شربنا الشاي وكان حلواً بشكل مبالغ فيه، ثم طلبت عصير مانجو بارد لمحاولة تبديد الرطوبة على الرغم أننا في ساعات الصباح الأولى، وكان السكر زائداً لدرجة إنني لم أستطع بلعه، ربما يفسر هذا الاستخدام المفرط للسكر الارتفاع غير المبرر لأسعاره عالمياً.
في طريق عودتنا إلى عدن عبر محافظة أبين مررنا بمنطقة الوضيع مسقط رأس الرئيس هادي.
منطقة جرداء بيوت عادية مبنية من البلك وبعضها من الحجر، ليس هناك خدمات أو جامعة او مستشفى، لا قصور، ولا فلل وحتى الطريق الاسفلتي ليس جيداً؟
في الحقيقة لا يمكننا أن نصف هادي بالنزيه حتى نجد مبرر للوضع الأقل من عادي التي بدت عليه مسقط رأسه، وهذا يبرر حالة النكران التي لمسناها له في بلاده كرئيس سابق.
بحثت عن أي شيء من العرفان لهادي حتى وإن كان بشكل غير رسمي لكنني لم أجد.
ليس هناك سوى صورة متداعية موضوعه في جدار مطعم يبيع دجاج مشوي، بالقرب من مركز صحي من دور واحد عليه طلاء أبيض يشبه الضريح.
لا شي مميز في بلاد الرئيس يجعل من الذين يمرون بهذا المكان يعرفون أن التراب اللي يطأونه سبق وأنجب نائباً للجمهورية اليمنية ظل لمدة أكثر من عشرين عام ثم رئيس لليمن لقرابة العشر سنوات.
أثناء مغادرتنا لمحافظة أبين صدف أن وجدت في نهاية اليوم والشمس ترسل أشعتها الأخيرة وراء لوحة قماشية موضوعة على سارية كبيرة صورة متداعية للرئيس هادي وعيدروس الزبيدي.
في الحقيقة كانت صورة هادي قد تلاشت بالفعل وبقي عيدروس يلوح وحيداً لمواطني محافظة لديها رئيسين، ولكن النساء هناك يفارقن الحياة أثناء الولادة لعدم وجود خدمة رعاية طبية.
العودة إلى صنعاء
كنا قد أمضينا عشرة أيام في عدن وشبوة وأبين ولما انتوينا العودة إلى صنعاء قررنا أن نسلك طريق لحج يافع وصولاً إلى مديرية الزاهر في محافظة البيضاء ومن هناك إلى صنعاء.
كانت الطريق عبارة عن رحلة من العذاب فهي مليئة بالحفر، والمطبات، والنقاط الأمنية والشاحنات المحملة بالبترول والديزل.
والحق أننا لم نتلقى أي معاملة مسيئة في نقاط التفتيش بخلاف ما كنا نتوقع.
لاحظت أسراب من المهاجرين الأفارقة، والكثير من اليمنيين اليائسين على طول الطريق.
في آخر نقطة أمنية تقريباً وهي الفاصلة ما بين يافع ومحافظة البيضاء ثمة سارية عملاقة تنتصب بطول قرابة 20 متراً يرفرف عليها علم الجنوب قبل الوحدة اليمنية، هناك شيء لافت وهو شكل الجنود وهندامهم، إنهم يرتدون ملابس عسكرية مرتبة ونظيفة كما لو أنهم جنود نظاميون، وهذا يختلف كلياً عن مظهر العناصر التابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين في أول نقطة تسيطر عليها الجماعة، في مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء.
هناك مجموعة من الأطفال والبالغين المتحفزين يرتدون زياً شعبياً، يطلبون قبل كل شي ما يقولون إنها العملة المزورة وهي النقود التي تتعامل بها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في مناطق سيطرتها.
ثم يقومون بعملية تفتيش مرهقة للأغراض وهويات المسافرين.
ونحن نعبر من أول نقطة في الشمال، كان الطقس قد أضحى لطيفاً خمس ساعات ما بين الرطوبة في عدن، والطقس المعتدل في البيضاء.
إن هذا التنوع الجغرافي والسكاني المذهل الذي تمتاز به اليمن، جديراً به أن يحظى بنظرة مختلفة من قبل أولئك الفرقاء الذين أعمتهم ولاءاتهم للخارج عن الكنوز التي بين أيديهم.
لقد حان الوقت الان لوقف النزاع وبناء اليمن!
(من حساب الكاتب في فيس بوك)