كان يُعرف قديماً "باليمن السعيد"..
لأن جباله تجلب الأمطار وتجعله جنة وسط صحراء قاحلة..
أما الآن، تشهد جباله وسهوله هدنة هشة، إثر حرب أهلية تورطت فيها قوى إقليمية..
ومنذ بداية الحرب في غزة، تنطلق من سواحله تهديدات للملاحة الدولية..
منذ السابع من أكتوبر الماضي، شنت إسرائيل الحرب على غزة، بعد تعرضها لهجوم مباغت نفذه مقاتلون من حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى.
ووصلت تداعيات الصراع إلى اليمن، إثر قيام جماعة أنصار الله الحوثيين باستهداف السفن التجارية "التي لها علاقة بإسرائيل"، التي تعبر مضيق باب المندب، حتى توقف هذه الأخيرة حربها في قطاع غزة.
ويأتي التصعيد الحوثي في ظل استمرار الهدنة الهشة، التي تم التوصل إليها في أبريل من سنة 2022، وتوقفت بموجبها أغلب الأعمال القتالية، في الحرب الأهلية اليمنية، وسط تغير مستمر في مواقف اللاعبين المحليين والقوى الإقليمية والدولية، التي أعلنت أنها تسعى إلى عدم توسع الصراع، وسط مخاوف من تحوله إلى حرب إقليمية.
ثلاثة حروب متوازية.. و"رقص على رؤوس الثعابين"
لازال اليمنيون ينتظرون انتهاء الحرب في بلادهم. لكنهم لا يواجهون حرباً واحدة، بل عدة حروب تدور رحاها في نفس الوقت وبصفة متوازية. فعلى المستوى الدولي، وإلى جانب التوتر في البحر الأحمر، تخوض الولايات المتحدة حرباً ضد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
أما على المستوى المحلي، فتدور حرب أهلية، تعصف بالبلاد منذ سنوات، ولاتزال آثارها متواصلة رغم توقيع هدنة خلال عام 2022.
إذ يقول الباحث في مركز واشنطن للدراسات اليمنية، سيف المثنى، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، إن المشهد اليمني معقد، فالجنوب يبحث عن الانفصال، وكل من حضرموت وتهامة تريدان الحصول على صفة الإقليم. أما الأحزاب السياسية فلا توجد لها رؤية لحل الأزمة المستمرة في البلاد.
كن الطرف المحلي الأكثر شهرة، فهو جماعة أنصار الله الحوثيين، التي تنشط في شمال البلاد، وعُرفت بعدائها الشديد للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي وصف حكم اليمن بأنه يشبه "الرقص على رؤوس الثعابين".
ويقول مراسل قناة الحرة في اليمن، نبيل اليوسفي، الذي تحدث إلى سوا بودكاست، إنه عقب سقوط نظام صالح، إثر ثورة الحادي عشر من فبراير 2011، والتي جاءت ضمن موجة الربيع العربي، سرعان ما تحالف الخصمان، بعد انهيار الحوار الوطني وفشل محاولات التسوية.
بدأ الحوثيون تحركهم المسلح سنة 2014 بالتعاون مع أنصار صالح وبعض الأطراف الأخرى، وسيطروا على العاصمة صنعاء، حيث أطاحوا بالرئيس، عبد ربه منصور هادي. ولم يلق توسع الحوثيين معارضة إقليمية في البداية، إذ كان يُنظر لهم على أنهم قوة تحارب الإسلام السياسي.
تقول الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي تحدثت إلى سوا بودكاست، إن توسع الحوثيين وإطاحتهم بالسلطة الانتقالية في صنعاء، كان بدعم إيراني وتواطئ سعودي إماراتي، وهو ما يعد مفارقة، نظراً للتنافس الإقليمي بين هذه الدول، التي يجمعها قاسم مشترك كبير، وهو معاداتها للربيع العربي. لكن بعد أقل من سنة، تسببت نشاطات الحوثيين في قلب المعادلة الإقليمية تماماً، عندما توجهوا نحو الجنوب.
يشرح الباحث، سيف المثنى، ذلك بالقول، إن توجه الحوثيين نحو عدن، إلى جانب المناطق الجنوبية الغنية بالنفط، أثار حفيظة المملكة السعودية، التي ما لبثت أن بدأت تدخلاً عسكرياً واسع النطاق سنة 2015. ويضيف المثنى، أن الحوثيين يعترفون بأن ذلك كان خطوة خاطئة، دفعهم إليها الرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
تضارب مصالح واستقرار صعب التحقيق
جمعت السعودية تحالفاً من تسعة دول "لاستعادة الشرعية" الممثلة في السلطة المركزية التي يرأسها عبد ربه منصور هادي، لكن المصالح التي دفعت نحو المشاركة في التحالف، تختلف من دولة إلى أخرى.
فإلى جانب رغبتها في إيجاد منطقة عازلة على الحدود مع اليمن، ترى السعودية في صعود الحوثيين خطراً إقليمياً، بحكم التقارير التي تتحدث عن العلاقات الوثيقة بين طهران وتلك الجماعة، رغم نفي هذه الأخيرة لذلك.
والدعم الإيراني لا يقتصر على الناحية العقائدية فقط، بل كذلك من خلال إرسال أسلحة، وتقديم مشورة عسكرية وفنية. من جهتها ترى أبوظبي أن استيلاء الحوثيين على ميناء عدن، الذي سبق أن وقعت اتفاقية بشأنه مع الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، تهديداً مباشراً لمصالحها، حسب الباحث سيف المثنى.
لكن بعد ثماني سنوات من الحرب، لم ينجح أي طرف في فرض إرادته. إذ خسر الحوثيون الجنوب، وظهرت خلافات جوهرية في صفوف التحالف الذي تقوده السعودية، بشأن أهداف التدخل العسكري. وتجلى ذلك في تحول جنوب اليمن إلى ساحة للتنافس السياسي وصراع النفوذ. وهو ما فتح الباب لمزيد من التدخل الخارجي في اليمن.
إذ يقول الباحث سيف المثنى إن دولة الإمارات تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرفع شعار الانفصال. ويأتي ذلك على النقيض من الموقف السعودي، الذي يدعم وحدة أراضي اليمن.
يقول، عضو مجلس الرئاسة والممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عمر البيض، إنه المجلس يدعم المساعي التي تقوم بها السعودية، للحوار مع الحوثيين. ويضيف أن الأزمة اليمنية تشوبها عدة مشاكل متزامنة، أولها ما وصفه بانقلاب الحوثيين على السلطة الانتقالية في صنعاء، وقضية شعب الجنوب.
من جهتها، ترى الناشطة اليمنية المثيرة للجدل، توكل كرمان، أن "اليمنيين الآن يجب أن يخرجوا من تبعية الخارج، لأن هذه حرب بالوكالة، هي حرب نفوذ ما بين السعودية والإمارات وإيران، لا شأن لليمنيين بها".
ومع بداية الحرب في قطاع غزة، ظهرت إلى السطح تعقيدات وامتدادات المشهد اليمني الإقليمية والدولية. إذ أعلنت جماعة أنصار الله الحوثي أنها ستستهدف السفن التي لها علاقة بإسرائيل، التي تمر قبالة سواحل اليمن.
ولم يمر وقت طويل، حتى حولت الجماعة تهديدها إلى عمل فعلي، بعد استيلائها على سفينة تجارية، وإطلاقها دفعات من الصواريخ والطائرات المسيرة، ليس باتجاه السفن العابرة للبحر الأحمر فقط، بل باتجاه إسرائيل نفسها.
وتزيد هذه العمليات من الضغط ليس على دول المنطقة فحسب، بل على المواطنين اليمنيين، إذ قالت الأمم المتحدة إن البلد يشهد إحدى أكبر الكوارث الإنسانية.
في الأثناء، واصلت المملكة السعودية جهودها للتهدئة وإحلال السلام، إذ أكد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، "أنه حان الوقت للسعي لإنهاء الصراع في اليمن"، كما طلبت الرياض من الولايات المتحدة ممارسة "ضبط النفس" في الرد على الهجمات التي تستهدف الملاحة البحرية، عقب تكوين واشنطن لتحالف تحت شعار "حامي الازدهار".
لكن استمرار الحوثيين في تنفيذ تهديداتهم، يرفع من التوتر الذي قد يشعل حرباً إقليمية في المنطقة. أما نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، فيقول إن أغلب الأطراف لا تزال متصلبة ومتعصبة لمواقفها، ومعاناة اليمنيين كبيرة، وهم يتطلعون إلى خلاص من الحرب وتبعاتها.
عندما تسكت المدافع ينطق العقل والضمير ويصل الناس إلى تفاهمات وحلول، لكن في ظل الحرب أو حالة اللاحرب واللاسلم، يظل العقل مغيباً وإرادة الناس لا تتمكن من أن تعلن عن نفسها بشكل طبيعي.